شباب من كرسي العلم إلى أحضان المجهول

> «الأيام» فردوس العلمي:

>
شاب نائم على كنبة مرمية في الشارع
شاب نائم على كنبة مرمية في الشارع
«من كرسي الجامعة إلى رصيف الشارع فهل درسنا كل هذا السنوات لنجد لأنفسنا مكانا على الرصيف ؟» سؤال آلمني حين تررد على شفاه أكثر من شاب وفتاة أنهوا سنوات دارسة ذاقوا خلالها كل الظروف الصعبة، ورغم هذا قاوموا لكي يتسلحوا بالعلم والمعرفة وينهوا دراستهم بتفوق ليكونوا ذوي فائدة للوطن، وحين انهوا دراستهم وجدوا أنفسهم عالة على الوطن وعلى أسرهم ويفترشون الرصيف.

مجرد رسالة تضمنت شكوى من عمال الحراج في مديرية المنصورة كانت لنا فاتحة لهذا التحقيق عن حال شباب من كلا الجنسين يقفون بيأس لينظروا إلى سنوات العمر تتسرب منهم كما تتسرب قطرات الماء من قبضة اليد وهم ينتظرون فرصة عمل .

«الأيام» اتجهت إلىسوق الحراج بمديرية المنصورة لتستطلع الوضع عن كثب، وتنقل لكم في السطور القادمة حكايات شبابية من سوق الحراج ومن طرقات محافظة عدن ومحلاتها التجارية .. حكايات ربما تكون مؤلمة ومحزنة ويحس بها الكثير ممن لديهم ضمير إنساني لم يمت بعد ليجدوا حلا لهولاء الشباب .. رأس مال الوطن .

كان حلمه أن يكون مدرساً فاستفاق من الحلم بعد ثلاثة عشر عاماً ليجد نفسه مجرد عامل في سوق الحراج يكسر الأحجار ليستخرج قوته وقوت أسرته .. هذا كان عبدالله الجنيد، خريج عام 96/95م تخصص دبلوم تربية من معهد عصيفرة بمحافظة تعز.. وعن ذلك يقول: «أنهيت دراستي بصعوبة منذ مرحلة الإعدادية وحتى أنهيت الدبلوم وأكرمنا الله بالنجاح، ولكن مرت ثلاثة عشر عاما وأنا في قوائم الانتظار».. ويضيف بألم «من دبلوم تربية إلى مجرد عامل يكسر الأحجار» ويضحك ويسترسل في الضحك فـ(شر البلية ما يضحك) ثم يقول «نتمنى أن تسلطوا الضوء على حالنا وأن نجد وظيفة أو أي حل يخرجنا من ازمتنا».

ويؤكد الأخ عبدالله «ما يحز في نفوسنا أن هناك خريجين بعدنا وظفوا بعد دفعهم نحو (250) ألفا، ونحن لا نقدر على دفع هذا المبلغ، وهناك خريجون من بعدنا ونعرفهم جيدا تم توظيفهم رغم أن معدلاتهم نفس معدلاتنا ولكن الوساطة كانت لهم سندا قوياً». ويواصل حديثه: «كل مرة وزير الخدمة المدنية يؤكد في حديثة أن الاولوية لخريجي العام 96/95م فهم دفعات قديمة، ولكن ما نراه أن من يتم توظيفهم هم من عام 2006-2000م ونحن مازلنا في قوائم الانتظار، فلم نعد نعلم هل نكدح لتوفير لقمة العيش للعيال أم لنحصل على وظيفة حكومية؟»

سألت عبدالله ما الذي دفعكم للمجيء الى عدن؟ فأجاب: «الفقر، وسوء المعيشة، والوضعية الصعبة بتعز دفعتنا للخروج منها ليس إلى عدن وحسب بل إلى جميع محافظات الجمهورية.. ولست وحدي من يعاني هذا الوضع فهناك خمسة من اولاد عمي خريجو جامعة دون عمل». سألته: لماذا لم تذهب إلى صنعاء فأجاب: «هناك ايضا العشرات من أبناء قريتي وزملاء دراسة تخرجوا قبلي وبعدي لم يجدوا فرص عمل فذهبوا إلى صنعاء» ويؤكد لنا «قبل نزولي إلى عدن مكثت ست سنوات في صنعاء وفي أمانة العاصمة وفي عمران .. سنوات تضيع والبحث عن الوظيفة مازال جارياً».

وحسب قول عبدالله «لدي ملف في كل مكتب للخدمة المدنية».

انهاء الدراسة والحصول على فرصة عمل واستكمال الدراسات العليا وبناء بيت وتكوين أسرة.. تلك كانت طموحات وأحلام عبدالله الجنيد، لم يحصل منها سوى على شهادة تؤكد أنه كان في يوم ما طالبا في معهد وربما انتهى الآن مفعولها، وحتى الأسرة لم يمهله القدر ليفرح بها حين خطف منه زوجته وطفلته الوحيدة ليبقى عبدالله الجنيد وحيدا على الرصيف يبحث عن فرصة عمل.

12 عاما من الانتظار

> محمد سعيد الصبري، خريج كلية التجارة عام 1995م تخصص إدارة أعمال يقول: «عانيت الكثير لكي أكمل دراستي الجامعية، وكنت أعمل في كثير من المهن الشاقة وأصرف على احتياجاتي من الملازم والكتب والمراجع ودفع رسوم الجامعة، وكل طموحي أن أكمل الدراسة وأحصل على وظيفة، مرت (12) سنة ولم أحصل على وظيفة سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص.. وقد بحثت عن عمل في كل الشركات الخاصة في تعز وعدن ولم أوفق».

مكاتب الخدمة في عدن، تعز، أبين، لحج، ريمة كلها احتضنت ملفات محمد سعيد الصبري دون جدوى، فلم يقو أي منها على ايجاد وظيفة له. ويضيف «وضعنا سيئ نحن جامعيون توجهنا إلى الحراج للحصول على لقمة العيش». وكما يقول محمد الصبري «العمل عبادة والعمل الشريف في أي مهنة تكسب منها الرزق الحلال ليس عيبا، فرغم تخصصي في إدارة الإعمال أعمل في مجال السباكة وبالأجر اليومي». وأكثر ما يتعب هؤلاء الذين تنازلوا عن شهاداتهم من أجل لقمة العيش «أن العمل ليس يوميا فيوم يحصلون على عمل ونصف الشهر بلا عمل وأحيانا تصل إلى شهور». ويواصل حديثه: «فكرت أن أنهي دارساتي العليا ولكن لم أجد الدعم الكافي فقد أصبحنا (نشقي) العمر كله للكيس البر».

> فارس مهيوب، نسبته ممتاز- الثاني على دفعته تخصص بستنة وهي أول دفعة من المعهد التقني الزراعي بمحافظة لحج، وكل هذا التفوق لم يشفع له بالحصول على وظيفة ولا حتى منحة لإكمال دراسته العليا.

يقول فارس: «ابن عمي الأول على الدفعة وأنا الثاني، وابن عمي الثالث». وعن سنوات الدراسة يقول: «كانت كلها جهاد ومصاريفها متعبة ولكن نحمد الله أنهينا الدراسة بتفوق وتخرجنا للشارع!». فارس حلم أن يكون معيدا في المعهد بحكم أنه من أوائل الدفعة الأولى، ولكنه وجد نفسه في عالم السباكة وبالأجر اليومي.

> إبراهيم أحمد صالح ناجي، تخصص جغرافيا كلية تعز بتقدير جيد يقول «تخرجت قبل ثلاثة اعوام لأجد لي مكانا في حراج العمال». وعن الصعوبات التي تواجههم يقول «نعاني الكثير وبالكاد نحصل على قوتنا اليومي، منذ أن تخرجت وزعت ملفاتي في مكاتب الخدمة المدنية في تعز ولحج والكثير من المحافظات بلا فائدة، ولم أستطع الحصول على عمل فكل شيء بالوساطة، والبعض يدفع مبلغا ليحصل على الوظيفة». ويضيف «نتمنى من الأخ حمود خالد الصوفي، وزير الخدمة المدنية أن يلتفت إلى العاطلين عن العمل وخريجي الجامعات، فالدراسة فالجامعية أصبحت دون جدوى، ومن يدرسون حاليا في الجامعات مصابون بالاحبلاط وبحالات نفسية إذ وجدوا من سبقوهم بالدراسة عمالاً في سوق الحراج، ليكون هذا سببا رئيسا في تركهم التعليم الجامعي».

> عبدالرقيب علي بن علي لم يسعفه الحظ في استكمال دراسته الجامعية بحكم الظروف المعيشية الصعبة فتفرغ للعمل، وكل ما يتمناه الأخ عبدالرقيب «أن تعمل النقابات على حماية اليد العاطلة في حراجات العمال لتبحث لهم عن شروط عمل وأي شيء ممكن أن يحمي حقوقهم، فليس من العدل أن نبقى بعيدين عن أسرنا وأطفالنا ونعاني من عدم الحصول على عمل .. يكفي أن نفكر في مدخولنا اليومي فلم نعد نحلم بشيء آخر».

> عبده طارق حميد، خريج ثانوية لم يكمل تعليمه الجامعي، ويعمل حاليا في أحد محلات بيع المفروشات.

وعن سبب عدم إكماله الدراسة يقول «وجدت من سبقوني أنهوا دراستهم الجامعية ولم يجدوا فرص عمل لهذا اكتفيت بالثانوية العامة ولم أعد أحلم بوظيفة فمن سيتكفل بمصاريفي لو فكرت أن أكمل دراستي».

> شكري أحمد محمد سيف، لم يكمل بكلاريوس آداب تخصص جغرافيا، جامعة تعز يقول: «توقفت عن الدراسة في الترم الأخير بسبب الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع تكاليف الدراسة والمراجع وعدم حصولي علي عمل.. كلها اجتمعت لتقف حائلا أمام إنهاء دراستي، فتركت الدراسة رغم أنه لم يبق غير شهور على التخرج، كان ذلك منذ أربع سنوات، وحاليا أنا عامل بناء بالأجر اليومي وبالكاد نتكفل بمصاريفنا».

مجموعة  من الشباب العاملين في سوق الحراج بالمنصورة
مجموعة من الشباب العاملين في سوق الحراج بالمنصورة
سألت شكري: هل قدمت ملفك للخدمة المدنية فقال «كيف اقدم ملفي وكل شي يمشي بالوساطة وانا انسان يدي فاضية».

> ايوب على ناصر محمد خريج عام 2003م تقدير جيد جدا يتحدث بوجع «منذ عام 2003 وانا لا شغل ولا مشغلة اقضي وقتي بالقات والسيجارة والجلسة بركن الحافة من الصبح إلى الليل.شركة نان ومصافي عدن والكثير من الشركات الأخرى كانت مواقع ذهبت إليها للبحث عن فرصة عمل ولكن دون جدوى».

> مازن فضل افندي، دبلوم معهد هندسة تخصص ميكانيكا عامة عام 2000م يقول «تعبت من البحث، وضعت ملفاتي في شركة النفط ومصافي عدن دون فائدة ترجى».

وحسب قوله «الوساطة في حياة الشباب عقبة رئيسية .. لذلك لم أقف مكتوف الأيدي ولكن عملا بجهد كسائق تاكسي من أجل توفير الاحتياجات الضرورية». ويضيف «ملفاتنا هناك ولما يريد الله نتوظف».

مازن كانت له طموحات منها تكوين أسرة وأن يحصل على وظيفة ولكن كما يقول: «صحوت من حلمي وعمري 31 عاما وشعر رأسي أبيض .. فماذا نعمل؟ وأطالب الحكومة بأن تحسن من وضع الشباب فسبب جلوس الشباب على أركان الحواري عدم حصولهم على عمل».

> محمد فضل علي أحمد، خريج عام 2001م تبريد وتكييف المعهد الالماني، أفضل من الآخرين فقد تحصل على عمل في صوامع عدن ولكن الحظ السيئ وضعه ضمن (60) اسما ليصبح في قائمة المسرحين من العمل ويجد نفسه عاطلا عن العمل، يقول: «وفروا فرص عمل للشباب لكي يستفيدوا من الوقت بما يفيدهم ويفيد وطنهم».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى