قصة قصيرة بعنوان (حكاية أبو مشوار)

> «الايام» عبدالعزيز القادري:

> أبو مشوار ليس موظفاً ولكنه سمسار فضولي، يخرج من منزله صباح كل يوم يجوب في الأسواق باحثاً عن صيده، ولديه أسلوب مغر في التوفيق بين البائع والمشتري، وهكذا اعتاد على كسب عيشه عندما يجد زبائنه ويحصل على الدلالة، أبو مشوار معروف في الأسواق التي يرتادها، ومعروف بين الناس بنوادره ونكاته وابتسامته الساخرة وبحسه الهزيل وشاربه الكث ووجهه المصفر من كثر تعاطيه (القات) .

يعود أبو مشوار إلى منزله ظهراً حاملاً رزمة(القات) تحت إبطه الأيسر والابتسامة تعلو شفتيه، فشراء (القات) في مقدمة مهامه اليومية، يطرق باب منزله فتفتح له زوجته، ينظر إليها نظرة تعلوها نشوة كرجل يخرج رزقه من صخرة، ويداعبها ببعض نكاته المعتادة، وها هو يضع (القات) جانباً ليستلقي على الفراش، ثم نهض وطلب الغداء، وبعد قليل عاد ليسترخي قليلاً ثم أخذ رزمة (القات) وراح يتفحصها ويلقب أغصانها، وأخذ منها غصناً ومضغه وطلب من زوجته إعداد (المداعة) التي تعتبر سلوته أثناء المقيل.اعتدل في متكئه وبدأ يلوك أغصان (القات) حتى ملأ شدقيه وهو قابض على (قصبة المداعة) ويمتص الدخان وينفثه هنا وهناك.. إلى أعلى ثم إلى أسفل.. وكأنه يغازل (المداعة) ويداعب دخانها بشفتيه، فامتلأت الغرفة بالدخان، وكأن ضباباً داهمها من السماء.. وهو كالمشدوه يحرك عينيه يميناً ويساراً، ولا يُرى منه سوى حركة شفتيه كمن يتمتم أو أصابعه التي تتحرك بصورة غير إرادية وهو قابض على (قصبة المداعة) والعرق يتصبب على جبينه، ثم راح في نشوة في هذه اللحظات التي يتمناها كل يوم.

وخرج أبو مشوار من منزله يوماً.. فانتصف النهار ولم يصادف أي زبون.. فنال منه التعب، فتنهد وأخذ نفساً عميقاً وزفر، ثم فكر .. من أين يأتي بقيمة رزمة (القات) في هذا اليوم المشؤوم؟ ذهب إلى سوق (القات) وطلب من (المقوت) رزمة (قات) ديناً.. على أن يسدد له ثمنها اليوم التالي.. ولكن (المقوت) لم يأبه له ولم يعره اهتماماً.. فصرخ في وجهه متوعداً ومهدداً ،وبدأ في الشجار، فحال بعض الناس بينهما.. فخرج أبو مشوار من السوق في حالة عصيبة لا يدري كيف قادته قدماه إلى منزله، فطرق الباب بعنف.. هرعت زوجته لتفتح الباب فرأت زوجها في حالة يرثى لها، كان متوتراً وهو يلعن (القات والمقوت) واليوم الذي مر عليه.. فهونت عليه زوجته وقالت:

-لماذا لا تبحث عن وظيفه؟ وتترك هذا العمل فهو غير مضمون.

فقال بعصبية:

- أي وظيفة؟! إن راتب أي وظيفة لا يكفي لشراء (القات) لأسبوع.

ثم انطوى عنها جانباً ،وامتد على فراشه.. يتقلب كأنه راقد على أشواك.. ثم استرخى.. وضمرت عيناه وفتر جسمه وغط في نوم عميق.. وبدأت الأحلام المزعجة.. فرأى في منامه أنه يفر إلى أسفل الجبل.. وهناك صخرة عظيمة تهوي من أعلاه تلاحقه.. فأخذ يصرخ ويستغيث.. فاستيقظت زوجته على صراخه ثم أيقظته.. فانتبه مذعوراً.. ومحملقاً عينيه وهو يردد بخوف:

- الصخرة.. الرازم.. الدكاك..

فعلقت زوجته بعتاب:

- بل هو كابوس القات.

هدأ قليلاً ثم سألها:

- أين أعواد القات؟

فأجابت متسائلة:

- أي قات؟

قال بصوت خجول :

- قات البارحة.

فردت متعجبة:

- في كيس القمامة.

فقال آمراً:

- أسرعي وأتيني بالكيس.

أحضرت زوجته الكيس.. طلب منها أن تفتحه ففعلت.. فمد يده وأخرج أعواد القات المختمرة بفضلات الطعام الرطبة.. تناول بعض الأعواد وغسلها.. ثم لاكها على كأس ماء.. وبعد دقائق هدأت أعصابه.. نظر إلى زوجته خجلاً.. ثم امتد على فراشه ونام.. وأشرقت الشمس في يوم جديد على أبو مشوار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى