جاسوس روسي يلجأ إلى سفارة بريطانية حاملاً ملفاً سرياً عن اليمن .. قصة تسليم مخابرات صنعاء للمخابرات السوفيتية تسجيلا صوتيا لمحادثة سرية بين علي صالح وعلي ناصر

> عدن «الأيام» خاص :

> عندما لجأ ضابط المخابرات الروسي فاسيلي ميتروخن إلى بريطانيا أحضر معه وثائق وصفها مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية بـ«أكمل وأوسع عمل استخباراتي وصل من أي مصدرعلى الإطلاق».

وعند صدور الجزء الأول (2005) الذي تعلق بأعمال الكي جي بي (وكالة الاستخبارات السوفيتية) في أوروبا أثار الكتاب ضجة إعلامية في الغرب، والآن صدر الجزء الثاني الذي يتعلق بأعمال الكي جي بي في العالم ومدى اختراقها الدولي في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الاوسط.

وطيلة ربع قرن اعتقدت الكي جي بي أن العالم الثالث هو الساحة التي تكسب فيها الحرب الباردة، ويهمنا في هذه الترجمة البسيطة ما ذكره الكتاب عن اليمن وأعمال الجاسوسية التي تمت فيها.

يروي الكتاب وبإسهاب عن رؤية الاتحاد السوفيتي لمنطقة الشرق الاوسط وكيف عولت روسيا على علاقتها بجمال عبدالناصر لتشكل مصر الدولة العربية الكبرى نموذجاً يحتذى به لنشر الماركسية اللينينية في المنطقة وكان تركيز جهاز الكي جي بي على عبدالناصر كبيراً من الخمسينات وحتى وفاته في العام 1970. ويقول الكاتب ان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كانت ترى نفسها النموذج الماركسي للمنطقة، ولكن المذابح الدموية التي رافقت الانقلابات الدورية فيها جعلت منها مغرماً وليس مغنماً في أعين الروس أنفسهم.

والبداية في 9 ابريل 1992 في احدى دول البلطيق المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفيتي والتي وصل فيها رجل عجوز في السبعين من عمرة قادماً على قطار الليل من موسكو لحضور مقابلة رتبت مسبقاً مع ضباط المخابرات البريطانية (اس اي اس) والمعروفه بـ (ام اي 6) في السفارة البريطانية الجديدة وبدأ بإظهار جواز سفره الذي حمل اسم فاسيلي نيكيتيش ميتروخن وهو مسؤول ارشيف رفيع المستوى في مكتب مدير المخابرات الروسية كي جي بي وفي تلك المقابلة التقطت له الصورة المنشورة مع هذا المقال وكان ميتروخن قد وصل الى السفارة البريطانية قبل شهر من هذا الموعد مرتديا نفس الملابس الممزقة حتى لا يثير اي شبهات لدى ضباط الحدود الروسية وكانت زيارته الاولى ليس للسفارة البريطانية وانما للسفارة الامريكية حيث عرض عليهم الأسرار التي يحملها ولكنهم أهملوه حيث كانوا غارقين بطلبات اللجوء وفشلوا في التقاط ميتروخن وبعد خروجه من السفارة الامريكية توجه للسفارة البريطانية حيث قابلته موظفة دبلوماسية صغيرة السن وتتكلم الروسية بطلاقة وطلبت منه ان يريها نموذجا من تلك الأسرار فقام بفتح الحقيبة المهترئة التي كان يسحبها معه وتحت أرغفة الخبز والملابس وقطع اللحم التي حملها لسفره كانت الوثائق مخبأة ولأن السفارة لم يكن فيها ضباط مخابرات طُلب منه العودة لاحقاً واتفقا على اللقاء مجدداً بعد شهر.. وفي فترة عمله لدى المخابرات السوفيتية كان ميتروخن يهرب الوثائق يومياً من مكتبه إلى منزله من العام 1972 إلى العام 1984 عندما أحيل إلى التقاعد.

هذا الكتاب هو بعض مما احتوته وثائق ميتروخن.وفيما يلي ترجمة حرفية لما ذكر عن اليمن في الكتاب:

«جمهورية اليمن الديمقراطة الشعبية»

كان الحليف الايديولوجي الاقوى للاتحاد السوفيتي في العالم العربي هو جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي تأسست عام 1970 بعد ثلاث سنوات من الاستقلال عن بريطانيا. ومثل كوبا صعدت جبهة التحرير الشعبية (الجبهة القومية) الى الحكم بعد حرب عصابات، وبعد ذلك أعلنت نفسها حزبا ماركسيا لينينيا. ومع اتساع وجود الاتحاد السوفيتي في المحيط الهندي في السبعينات استخدم الاسطول السوفيتي الخدمات بشكل متكرر في ميناء عدن وسقطرة بحسب السفير السوفيتي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بيريسيبكن الذي قال:«لقد تحركنا من منطلق أن الاشتراكية العلمية كانت نظرية عالمية وأردنا إثبات ان بلدا عربيا صغيرا وناميا ومستعمرة بريطانية سابقة سيتطور باتجاه مستقبل مشرق بشرط تسليحه بشعارات الاشتراكية العلمية».

فشلت الشعارات .. المستشارون السوفيت المعينون في الوزارات عرقلوها بعدم الكفاءة الناجمة عن الاقتصاد الموجه الذي تدربوا عليه.. ولاحظ اليكساندر فاسيلي أحد المسئولين السوفيت الذين زاروا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية: «عندما زرت عدن قبل تعميم نظام الجمعيات كانت الاسواق والسواحل مليئة بالاسماك والأحياء البحرية.. وعندما أدخل الصيادون بنظام الجمعيات اختفى السمك مباشرة».

وعلى العكس منه كان بيرسيبكين يغفر لزعماء اليمن الجنوبي الذين أوصلوا بلادهم إلى الإخفاق فهم ببساطة كانوا يتبعون وبطريقة عمياء «الرفاق الكبار» الذين «بنوا الاشتراكية».

وعلى الرغم من الآمال المبكرة بتحويل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى منار العرب لـ«الاشتراكية العلمية»، وجدت موسكو أن اليمن الجنوبي صداع مستمر. كان أحد الأهداف الكبيرة للمقيمين في عدن مراقبة الصراعات المستمرة على السلطة التي مزقت الجبهة القومية وخليفتها (منذ أكتوبر 1978) الحزب الاشتراكي اليمني، ولم تعمل موسكو سوى القليل للسيطرة عليهم.

من 1969 إلى 1978 كان هنالك صراع طويل على السلطة بين عبدالفتاح اسماعيل، زعيم الجبهة القومية الموالي بشدة للاتحاد السوفيتي، وسالم ربيع علي رئيس الدولة الموالي للصين. وفي يونيو 1978 وبمساعدة السوفيت والكوبيين أطاح عبدالفتاح اسماعيل في انقلاب ناجح بسالم ربيع علي الذي أُعدم بتهمة التخطيط للقيام بانقلاب بدعم من الغرب والمملكة العربية السعودية.

وكان الداعم الأساسي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي خلال منتصف السبعينيات هو نيكولاي ليونوف والخدمة 1 (التحليل الاستخباري).. (رقي ليونوف لمنصب رئيس الخدمة 1 في العام 1974)

في 1975 قدم ليونوف تقريرا إلى أندروبوف جادل فيه ان الاتحاد السوفيتي كان يحصل على عائد قليل جداً من استثماراته الضخمة في الشرق الاوسط .. ولم يكن لدى مصر وسوريا والعراق أي نية لدفع ديونهم الضخمة ولم تعد مصر بالحليف الذي يعتمد عليه ولم يكن الاتصال بالعراق آمنا ولم تكن سوريا عازمة على توقيع وإلزام نفسها بمعاهدة صداقة.

ولذلك اقترحت (الخدمة 1) التركيز على جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي لم تطلب معونات ضخمة .. وكان نظامها هو الأشد لينينية وماركسية، وكان لعدن أهمية استراتيجية كبرى وتستطيع مصفاة النفط فيها تلبية احتياجات الأسطول البحري وسلاح الطيران التابع للاتحاد السوفيتي.. ونوه التقرير بالكيفية التي استخدمت فيها الامبراطورية البريطانية عدن كنقطة رئيسية في استراتيجيتها الدولية.

أيضاً كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعيدة عن نقاط الصراع في المنطقة وكانت النقطة الاستراتيجية الوحيدة الممكن تحقيقها هي السلام مع اليمن الشمالي.

ولم يلق قيام (الخدمة1) بإعادة إحياء الفكرة لتحويل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى منار للاشتراكية العلمية في العالم العربي ترحيب أندروبوف.. وبعد أن أبقى التقرير لعدة أيام أعاده إلى (الخدمة 1) للقيام بإعادة صياغته وإيجازه.. بعد ذلك أعاد التقرير القصير مرة اخرى وطلب حذف كل المقترحات وترك المعلومات فقط عن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

ومن وجهة نظر ليونوف فإن كل شيء ذو أهمية والموجود في الوثيقة الأصلية قد تم حذفه.. ولم يكن يشك أن مطالب أندروبوف لحذفها مصدرها مناقشاته للمقترحات مع أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي الذين لم يحبذوا فكرة زيادة الاتصالات بنظام مبتلى بحروب داخلية لا يمكن إنهاؤها.

ومنذ 1972 حافظ المركز على علاقات وثيقة مع جهاز الاستخبارات في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الذي سمى ضباطه وبفخر (شاكسيتاس) تيمناً بحلفائه السوفيت.. وفي 12 مايو 1972 التقى أندروبوف في موسكو بوزير الداخلية اليمني محمد صالح مطيع وخلال المقابلة وافقت الـ (كي جي بي) على القيام بتدريب مجاني لضباط الاستخبارات اليمنية وعناصر فك الشفرات.

وحقيقة أن مطيع قبل عرض تدريب عناصر التشفير تعني أن الاستخبارات السوفيتية ستستطيع التنصت على موجات الراديو الخاصة باستخبارات اليمن الجنوبي. ومن يوليو 1973 تم تعيين ضابط ارتباط من الكي جي بي في عدن (بالإضافة إلى المقيمين في عدن غير المعلنين). وفي مايو 1974 وقعت الكي جي بي والاستخبارات اليمنية الجنوبية على اتفاقية سرية للتعاون في العملية الاستخبارية ضد الولايات المتحدة وبريطانيا والمملكة العربية السعودية.. وكجزء من الاتفاقية تم تزويد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بمعدات خاصة للقيام بعملية التنصت والمراقبة.. وفي 1976 قامت الوكالتان بالتعاون للقيام بالعملية (خمسين) لزرع أجهزة التنصت في السفارة السعودية في عدن.

ومثلما كرهت اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي السوفيتي التعامل مع النظام اليمني المنقسم كرهت الـ (كي جي بي) بعض حلفاء الاستخبارات في جهاز الاستخبارات اليمني.. والمثل الرئيسي لهذا كان ضابطا رفيع المستوى في الاستخبارات اليمنية يرمز له باسم (عارف) الذي تم منحه إجازة مجانية في 1978 في مصحة دوبوفايا روشا في زالزينوفودسك حيث تم تشخيص حالته بأنه يعاني من أمراض القلب والسكري والأرق والإرهاق الجسدي والعصبي بالإضافة إلى إدمانه على الكحول.

ولم تكن تلك الأمراض همّ (عارف) الأكبر فقد كانت أولويته هي علاج الصلع وعمليات تجميلية لتحسين مظهره.. وقال تقرير طبيبه الروسي المعالج إن العديد من مشاكله سببها ممارسته للعادة السرية بإفراط وعلاقته الجنسية الشاذة مع وزير كبير في حكومة اليمن الجنوبي والتي تسببت في إعاقة عصبية وجنسية لديه.. ولكن (عارف) أجهد المترجم المرافق له، وهو ضابط آخر في الكي جي بي، بمحاولته المستمرة إغواء سيدة تعمل في المصحة للقيام بعلاقة جنسية معه.

وعندما رفض المترجم القيام بذلك مذكراً إياه بأن مهمته محصورة في الترجمة وتوفير العناية الصحية، أجابه عارف:«إن الرفيق اليكسادروف (كريوشكوف رئيس مكتب مدير الكي جي بي) دفع قيمة التذاكر وأعطاني إجازة مجانية في المصحة وأنا مقتنع أنه لن يمانع في حصولي على النساء» وعندما استمر رفض المترجم اتهمه عارف بأنه عنصري.

ومن ضمن تقرير المترجم إلى الاستخبارات أن (عارف) أحضر معه بعضا من كتب ماركس ولينين ولكنه لم يقرأها بل استخدمها لغرض العرض فقط.

ومن وجهة نظر فاديم اليكساييفيتش كيربيشينكو (نائب رئيس الاستخبارات الدولية في الكي جي بي) فإن طلبات ضباط الاستخبارات في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تتزايد حيث قال: «لقد أصبحوا عنيفين في مفاوضاتهم خصوصاً عندما احتاجوا لتسوية بعض طلباتهم التكنولوجية منا .. وكانت حجة حليفنا العربي المفضلة هي (طالما نحن في نفس القارب فيجب أن تساعدونا) وقد وفرنا بالطبع الحد الأدنى من المتطلبات التكنولوجية العملية وعلمنا اليمنيين في دوراتنا القصيرة مجاناً .. ولكن شركاءنا في اليمن الجنوبي أظهروا جشعاً غير عادي، ففي السنوات الأخيرة طلبوا وبإلحاح أن نبني لهم مبنى وزارة أمن الدولة في عدن ومباني لجهاز أمن الدولة في كل مراكز المحافظات وحتى أن نبني لهم سجنا».

ولكن همّ الكي جي بي الرئيسي كان اليمن الشمالي وليس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.. في يوليو 1972 أصبح اليمن الشمالي أول عضو في الجامعة العربية يعيد علاقته الدبلوماسية بالولايات المتحدة الأمريكية بعد انقطاعها بعد حرب 1967. وزاد قلق موسكو عندما وصل النظام العسكري الذي يتزعمه العقيد إبراهيم الحمدي الموالي للمملكة العربية السعودية إلى الحكم في يونيو 1974، وطلب أسلحة أمريكية بتمويل المملكة العربية السعودية.

وكان الحمدي غير راض عن الجواب الأمريكي في حينه حيث قام الملحق العسكري في السفارة الأمريكية بصنعاء بتبليغ واشنطن بأن المملكة العربية السعودية أرادت يمنا شماليا قويا بما فيه الكفاية ولكن ليس شديد القوة.. بالمقابل كانت الولايات المتحدة الأمريكية حريصة ألا تغضب أكبر حلفائها في المنطقة عبر الموافقة على كل طلبات المساعدة العسكرية التي طلبها الحمدي .. ولهذا لم تكن علاقة نظام الحمدي مع واشنطن والرياض بالقرب الذي كان يخشاه المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي.وعلى الرغم من ذلك بدأ الكي جي بي بحملة إجراءات فعالة صممت لتشويه سمعة ثلاثة رجال ينظر إليهم على أنهم الثلاثة الأكثر أهمية والموالين للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية داخل حكومة الجمهورية العربية اليمنية: عبدالله الأصنج وزير الخارجية، محمد خميس وزير الداخلية ومدير الأمن الوطني، ومحمد سالم باسندوة وزير الثقافة والإعلام.

في العام 1976 أرسلت الكي جي بي رسالة من مصدر مجهول إلى الحمدي تتهم محمد خميس بأنه عميل للمخابرات الأمريكية وضمنت الرسالة وثيقة مزورة تفيد باستلامه أموالا أمريكية.. ولكن محمد خميس نجح في إقناع الحمدي بأن الوثيقة مزورة على الرغم من أنه وطبقاً لملفات الكي جي بي اتهم السعوديين أو شيوخ القبائل المتمردين بتزوير الوثيقة وليس الكي جي بي.

وفي 12 اكتوبر 1977 تم اغتيال الحمدي في ظروف تظل غامضة.. وسعت الكى جي بي إلى اقناع الرئيس الجديد أحمد الغشمي بأن محمد خميس كان مسؤولا عن اغتيال الحمدي.. وقال عناصر سوفيت للغشمي إن محمد خميس يخطط لقلب نظام الحكم والاستحواذ على السلطة لنفسه. وفي 24 يونيو 1978 تم اغتيال الغشمي ولكن ليس على يد محمد خميس.

ففي اليوم السابق للاغتيال قام رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سالم ربيع علي بالاتصال بالغشمي لإبلاغه أنه أرسل مبعوثا خاصا لمقابلته في صنعاء في اليوم التالي وعند وصول المبعوث إلى مكتب الغشمي فتح حقيبته التي انفجرت وقتلتهما معاً، وبعد يومين تم إعدام سالم ربيع علي في عدن بزعم ترتيبه لاغتيال الغشمي وترتيبه لانقلاب في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بدعم من الغرب والمملكة العربية السعودية.

لاحقاً قال أنصار سالم ربيع علي إن القنبلة وضعت في حقيبة المبعوث بواسطة غريمه المقرب من الاتحاد السوفيتي عبدالفتاح إسماعيل، الذي خلفه في رئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وقام الاتحاد السوفيتي مباشرة بعد ذلك بحملة دعائية لدعم عبدالفتاح إسماعيل منددة بالتهديد الأمريكي السعودي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وقامت بإرسال جنود كوبيين من اثيوبيا إلى عدن لدعم النظام الجديد، بينما قامت سفن البحرية السوفيتية بمراقبة خليج عدن.

وخلف الرئيس علي عبدالله صالح الغشمي في الحكم في الجمهورية العربية اليمنية، ونجا من محاولة اغتيال في اليومين التاليين لتوليه الحكم.. وكان أحد اهداف السوفيت استغلال ضيق الرئيس صالح مما اعتبره المستوى الضعيف لإمدادات السلاح الأمريكي للجمهورية العربية اليمنية. وفي نوفمبر 1978 ويناير 1979 عقد الرئيس صالح محادثات تم إعلانها بشكل جيد مع سفير الاتحاد السوفيتي لبحث «سبل تقوية العلاقات» بما فيها إمدادات من السلاح السوفيتي.

إلا أن المحاولات السوفيتية لرعاية صالح تعقدت بسبب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي نظرت بعين حسودة لجارتها الأكثر ثراء والمقبولة دولياً وشنت هجوماً على الجمهورية العربية اليمنية في فبراير1979.

وبشكل غير مريح لموسكو قال مسؤول كبير في اليمن الجنوبي للسفير الروسي «نعم نحن بدأنا الحرب إذا ربحنا فسنخلق اليمن الكبرى وإذا خسرنا ستتدخلون لحمايتنا».. ولكن الحرب انتهت بشكل عجيب في 27 مارس بمقابلة في الكويت بين الرئيس علي عبدالله صالح وعبدالفتاح إسماعيل وانتهت المقابلة باتفاقية ميئوس منها لإنتاج دستور ليمن موحد في غضون أربعة أشهر ولم يحدث التوحيد حتى 1990.

مباشرة بعد المقابلة مع عبدالفتاح إسماعيل أعلن الرئيس علي عبدالله صالح إقالة وزير خارجيته عبدالله الأصنج ووزير الثقافة والإعلام محمد باسندوة.. وزعمت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي أن الفضل لها في إقالة الوزيرين .. ومنذ أن أصبح صالح رئيساً استخدمت الكي جي بي عناصرها والاتصالات الخاصة لإبلاغه بمعلومات مغلوطة بأن مجموعة مدعومة من السعودية يترأسها الأصنج وينتمي إليها باسندوة تخطط لقلب نظام الحكم واغتياله بمساعدة السعودية والأمريكيين.ولكن انتصار الكي جي بي كان بعيدا فعلى الرغم من إقالة الوزيرين بقي الأصنج مستشارا سياسيا رئيسيا لعلي عبدالله صالح .. وفي يونيو 1979 زار الأصنج الولايات المتحدة للدعوة لدور عسكري أمريكي أكبر في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج وإرسال مدربين عسكريين أمريكيين على مستوى عال لتدريب قوات الجمهورية العربية اليمنية.

في أبريل 1980 واجهت سياسة السوفيت في اليمن نكسة أخرى بانقلاب في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أطاح بحليفها الكبير عبدالفتاح إسماعيل.. ومن ضمن أسباب الانقلاب عدم الرضى عن حجم المساعدات السوفيتية التي كانت أقل بكثير مما تحصل عليه دول أخرى تتبع الايديولوجية الشيوعية في العالم الثالث... وكان اليمنيون يلقون باللائمة بسبب انقطاع الكهرباء في عدن على فشل السوفيت في إنهاء بناء محطة توليد الكهرباء التي وعدوا بها. وبخلاف سلفه فقد نجا عبدالفتاح إسماعيل ربما بسبب تدخل السفير الروسي وسمح له بالذهاب إلى المنفى في موسكو بدلاً من إعدامه أو سجنه كما خطط مناوئوه.

من اليمين سالم ربيع  وأحمد الغشمي وإبراهيم الحمدي وعلي ناصر و عبدالفتاح اسماعيل وعبدالله الأصنج و محمد باسندوة و ليونوف و اندروبوف و فاسيلي ميتروخن
من اليمين سالم ربيع وأحمد الغشمي وإبراهيم الحمدي وعلي ناصر و عبدالفتاح اسماعيل وعبدالله الأصنج و محمد باسندوة و ليونوف و اندروبوف و فاسيلي ميتروخن
وكان الاتحاد السوفيتي سريعا في اصلاح علاقاته مع النظام الجديد في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وقام بدعوة مناوئ عبدالفتاح إسماعيل الرئيس علي ناصر محمد لزيارة موسكو بعد شهر فقط من الانقلاب وأدت الزيارة إلى اتفاقية جديدة للدعم الاقتصادي (بما فيها بناء محطة توليد الكهرباء) بالإضافة إلى تصريح مشترك يدين سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ودعم النظام الموالي للاتحاد السوفيتي في أفغانستان.

في سبتمبر 1980 حصلت الكي جي بي عن طريق عناصرها في جهاز المخابرات التابع للجمهورية العربية اليمنية على نسخة من تسجيل صوتي لمحادثة سرية بين الرئيس علي عبدالله صالح والرئيس علي ناصر محمد سجلت بدون علمهما بأمر من محمد خميس.

ثم تم تسليم الشريط إلى الرئيس صالح كدليل على خيانة محمد خميس، كما كانت هنالك محاولات لإقناع صالح بأن خميس على ارتباط بالمخابرات المركزية الأمريكية (سي آي اى).. تم إقالة محمد خميس في أكتوبر وبحسب ملفات الكي جي بي تم «تصفيته جسدياً» في يناير 1981.. كما قامت الكي جي بي بتمرير تقارير إلى الرئيس صالح تزعم أن عبدالله الأصنج كان على علاقة بامرأة في قوات حفظ السلام الأمريكية وأن لديه 30 مليون دولار في حسابات بنكية في لندن وأنه يمتلك فندقا وثلاثة بيوت في ضواحي لندن أيضاً.. وفي مارس 1981 تم إلقاء القبض على عبدالله الأصنج وبعض مناصريه بتهمة التخطيط لانقلاب ويبدو أن صالح تأثر بمخططات الكي جي بي التي اقترحت أن الأصنج على علاقة بالـ (سي آي اى).. وفي 21 مارس قال صالح لمجلسه الاستشاري «إذا تأكد أي دور للأمريكيين في ترتيب المؤامرة سترفع تساؤلات عن الدور الأمريكي في اليمن الشمالي» كما زعمت الكي جي بي أن الفضل يعود لها في طرد الرئيس صالح للمستشارين العسكريين الأمريكيين بتهم التجسس.

إن نجاح الكي جي بي التكتيكي في الجمهورية العربية اليمنية كان له القليل من الأهمية الاستراتيجية، فمنذ 1982 أدى اكتشاف النفط في اليمن الشمالي إلى سلسلة من الاتفاقيات مع شركات أمريكية، وفي أبريل 1986 حضر الرئيس علي عبدالله صالح ونائب الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب في ذلك الوقت) افتتاح أول مصفاة نفط.. وأعلن بوش أن التعاون في الأنتاج النفطي يعني شراكة أمريكية أكبر مع الشعب اليمني.. وفي الوقت نفسه كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في حالة هياج عظيم. وفي 13 يناير 1986 قتل العديد من مناصري الرئيس علي ناصر محمد في قاعة المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني.. ولم يرسل المقيمون الروس في عدن أي تحذير مسبق لتجدد حمام الدم.. وفي الحرب الأهلية التي استمرت أسبوعين قتل آلاف من أعضاء الحزب الاشتراكي والمليشيات والقوات المسلحة وكانت كلفة التدمير الذي حدث للمباني والبنى الأساسية في عدن تقدر بـ140 مليون دولار.. خسر الرئيس علي ناصر السلطة وأرغم على الرحيل مع آلاف من مناصريه إلى الجمهورية العربية اليمنية.

وقال قائد القوات البرية السوفيتية الجنرال يفجيني ايفانوفيسكي الذي أرسل إلى عدن في مهمة إحلال السلام «إن ثلث الضباط اليمنيين المقتولين دربوا في أكاديميات عسكرية سوفيتية» وبعد أسبوعين حضر ممثلون عن الحزب الاشتراكي اليمني اجتماعات الدورة 27 للحزب الشيوعي السوفيتي في موسكو.. ويقال أن الرئيس الكوبي فيديل كاسترو طرح سؤالا على الوفد اليمني لخص معظم إحباط السياسة السوفيتية تجاه جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لأكثر من ربع قرن «متى ستتوقفون أيها الناس عن قتل بعضكم البعض؟». في مايو 1990 وبعد مباحثات طويلة ظهرت الجمهورية اليمنية بتعداد 16 مليون نسمة يشكلون أكثر من نصف تعداد الجزيرة العربية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى