الشاعر الشهيد سالم علي حُجَيري عَطيّة ُ الوادي الكبير

> «الأيام» جمال السيد:

> الحجيري شاعر أغنية مجيد، ومناضل صنديد، عركته الحياة عرك الرحى بثفالها، مرّت على رأسه حوادث جليلة وانقلابات خطيرة، وبقي خلالها جميعها رجلاً حقاً، وشاعراً ديدنه المحبة، ومطلوبه الصفح عن المسيء، وبذلك صرح في إهدائه ديوانه .

صاغ الحسيني وجدان الحجيري، وشكّل (المخَرّج) و (لِحْسَان) ضميره، وأورثته (السّاف و منصاع) والكدام الأُخَر تفكيراً صافياً، وتعبيراً عناصره الماء والخضرة والفاكهة والريحان. رضع الحجيري من (الحبيل) عنفواناً عذباً؛ ولا بدع فهي بلدة (الفارسي) محطم السجون وعاشق الحرية، وهي موطن (سطيح) كاهن العرب الأول. ولئن خلا ديوانه من ذكر (الحبيل) مسقط رأسه، فإني وجدته قد استوحى (طين الساكن) و(عتيرة) وقناة (امغراير) وكدام (سعيدة) و(عميران) شعراً وموسيقى، وموقفاً.

شعره غنائي يعبر عن اختلاجات النفس، وألفاظه غالباً بسيطة جارية على الألسن، فيها عفير لحج وشجن تبن، وفي كثير من قصائد الديوان شعرٌ حلو النسق والسياق، صافياً نقيّ اللون كوجه بنت جدته خولة، طرفة:

ما قدرت أنساك يا حبي الكبير

وإذا حاولت أنسى، أذكرك

كيف أنسى،

ما قدرت أنساك!

لا تجد عند الحجيري تصويراً بل تعبيراً مباشراً عما يعتمل في نفسه، أُخرِجَ في لغة تكاد تلامس الحديث العادي :

أيش استوى؟ أيش استوى

تبان لي ماشي سوا

تبان تهوى كما يهوى الهوى

هكذا يسيل الفرح والمرح اللحجي على صدور القصائد وأعجازها، وتخالك وأنت تقرؤه أمام زجال لبناني من العيار الثقيل :

عيون له تأسر الناظر

وتربش الفاهم الشاطر

وبسمته تجبر الخـاطر

فيها دواء نفس محزونه

عاده صغير يربونه

أبو جمال حبيلي، والحبيلي لحجي، واللحجي مشرّع غرام. إنه يعرف كيف يخاطب المرأة ، فهو خبير بطب المرأة المعاندة. وهذا هو يجادل صاحبته المجافية ويفحمها :

في البعد من مننا الفايـد؟ *** ما شي لكم «فيد» أو ليّه

يا ويـلكم يوم بدلـتم *** بعـد المحبـة كراهيــه

ليت كل قارئ يفهم مدلول «يا ويلكم» هذه. وهو مخلص في حبه كل الإخلاص، وإذا ما جافاه المحبوب اشتكى منه إليه:

هنا في القلب لك مأوى ومسكن

لأن القلـب لك سلّم وأذعـن

ويـا ما بـات متألم ، وكم أَنْ

ولك أشكي ، لغيرك ما شكيتك

هذه واحدة من وثبات الحجيري الشاعر، ومن لحظات صدق الحجيري العاشق. فيها صدق فني وعاطفي، وفيها «لحجيانية» عذبة؛حيث يسلك الشاعر طريق الحيلة للفوز باللقيا، على طريقة بشّار«... فالمسينا»:

أنا مشتاق لك والشوق متعب

ونار الشـوق للأحشاء تلهب

وأنت تبتعـد عـني وتقرب

ولكن رغم قربـك ما لقيتك!

إنّ قلّة الصبر عند الحجيري هي إحدى هبات المحيط السنيّة، فذاك الأمير عبده عبدالكريم شاعر قليل الصبر آخر، «يريده كله في الساعة»- كما عبر الجاوي، وكلاهما من نفس (الحبيل): وقد جاوزت هذه السّمة ميدانَ الغرام إلى محال حياةٍ أخرى:

الصبر كالمنشار ينشر صحة الصـابر نشـير

ونا معي صاحب وموقف صاحبي موقف مثير

إن قلت له سيره دلا، يزيـد يسرع في المسير

وإن قلت له سرعه، يعاندني ولا يرضى يسير

قلّما يفترع ربيب (عتيرة) القوافي، ولكنه كثيراً ما ينزلق حين ينظم على الفصيح، وهذه علة لا يسلم منها شاعر لحجي، ومرد ذلك، في اعتقادي، إلى إفراط الشاعر في الاحتماء بلهجته، وإلى قلّة دربته في النظم على لهجة قريش، ثم لأنه في الأصل شاعر أغنية.

يقول الحجيري في قصيدته «دار سعد» :

النارُ يا دارُ في قلبي لها لهبٌ

محتارُ يا دارُ و(الحيرهْ) تعذبني

ولكنك مع ذلك لا تعدم متعة هذا الدلع الأندلسي العذب، الممزوج بالروح اللحجية المرحة في دعوة الشاعر للحبيبة بأن : «كُلِي»:

أحبك رغم بعدك والتجافي

وأسعـد باقترابك والتصابي

ويكفي أن أراك بحالِ خيرٍ

فديتُك ، إن هذا منك كاف.

وشاعرنا لا يقصّر، في محاورة النساء، عن ابن جدتنا الحوشبية؛ فهو بارع في الوصف وسريع:

أنتو سلا القلب والخاطر ولأجلكم حيِّتي حِيَّهْ

وهو فوق ذلك مرِح، وصادق، وبسيط، ورهيف وشديد معاً.

انظر كيف رقّص الحجيري الشدّات رقصاً عبدلياً:

من العين تسلَمْ / وتسعد وتنعَم / وفي الحبّ مغنم / متى باترحم؟

تعبـت المتيّم / ويا ما تألـّم / وكم دار سـوّم/ متى باتفهم؟

تحكّـك وورّم/ وقد سيَّل الدّم/ وطبَّب ونجّـم/ متى باترحم؟

شكّل الحجيري مع مطرب لحج الكبير (فيصل علوي) ثنائياً جميلاً، ولطالما أسعدا قلوباً وأمتعا أفئدة، فبقيت لهما عند الناس ذكرى عطرة.

أما وقد صار (أبو جمال ) في قبضة الأزل، فدعونا ندعو له الرقود بسلام فقد أدى رسالته وحسبه ذلك ــ ولأبي باسل طول العمر.

محاضر الأدب الإنجليزي- جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى