رحلة الى عالم العذريين (2)

> «الايام» د. عبده يحيى الدباني:

> أما أبو صخر الهذلي فيقول في نونيته المشهورة:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ** فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا

فهذا البيت أيضًا يدل على تبكير العلاقة، وعلى الفراغ الذي كان يسود الحياة في البادية، فما أن يلامس قلوبهم الحب حتى يجد ضالته فيهم ويتمكن منهم فتتسع دائرته وتزداد عمقًا إذ لا شيء غيره ينافسه أو يزاحمه من اهتمامات الحياة الكثيرة الموجودة في الحياة الحضرية.

يقول جميل بن معمر المشهور بجميل بثينة:

يقولون مهلاً يا جميل وإنني ** لأقسـم ما لي عن بثينة من مهل

أحلماً فقبل اليوم كان أوانه ** أم أخشى فقبل اليوم أوعدت بالقتل

فأنت ترى في هذين البيتين مدى ما وصل إليه الشاعر العذري العاشق من هيام وفقدان إرادة وتعطيل للعقل، وانعدام توازن، لقد وصل إلى نقطة اللاعودة، إذ شط به الهوى وذهب به كل مذهب وذللـه واستعبده، فمن أين للهوى عقل؟ لا بل إن العقل والهوى أمران لا يجتمعان، فإذا حضر الأول تراجع الآخر والعكس صحيح، والإنسان الحقيقي السليم هو الذي يسيطر عقله على هواه، أما الإنسان الضعيف الضال فهو الذي يسيطر هواه على عقله، هذا من حيث المبدأ العام، ولكن تبقى الأمور نسبية ومتفاوتة بين أقصى العقل وأقصى الهوى. فجميل في بيتيه يكشف لنا كيف رفض التمهل والرفق في حب بثينة، فقد أبى إلا أن يكون متطرفًا لأنه قد مر بمراحل طويلة، أوصلته إلى نهاية الشوط، لقد ولى الرفق والتمهل والتعقل والخوف من الأذى والقتل، وجميل نفسه هو القائل:

ولو تركت عقلي معي ما طلبتها ** ولكن طلابيها لما فات من عقلي

حيث صار الشاعر العاشق مخدرًا أو سكرانَ من جراء العشق ولا عجب فالمخدرون والسكارى من الناس كثيرون من غير أن يعاقروا الخمر، فهذا سكران بالمال، وذلك سكران بالشهرة، وآخر مخدر بالسلطة والجاه، وتلك مخدرة بالحسب والنسب وأخرى بالجمال أو الإعجاب بالنفس، حتى لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من المهلكات: هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه» وقد وصف الله تعالى قوم لوط بأنهم في سكرتهم يعمهون ولم يكونوا إلا سكارى بشذوذهم حيث تمكن منهم، ووصف الناس بالسكارى يوم القيامة لأن عذابه جل جلاله شديد إذ قال تعالى: ?{?وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد?}?.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى