سياحة في التاريخ..

> فضل النقيب:

> في مؤلَّف الأمير أحمد بن علي العبدلي «هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن» التقاطات بارعة لنفس حساسة وعين نفاذة وشاعرية رسامة وروح متصالحة متسامحة محبة تدرك بعمق أن الزمن دول و«يوم لك وآخر عليك ويوم لا لك ولا عليك» ولذلك تراه يعطي كل ذي حق حقه من الناس والبيوت والقبائل والأقارب والأباعد دون أن تلمس مطلقاً مسحة تعصب بغيض أو إقصاء أو انتقام حتى في أعقاب النوازل المزلزلة مثلما جرى إبان الحرب العالمية الأولى حين لجأت العائلة الحاكمة إلى عدن بسبب احتلال الأتراك للحوطة ثم عادت بعد انتهاء الحرب وكان «القومندان» في معية السلطان العائد عبدالكريم فضل إلى عاصمته، وقد سجل ما يلي:

«عدنا إلى بلادنا بعد أن غبنا أربع سنين فوجدنا مدينتنا الحوطة وقد تخرب نحو نصفها، واقفر النصف الآخر، حتى أننا أقمنا ليلتئذ مولداً للنبي (ص) فاحتجنا إلى مجامر للبخور ففتشنا في سوق لحج وفي بيوتها بالشراء أو بالعارية فلم نجد مجمرة واحدة فأحرقنا العود في أشقاف الأباريق المكسرة، وذلك لما صارت عليه حالة المدينة حينئذ، ولكن الأرض موعودة بالحياة كما أن الإنسان موعود بالممات».

ويتلمس المؤلف التاريخ بحصافة وأمانة وإنصاف وخاصة في تدقيق الأنساب، وقد وثق لآل سلام الذين منهم «العبادل» فقال (ص39):«آل سلام فخذ من كلد قريتهم في يافع تسمى بركات غربي جبل (موفجة) وهم فيها إلى الآن، ومنهم آل سلام العبادلة في لحج. وكان في لحج مع آل سلام جماعة من بني السليماني من آل سعد من يافع منهم الأمير حسين بن عبدالقادر صاحب لحج وعدن وأبين، وقد اطلعت على وثيقة بختم السلطان سيف بن قحطان بن عفيف نصها (خطنا الكريم، ورسمنا العلي الفخيم، شاهد بيد الشيخ سلام بن علي العبدلي بأنه منّا وإلينا وأنه حليف ولا عليه عرضة من أحد بل هو من جملة «كلد» وهذا خطنا شاهد بيده، وحسبي الله وكفى، ونعم الوكيل)».

وللمؤلف نظرات تدل على الفراسة وسعة النظر والقدرة على الاستدلال كما نرى في قوله:«إن في اختلاف لهجات وتقاليد وأزياء وأسماء مختلف جهات اليمن وحضرموت لمساعد كبير للباحث على أن يستدل من ذلك على نسب أو جهة من اشتبه عليه نسبه أو جهته، فالخبير بأحوال هذه الجهة وتاريخها وتقاليدها يدرك بسهولة إذا عرضت عليه الأسماء التالية وهي: قحطان بن سيف وبازرعة وقايد فارع وعلي يخضر ومحمد امفضل أن الأول يافعي والثاني حضرمي والثالث جبلي من نحو لواء تعز والرابع حوشبي والخامس فضلي، وبذلك نميز بين آل باعزوب وآل عزب، فباعزوب وباعزب من الأسماء المستعملة في حضرموت وملحقاتها، وعزب من الأسماء الشائعة في يافع (القارة) و(العزيبة) في لحج يتداولون الخبر الشائع بينهم إلى حال التاريخ، وذلك أن علي عزب اليافعي وراجح عزب العبدلي أخوان من ذرية علي عزب باقية في يافع، ومن ذلك نفهم أن العزيبة في لحج من يافع (القارة) ويدل على ذلك مشاركة العزيبة لآل سلام في مشيخة لحج الموروثة من يافع فالمشاركة في الميراث تدل على القرابة وأقلها أن يكون آل عزب من يافع».

وهكذا فإن المؤلف أضاء كتابه بمعرفته وذكائه ومشاركته الفاعلة في صناعة التاريخ وخبرته بجغرافيا المكان مدققاً ومحققاً ومصححاً وباحثاً في الكتب والمراجع القديمة التي لا يأخذ كل ما ورد فيها على علاته، وقد ذكر أن (الرعارع) و(ميبة) كانتا عاصمتي لحج قبل (الحوطة) وذلك على أيام الزريعيين والأتراك، أما أول من اتخذ الحوطة عاصمة فهم عمال الإمام المتوكل والإمام المنصور.. سياحة في التاريخ ما أجملها من سياحة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى