اللوحة المعكوسة

> جلال عبده مـحسن:

> في أحد المتاحف الأسبانية وخلال أكثر من شهر، كان الوافدون إليه ينظرون إلى ثلاث لوحات للرسام الأسباني (خوان غريس) دون أن يتنبه أي منهم إلى أن إحدى هذه اللوحات، وهي لوحة «كأس وجرة» موضوعة رأساً على عقب، وكان الجميع يشاهدون هذه اللوحة ذات الطراز التكعيبي التي أبدعتها ريشة هذا الرسام المدريدي واقتناها المتحف عام 1984م بمبلغ 45 مليون بيسيته، إلى أن صرخ أحدهم: يا للفضيحة كيف وضعوا هذه اللوحة على نحو معكوس تماماً، فهرع الناس من كل جانب من جوانب المتحف وراحوا يلومون جهلهم أولا إذ كانوا قد مروا بها وأمعنوا النظر فيها فأثارت إعجابهم على الرغم من وضعها المقلوب.

والعجيب أنه ما من أحد منهم تجرأ على أن يضعها في الوضع المناسب أو حتى الإشارة إلى ذلك، ما جعل مدير المتحف وفور سماعه الخبر يسارع في وضع اللوحة على النحو الصحيح ولكن بعد أن تناقلته وكالات الأنباء فأثارت فضيحة في أسبانيا مع أنه خطأ غير مقصود، وبالرغم من أن الصورة كانت معقدة وبحاجة إلى نظرة خاصة لاكتشاف الخطأ إلا أنها وجدت من له تلك القدرات ويطلق صيحته التي أعادت لها وضعها الصحيح.

وكثيرة هي الصورة المعكوسة والمشوهة التي تمر من أمامنا اليوم وليست بحاجة إلى مشقة في الإمعان فيها لنكتشفها لأوضاع كانت حتى عهد قريب نفتخر بها في الوقت الذي كان يراهن بأن تكون اليوم أكثر تطوراً وازدهاراً لا أن تتبدد وينقلب حالها وتحل محلها صورة مغايرة عادت بنا إلى نقطة الصفر، لقد أصبحت مجرد أحلام.. برغم بساطتها إلا أنها كانت تحمل في طياتها آمالاً وطموحات كبيرة تبعث على التفاؤل ومع ذلك تختلف مشاهدة الناس لها وكل ينظر لها من زاويته الخاصة وبحسب مصلحته في هذه الدنيا الفانية فالبعض يمر من أمامها مكتفياً بهز رأسه وتجاهلها بينما البعض الآخر يستنكر ذلك لكنه لا يملك سوى همهمته الخافتة التي لا يسمعها إلا لنفسه.

ويوجد في الساحة من يطلق صيحته إلا أنها ليست بالصيحة المطلوبة.. ولا يتطلب الأمر معها سوى شجاعة وصيحة قوية لتصحيحها وتعديلها ونقلها من الوضع الخطأ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى