عدن.. تعود إلى شرب الماء من الزير!

> «الأيام» د. سعيد البري:

> سألت يوماً صاحب دكان:«أيش هذا الزير الأزرق الذي في الداخل؟!» فأجاب وهو ينظر إلى الزير الذي يحتل موقعاً داخل الدكان ما كان على البال!، وقال:«فرضوا علينا أن لا نبيع الماء إلا بهذه الطريقة، لأنه أنظف من الماء الذي يأتي (بالدبة) اللي ما حد يعرف عن نظافتها».. قلت له: «وكيف تبيع هذا الماء؟» قال:«اللي يشتي ماء يجيب أية وعاء أو (دبته الخاصة) ونحت شانسكب له»، قلت له:«طيب، واللي يشتي يشرب ماء بارد مع شدة حر عدن، كيف بايسوي؟!»، قال:«هذا سهل!، محلولة، نحن نعبئ الماء في أكياس صغيرة جديدة ونضعها في الثلاجة تبرد ثم نبيعها للعطشان، وما عليه إلا (يرضع الكيس) وهو ماشي! أما إذا احتاج كثير، إذا كان مثلاً عنده ضيوف، فنعد له كما يشتي والكيس 5 ريال».. كانت تعبيرات وجهه وطريقة كلامه تدل على أنه غير مقتنع بهذه الطريقة، ولكنها فرضت عليه!.. قلت له:«نحن في عدن!، العاصمة الثانية والمنطقة الحرة!!»، قال:«الصبر!!».

بالنسبة لي، شخصياً، سمعت أنه كان قبل الثلاثينات من القرن العشرين يوجد في عدن ناس يشتغلون في توريد المياه من آبار عدن ، يسمونهم (ورادين) وهذه الوظيفة لا يعرفها الآن من تقل أعمارهم عن السبعين عاماً في مدينة عدن.

ذات يوم ارتفعت حرارة مكينة سيارتي، فاكتشفت تسرب ماء الرادييتر، فأخذت (دبة) إلى أقرب دكان لإحضار ماء من هذا النوع، وطلبت صاحب الدكان يستعجل لي بالماء ولكنه تأخر حوالي 5 دقائق لأن (الزير الأزرق) خارج الدكان والزبائن معه داخل الدكان.

كان قبلي، في الطابور، أحد الزبائن الذي يطلب الماء الذي يسميه (كوثر) من هذا (الزير الأزرق) حيث تبادلت معه بعض الحديث التلقائي عن طبيعة هذه الخدمة! وسألته:«ترى هل هذا الماء حقيقي خال من الأملاح والأوساخ؟!»، قال:«أكيد أحسن من ماء القصبة الذي يصلنا فيما ندر من ساعات اليوم مع الأوساخ والأملاح!» قلت له:«هل تعتقد أن هذا هو الحل المناسب للحصول على ماء للشرب؟» قال:«الحمد لله أن الماء موجود!!، فقد كنا خائفين ينقطع علينا الماء في عدن بالكامل!، الآن لدينا ماء القصبة للحمام، وهذا الماء للشرب».. قلت له:«ولماذا تخاف من انقطاع الماء في عدن؟!»، قال:«يئسنا» قلت له:«من أيش اليأس؟!» قال:«أنته فين؟! تدور على ماء كوثر للسيارة! وما تدري أنه في ناس هنا يدورون على أكل!!، أكل!!».. في هذه الأثناء، خرج صاحب الدكان فملأ لهذا الرجل وعاءه، ثم حصلت أخيراً على طلبي من ماء (الزير الأزرق).

علمت أن الماء كان (أيام الورادين) ينقل على الجمال، أما الآن فينقل على شاحنات نصف نقل (دينا) نراها تجوب الشوارع بسرعة، نستطيع تمييزها بالخزان المحمول عليها والماء المتسرب من جوانبها وخلفها، وخرطوم الماء الذي يتدلى منها في بعض الأحيان. هذا الخرطوم (لو عرف طريق المحكمة لذهب يشتكي!).

لأن صاحبه (الموزع) يرميه كل مرة أمام الدكان بعد وصول الشاحنة، إلى الشارع، (كما لو كان يعاقبه!) وفي بعض الأحيان يكون الشارع في ذلك المكان، ممراً لمياه المجاري، التي تفيض من حين إلى آخر.

ثم يلتقطه صاحب الدكان ليضعه داخل (الزير الأزرق) بترابه وقاذوراته.. ثم يرجعه إلى صاحبه الذي بدوره يرميه إلى حوض الشاحنة في الماء الملوث الذي بجانب وتحت الخزان على الشاحنة.

بهذا، نستطيع القول إن المياه، بهذه الطريقة معرضة للتلوث في طريقها إلى المستهلك، بصرف النظر عن المصدر الذي تأتي منه. وكذلك مياه الأنابيب في كل المحافظة تحتاج إلى اهتمام الجهات المسؤولة وكل المواطنين لكي يصل الماء النقي كل منزل أسوة ببقية المناطق الحضرية في البلدان المجاورة والعالم، وبالاستفادة من الندوة العلمية التي نظمتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا) المنعقدة في الفترة 19-17 يوليو في جامعة صنعاء حول تطبيق المعايير في إدارة نوعية المياه.. وهذه مهمة وزارة المياه والبيئة ووزارة الصحة والهيئات المعنية بالموارد المائية، فهل من مستجيب؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى