نحتاج لرجل كهذا

> د. سمير عبدالرحمن الشميري

> صدمة مفجعة لي ولكل الخيرين أن نقرأ نبأ وفاة الشخصية د.فرج بن غانم، الذي حلم بنظام وقانون ومواطنة واحدة وخير ونماء للوطن، وشق طريقه بهدوء صوب المجد والتألق السياسي والمهني فلمع اسمه في سماء واسعة وأصبح أمثولة للصفاء والمدنية والتسامح وطهارة الفؤاد ونظافة العقل.

لقد عاش د. فرج بن غانم متواضعاً وصاحب ملامح واضحة وروح إنسانية نبيلة، لا يلهث وراء المناصب ولا الأضواء الباهرة، ولا الزمارات الصاخبة، ولا الأجراس الرنانة. عاش في صراع دائم مع الفوضى واللا مسؤولية والتبذير والفساد المادي والمعنوي، وتوارى عن الأضواء السياسية دون ضجيج من رئاسة الوزراء، عندما لم يستطع تحقيق ما تصبو إليه النفوس في (مايو 1998م).

«فالمثقف ليس رجلاً عسكرياً يحارب في ميدان قتال، والانسحاب أحيانا حكمة». (نصر حامد أبو زيد)

فثمة وجوه عندما تراها تهفو نفسك للبصق فيها لنذالتها وقذارتها ولقهرها للرجال «فدموع الرجال تؤلمني كثيرا. فأنا أتألم بشدة عندما أرى رجلا يبكي ليس لفقدانه أقرباءه وإنما قهرا وغلبة» على حد تعبير أحد المثقفين اليمنيين.

أما صورة الفقيد د. فرج بن غانم فخالية من مسحة الخسة والنذالة، لامعة كمقلة شمس وخالية من التلوث الأخلاقي والقيمي ومفعمة بالصبر والبسالة والتوازن النفسي والنجابة والتواضع.

نحتاج في هذا الزمن لرجل نظيف كفرج بن غانم الذي اشتهر بحبه للخير وببصيرته الثاقبة وهدوئه الرصين وضميره النابه، بعد أن شاعت القيم الجافة والمسلكيات الرعناء في نسيج حياتنا، وصرنا نعيش في مساحة شاسعة من التوتر واشتباكات القلق اليومي.

إننا نعيش في عصر تعيس تتخالط فيه بشدة عناصر الصلاح والطلاح وتملأ سماواتنا غيمات اليأس وزوبعة الأهواء.

فهناك جملة من العيوب في حياتنا لا بد من تصويبها بممارسات حصيفة وحكيمة بعيداً عن التشظي والجغرافيا الضيقة وبقلق وطني نجيب يقلص الفوارق والمسافات ويفتح فسحة أمل للنفوس الكظيمة لتتخطى سياج العزلة وتحافظ على المنازع الوطنية.

الأستاذ فرج بن غانم لم يحلم في حياته بتجميع الثروة بطرق غير مشروعة، ولم يحلم باختطاف اللقمة من أفواه الضعفاء، ولم يضع كعب رجله في أفواه الناس، ولم يصعد سلم المجد على أكتاف الآخرين بنفاق أبله أو بثقافة متملقة، وتجنب السقوط في الرذائل والموبقات، ولم يشطح به الخيال في امتلاك كل شيء بما في ذلك الحقيقة، وأظهر بسالة مدهشة في المواقف المتزنة، وأصبح واحداً من فرسان الحق، وفتح أذنيه لسماع الأصوات المكلومة والنفوس المنكسرة.

إننا نحب ونحترم هذا الرجل النظيف الذي تحمل وخز الشوك ومشى فوق بساط من المسامير وأخذ المسؤولية على عاتقه بصدق وأمانة ورجولة للولوج في مجتمع فاضل يستند على المحبة والوئام المدني.

وإذا جاز لي التمني، أتمنى على كل الناس أن يربوا أطفالهم على قيم المحبة والتسامح والرحمة والشهامة والفضيلة والأنفة والورع والشفافية وإسعاف المظلوم، حتى لا يقع الصبيان في المنكرات ولا يتأثروا بصراع القيم وتناشزها، فالأخلاق المعاكسة للخصال الحميدة تمزق شبكة العلاقات الاجتماعية.

أتمنى عليكم أن تشيروا بسباباتكم إلى هذا الرجل عندما تتحدثون عن الطهر والعفاف والنقاء ونظافة اليد.. «أريد من زوجاتنا وأصدقائنا وتلاميذنا أن يحبوا فينا لا الاسم، لا اللافتة والماركة.. بل أشخاصنا العادية» (أنطوان تشيكوف).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى