قصة قصيرة بعنوان (تحذير رسمي)

> «الأيام» عبداللاه سالم الضباعي:

> أم المدائن يربض جزء منها تحت سفح جبل شاهق، يحيطها البحر من ثلاثة اتجاهات، ومن الاتجاه الرابع تمتد المزارع والحقول والبساتين الخضراء، سورها حزام أخضر، حليها عناقيد الفواكه وعقود الفل، تكتنفها أشجار وارفة الظلال، الزهور تمتد على جنبات الطرق، تغرد العصافير فوق أغصانها، وتعانق الفراشات أزهارها، وتسكن الحمام أسطح منازلها، لا يكدر صفوها غريب أو ينغص عيشها دخيل ..تعيش حياتها بهدوء وأمان، يأتيها رزقها رغدا، تنبسط أمامها الشواطئ الخلابة برمالها الذهبية تغمرها السكينة، أمسياتها تطول، ظلت على هذه الحال ردحاً من الزمن، قبل أن تطأها الكارثة بنعالها الثقيلة، التي أحالت مشاعرها الوديعة إلى جحيم.

ذات ليلة داهمتها قطعان من الكلاب... انتشرت في جميع الأحياء والشوارع، دب الذعر بين أهاليها، خيم الخوف على نسائها وصغارها، قض مضاجع الناس نباحها، طرد النوم من أعينهم، اغتال أحلامهم، تحولت السكينة إلى ضجيج، والأمان إلى خوف، والفرحة إلى حزن، أشيع بين أوساطهم أن هذه الكلاب تم إحضارها لحراسة المدينة أثناء الليل وتأوي إلى حظائر أعدت لها نهاراً، خرج الناس صباح اليوم التالي إلى أعمالهم، الشوارع خالية من تلك الأعداد الهائلة إلا من قليل تفرقت هنا وهناك، لكنها تختلف عن الكلاب البوليسية المعروفة، تبدو مشوهة وأجسامها تكسوها القاذورات.

اعتادت الأسر عصر كل يوم الذهاب إلى الحدائق والمتنفسات لقضاء أوقات ممتعة حتى المساء بأمان واطمئنان لا يوجد ما يفسد متعتهم، فالمدينة آمنة وأهلها طيبون، مسالمون وعلى قدر كبير من الوعي تسود بينهم روح المحبة والألفة، لكنهم في هذا المساء تباغتوا بشيء دخيل.. وغير متوقع ولا مألوف، فالمتنفسات تحتلها أعداد كبيرة من القرود، انتشرت في أرجائها مسببة الأذى والمضايقات للنساء والأطفال بتصرفاتها المؤذية وسلوكها الشاذ..عادت الأسر إلى منازلها مصابة بالذهول والإحباط النفسي، الجميع يشكو هذه الظاهرة التي كتمت على أنفاسهم وحرمتهم متعة التنزه، دون جدوى، أضحت الكلاب تجوب الشوارع ليل نهار، وأعدادها تتزايد يوماً عن آخر، لوثت وأفسدت منابع المياه العذبة، أتلفت المزروعات، بسطت نفوذها في كل مكان ... مرت الأيام والشهور بل السنون وهي تتمادى أكثر، تسطو وتعتدي على حقوق الناس، تسفك دماءهم دون رادع، لا يجرؤ أحد على صدها أو مواجهتها، ومن يحاول ذلك تتخذ بحقه العقوبات الصارمة، لزم الكثير منازلهم، منعتهم من الذهاب إلى أعمالهم، خيم البؤس وساد الإملاق بين أوساط الغالبية. المجلس البلدي يؤكد حرصه واهتمامه بالكلام دون الفعل، استعان بالعديد من الخبراء والمستشارين الأجانب.

ذات يوم هاجمت الكلاب إحدى الأسر المقيمة في مزرعتها، حاول شاب من أبناء الأسرة صدها، هاجمته، افترسته، تمادت في مهاجمة البقية، اضطر رب الأسرة إلى الدفاع عن أسرته بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء لتفريقها ومنعها، اعتبر ذلك جريمة كبرى مخالفة للنظام والقانون ومزعزعة الأمن والاستقرار....!! زج به وأخيه وبعض أولادهما في السجن، شردت بقية أفراد الأسرة، منع الناس من التعبير السلمي عن احتجاجهم واستنكارهم لما يحصل، أودع الكثير منهم في غياهب السجون، وجهت لهم التهم الباطلة، ضاقت الأحوال، فاض الكيل، استفحل الأمر، عقد المجلس البلدي اجتماعاً، أصدر قراراً باعترافه الصريح بوجود هذه الظاهرة وخطورتها.. أعلن عن محاربتها، شكل لجنة لوضع خطة. بعد مرور مدة من الزمن عقد المجلس اجتماعاً آخر لمناقشة الخطة وكانت الإجراءات المتخذة حيال ذلك إصدار البيان التالي: (تحذير رسمي: هذه الكلاب مسعورة وسبب رئيسي في نقل العديد من الأوبئة والأمراض المعدية وعلى الجميع تجنبها وعدم الاقتراب منها).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى