بوابة الزمن الجميل

> ريم عبدالغني:

>
تتسابق الأشجار على جانبي الطريق، وتتغير ألوان الطبيعة تدريجياً من شحوب الصحراء إلى نضارة الساحل .. صباح بارد من صباحات شتاء دمشق، حمدت الله أن الطريق ليس مغلقاً بالثلوج وأن الضباب أخف من أن يعيق الرؤية، ساعتان ونصف تفصلني عن المدينة الساحلية الهادئة على شاطئ المتوسط، كنت قد ترددتُ قليلاً وأنا أتأمل جدول المواعيد وأوراقي وكتبي المبعثرة في كل مكان، ولكني في النهاية حسمت أمري وقررت أن أسافر لأهنئها في يوم عيد ميلادها.

بعد أن قطعت شوطاً من الطريق تسللت إلى نفسي راحة الرضا.. شعرت أن ما أقوم به هو أضعف الإيمان لأعبر لصديقة الطفولة عن مدى سعادتي بتقاطع طرقاتنا ضمن ستة مليارات إنسان يعيشون معنا في ذات الزمان على ذات الأرض، لأخبرها بما يمنحني وجودها في هذا العالم من شعور بالألفة، رائع أن نجد أصدقاء يبددون وحشة الرحلة التي كتبت علينا بين المهد واللحد،...أليس «الأصدقاء وطن»؟..

هي في ذهني بوابة الزمن الجميل، يوم كان كل شيء نقياً وعفوياً.. حلقنا معاً .. تقاسمنا صفحات كتبنا وفرحنا وهمومنا.. حتى أحلامنا.. أرانا عائدتين من الجامعة إلى البيت نحمل أوراقنا وأدواتنا الهندسية، نركض سعداء تحت المطر غير مبالين بمظهرنا وشعورنا المبتلة ولا بالتأنيب الذي ينتظرنا عند العودة، نلجأ إلى المطعم الصغير الذي اعتدناه واعتادنا، نتناول الشطائر التي مازالت رائحتها الشهية في أنفي، كنا نضحك حتى تؤلمنا خصورنا..

كانت الإيماءة كافية لنتفاهم، ولطالما استوعبت فيض أحزاني، عينان كبيرتان تتسعان دهشة أمام أقاصيصي التي لا تنتهي، وتدمعان إذ يتهدج صوتي وتلمعان فرحاً بنجاحي..

و لأن «صديقك مَن صَدَقَكَ لا مَن صَدّقَك»، فقد اعتدت أن أراها أول المنتقدين ومرآة صادقة للحقيقة، كنا نتشاكس و نتخاصم كالأطفال..أجل.. لكن - كما قال نزار قباني- حين ترتفع قبضاتنا في الهواء..كانت تتعانق ..لتتغامز على غبائنا.. كان شعارنا:

صديقي من يشاركني همومي ** ويرمي بالعداوة من رماني

و يحفظني إذا ما غبت عنه ** وأحفظه لنائبة الزمان

أكان العالم مختلفاً أم نحن الذي تغيرنا؟ صديقتي الوفية لم تتغير قط و ما زالت كما عرفتها قبل عشرين عاماً.. الصداقة فن لا يتقنه الكثيرون..وهي تجيده ببراعة.

أبحث عنها حين أشعر أني ابتعدت عن نفسي .. فتشدني ثانية إلى أرضي أو ربما إلى سمائي، خيط سحري يربطنا يتحدى المسافات والزمن، فبعد غياب شهور أدير قرص الهاتف، فيثلج صدري صوتها الودود الدافئ، تقرأني من نبرة صوتي، تكفيها الكلمة الأولى لترسم خريطة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى