من قلب أزمة المياه بطور الباحة «الأيام» تلتقط مشاهد ظمأ وأحاديث قلق ووضع مؤسسة مياه على شفا الانهيار

> «الأيام» علي الجبولي:

>
تحالف مكافحة الظمأ (الطفل والمرأة والحمار)
تحالف مكافحة الظمأ (الطفل والمرأة والحمار)
أزمة المياه في مديرية طور الباحة بمحافظة لحج لم تعد أزمة فحسب بل غدت فاجعة حقيقية تنتج يومياً معاناة ومشاهد مؤلمة وحكايات طريفة وغريبة تعرض مشاهدها دون توقف على شاشة المنطقة برمتها دون أن تلوح لها نهاية في غد منظور. في هذا الحديث المتناثر قامت «الأيام» برصد مباشر للمعاناة بالكلمة والصورة لمشاهد ظمأ وأحاديث قلق وحال فرع مؤسسة المياه الذي وصل إلى شفا الانهيار.. وهاكم خلاصة ما رصدت.

لم نعد نريد كهرباء ولا هاتفاً نريد ماء فقط

لا تقتصر أضرار شحة المياه على المنطقة بل أفرزت أضراراً أخرى تمثلت بنزوح عشرات الأسر إلى خارج المنطقة، إلى عدن، أبين، تبن، الحوطة فراراً من متاعب ماء الشرب الذي عجزت عن تحمل تكاليفه الباهظة.

> يقول الشيخ عبده شعلان: «هذا الوضع تسبب بنزوح عدد من الأسر إلى عدن. في قريتنا يصل الماء بعد 18 يوماً أو أكثر وليوم واحد فقط. من يقدر يشتري الماء اليوم، غدا لا يقدر. ستظل المشكلة تكبر إذا لم ينجز مشروع الرجاع ولم تقم حواجز مائية في المنطقة لتغذية المخزون الجوفي».

> ويقول عبده نعمان أحمد: «المعاناة من شحة الماء لا تطاق، أصبح يصل بعد 20 يوماً أو أكثر. استمرار هذا الوضع قاتل. الناس تئن من وطأة الغلاء وكثير من الأسر لا تستطيع توفير لقمة العيش، ثم جاءت أزمة الماء لتضاعف المعاناة، بل جعلتها كارثة كبرى. الإنسان يستطيع أن يصبر أكثر من يومين بدون أكل لكنه لا يستطيع أن يتحمل الظمأ ليوم واحد، لقمة العيش للإنسان وحده أما الماء فللإنسان والحيوان ومختلف الخدمات والنشاطات. تكاليف الماء أصبحت تفوق تكاليف لقمة العيش، والناس يشترون ماء ملوثا من خزانات سيارات صدئة وغير نظيفة. تكلفة شراء الماء شهرياً تزيد عن ثمانية آلاف ريال للأسرة المتوسطة، أصبح الوضع لا يطاق ومن الصعب أن تقنع الناس بالصبر عليه.. غلاء قاتل طال لقمة العيش والدواء وسلعا كثيرة، بطالة تتزايد ومتاجرة بالوظيفة، لكن مشكلة الماء في منطقتنا زادت الناس بؤسا على بؤسهم. الخلاصة ما عدنا نطالب بكهرباء أو تلفون نريد ماء فقط».

> سألنا الأخ حافظ محمد حسن، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس المحلي عن دور المجلس في ما تتعرض له المنطقة، فقال: «كسلطة محلية نتعرض يومياً للانتقادات، المواطن يفجر شحنة متاعبه علينا. اتخذ المجلس قرارات ووجهنا مذكرات لقيادة السلطة المحلية بالمحافظة طالبناها بسرعة المعالجة ولكن دون جدوى.

العطش الذي يتعرض له المواطنون أجبرهم على شرب ماء غير صالح للشرب، من قيعان آبار البراحة وشرب مياه شديدة الملوحة، كما أجبر بعض الأسر على النزوح خارج المنطقة مثلما حدث في مناطق الفرشة، الغول، المكحلية، الشعبة وقرى كثيرة. استمرار هذا الوضع سيقود إلى مشاكل أكبر، قد تتحول إلى فوضى لأن المواطن الذي لا يحصل على ماء الشرب كأبسط حق من حقوقه لا أحد يستطيع أن يطالبه بواجباته أو يمنعه من الاحتجاج. المماطلة في إيجاد مصدر ماء للشرب ستطيل معاناة المواطنين. وكنا نأمل أن يكون لآبار الرجاع الإسعافية وضعها الاستثنائي في الإنجاز مثل بقية المشاريع الإسعافية التي نسمع عن إنجازها بصورة استثنائية».

أشهر فواكه الصبيحة يهددها الجفاف بالانقراض
أشهر فواكه الصبيحة يهددها الجفاف بالانقراض
> محمد عبده نعمان، صاحب أشهر مطعم في مدينة طور الباحة يقول: «مشكلة عدم توفر الماء كلفتنا خسائر باهظة تضاف إلى الخسائر التي نتكبدها من تصاعد الأسعار، خاصة أسعار الدقيق والزيت والحليب والخضار وغيرها. مع أن الماء يصل في مدينة طور الباحة خلال يومين أو ثلاثة في الاسبوع لكنه يصل بكمية ضعيفة لا يملأ الخزانات، ونشتري خزان الماء من السيارة (الشاص) بـ1200 ريال ونستهلك أكثر من سيارتين يوميا، مما كلفنا قيمة استهلاك الماء شهرياً نحو 25 ألف ريال تضاف إلى أجور العمال وارتفاع الأسعار في ظل الظروف المعيشية للناس، وهذا ينعكس سلباً على عملنا ودخلنا حتى أصبحنا مهددين بالإغلاق. نتمنى أن تدعم السلطة المحلية في المديرية والمحافظة جهود مدير المياه لمعالجة هذا الوضع».

السلطة جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل

منذ نحو عام حفرت ثلاث آبار في منطقة الرجاع اعتبرت إسعافية لطور الباحة التي نضبت أكثر آبارها، ورغم معرفة الجميع بالوضع المرهق الذي تعيشه المنطقة ومعاناة أبنائها من أزمة المياه تاهت التوسلات لإنجاز المشروع الإسعافي، وحينما أعلنت مناقصة مرحلته الأولى بدأت الروائح الكريهة تفوح لتحمل معها الكشف عن خلاف بين سماسرة المناقصات النافذين في السلطة، كل يريد فرض مقاوله المقرب، وهو ما أدى إلى تأخر تسليم المشروع لمقاول لتركيب المضخات ومد الأنابيب.. بعد مضي كل هذا الوقت حتى وإن سلم الآن فإن سنين أخرى سيحتاجها الإنجاز- إن كان هناك إنجازاً- في وقت وصلت فيه أزمة المياه هاويتها، بعد أن توقف معظم مضخات الحقل عن الإنتاج وأصبح عشرات الآلاف من الناس يعتصرهم الظمأ، وسُحب الغضب والامتعاض تتراكم، ولا يستبعد أن تتحول يوماً إلى غضب أقوى، حينها فقط ستغضب السلطة وتبدأ باشتقاق النعوت لمن احتجوا على لا مبالاتها بعطشها. لقد أخذ هذا الوضع الذي يواجهه المواطنون وإدارة المياه يعكس نفسه على المنطقة بمشاكل جمة دونما مغيث، فالمواطنون دون ماء وإيرادات المياه تتدهور، والعمال بدون رواتب ولا عمل حتى تفرغوا لتنفيذ الاعتصام تلو الاعتصام احتجاجاً على عدم تسلمهم رواتبهم ومستحقاتهم من البدل منذ عدة أشهر. هذا الوضع البائس أدخلهم في خلافات مزمنة مع إدارتهم أضرت بما تبقى من عمل.

إن الإنسان عندما لا يحصل على ابسط حقوقه وخاصة شرط البقاء (ماء الشرب) يصبح وضعه أتعس من التصور وصبره فوق الاحتمال، هكذا معاناة لا محالة ستجبره يوماً على الخروج للبحث عن حقه في شرب الماء واستنكار الاستهتار بحياته. وهو ما بدأت تظهر إرهاصاته من خلال عديد اعتصامات ومسيرات وشكاوى، لن تكون آخرها مسيرة السبت الماضي التي صاحبها تقاذف بالألفاظ النابية بين مدير المياه وعضو مجلس محلي سرعان ما تطور إلى تراشق بالأحذية. ناهيكم عن المشاكل الاجتماعية اليومية التي يولدها الزحام على الماء. كل هذه المعاناة بتجرعها المواطنون في ظل تهاون السلطة عن إيجاد ماء شرب لمواطنين أعياهم البحث عنه وكلفهم ما لا طاقة لهم به.

التعب وتزاحم الصبايا فوق بئر الماء لم تثن مهدي من التطلع إلى آفاق أرحب
التعب وتزاحم الصبايا فوق بئر الماء لم تثن مهدي من التطلع إلى آفاق أرحب
هكذا سلطة لا تعد سوى جزء من المشكلة بدلاً من أن تكون جزءاً من الحل.

ثوب العيرة لا يدفئ وإن أدفأ ما يدوم

في مشهد تراجيدي أبشع من مشهد أزمة المياه التي مرت بها المنطقة عام 99م تراكمت مديونية كبيرة على فرع المياه زادت وحله بلة. كما أن العجز في توفير محروقات التشغيل لا يزال يهدد بتوقيف ما تبقى من الآبار مثلما حدث منتصف الشهر الماضي، حينما توقفت جميع المضخات وانقطع الماء عن طور الباحة بكاملها لأكثر من أسبوع، حينها لم يبخل م.عبدالله عبدالفتاح الجنيد، مدير عام مياه عدن في دعم مياه طور الباحة بمكرمة وصلت إلى مليون ريال مساعدة لتوفير المحروقات. تلك المكرمة والكرم الجنيدي رغم أنه استحق تقدير وثناء أبناء طور الباحة جميعاً، بيد أنه معالجة آنية لن تعالج مشاكل جمة يغرق فيها فرع مياه طور الباحة وربما تسقطه في براثن وحوش الفيد كما حصل منذ 8 سنوات. فكما ندرك أن الفقر لا تعالجه الصدقات والزكاة وإن خففت منه، فإن مصاعب الماء في طور الباحة لن تحل بالمكارم ولا بالهبات، وإنما بمعالجات حقيقية مسؤولة ومدروسة. لقد ابتلع النضوبُ الماءَ، ولم يعد يصل المواطن إلا مرتين في الشهر على أكثر تقدير، فكم ستكون قيمة الاستهلاك؟ ألا يعني هذا أن إيرادات الفرع هي الاخرى تنضب كآباره؟ ثم إن العجز لم يطل المحروقات فقط بل أصاب ايضاً رواتب العمال ونفقات التشغيل الأخرى. وإذا كانت مؤسسة مياه عدن تصدقت بتلكم المكرمة فكم ستحل من مصاعب؟ وكم ستظل مانحاًمحلياً لمياه طور الباحة، أم أن فكرة المانحين هذه استهوتنا جميعاً، ولا يهمنا إن كانوا من الداخل أم من الخارج؟ مع أننا نعرف أن ثوب العيرة ما يدفئ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى