باني والشعر الشعبي الحضرمي

> «الأيام» عمر عوض خريص:

> لم تكن مدينة المكلا العامرة تبتهج وحدها بمهرجانها السياحي الممتع (مهرجان البلدة) بل تشاركها هذا الابتهاج والفرحة مدن حضرموت الساحلية قاطبة، تحتفل وتحتفي بما يقدم في مهرجانها، وهو مدعاة لإدخال السرور إلى نفوس عز عليها السرور في الزمن الصعب، زمن تكالبت فيه الهموم على الفرد والمجتمع، بل على الأمة الاسلامية جمعاء من أدناها إلى أقصاها، وهنا في مدينة المكلا، انبرى شعراء الشعب يترجمون مشاعرهم ويجسدون معاناتهم في قصائدهم ومساجلاتهم الشعرية لعل ذلك يحرك ساكنا في الماء الراكد، وأجمل ما أصدرته إدارة مهرجان البلدة لهذا العام كتابها (من الشعر الشعبي الحضرمي) برواية محمد عبدالرحمن باني وجمع وإعداد ابنه (خالد) وتقديم الباحث الاستاذ عبدالله صالح حداد. والكتاب يسجل ويوثق لمجموعة من الاشعار والقصائد الشعبية، وهي من محفوظات الراوي (رحمه الله).

ويأتي هذا الإصدار ونحن بأمس الحاجة إلى توثيق وحفظ التراث، وخصوصا تفريغه من صدور الحفظة وتدوينه، بل وشرحه وتقديمه للقارئ وللأجيال الحاضرة والقادمة، هذه الأجيال التي غاب عنها الكثير من التراث وفقدت الكثير ايضاً من سماته وألوانه. والشعر الشعبي سجل حافل بالحياة بل وبأدق تفاصيلها وجزئياتها، ولا يستغني الدارس لفترة من التاريخ الحضرمي عن مثل هذه الأشعار التي دونت ووثقت الكثير من الأحداث والوقائع، فلشاعر حضرموت الأول(كما أسماه المؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف) المعلم عبد الحق (ت 1289هـ) ديوان شعر حميني أطلق عليه اسم (الوقائع فيما جرى بين آل تميم ويافع) وقس على ذلك، ولأهمية توثيق هذا التراث، فقد أغنانا الاستاذ الباحث عبدالله صالح حداد في تقديمه عن تلك الأهمية وضرورتها، وفي توجيهه لجمّاع التراث أوصى بقوله: «إنه ليتهيأ لي أن الأخ خالد وعدداً كبيراً من الشبان من زملائه ممن لديهم الرغبة في المشاركة بالقيام بمثل دوره إنما هم يعودون بنا إلى فترة التدوين التي نشطت في القرن الهجري الثالث وبودي أن أهمس في أذن كل واحد منهم أن لا يهتم بنقص أو اختلاف رواية أو ترتيب أبيات قصيدة أو تنوع ألفاظها، فقد حدث مثل هذا في جمع القصائد الفصحى عند التدوين، فإن الروايات اختلفت تماماً من حيث الألفاظ وترتيب الأبيات وعددها ونسبة القصائد» ونحن إذ نؤيد ما ذهب إليه الاستاذ عبدالله غير أن هذا لا يعني أن نعفي من يتصدى لتدوين التراث من أن يبذل الجهد الكافي وأن يمحص الروايات ما استطاع إليها سبيلاً حتى يخرج العمل وقد استوفى الباحث فيه جهده فعندها فقط يعذر. والجهد الذي بذله الأخ خالد يستحق الثناء والاشادة، فهو يساهم في سد جزء من الفراغ الكبير في تراثنا الشعبي، ونحن أشد ما نكون حاجة لمثل هذه الأعمال وتوثيقها، وسيجد الدارسون لهذه الاشعار فيها الكثير مما يوجب عليهم تناوله ودراسته وتعريفه للقارئ وطالب المعرفة، فهو حركة مجتمع بكامله فيه خصائصه ومميزاته وطابع ثقافته وقوام حياته، فمثل ذلك قول الشاعر سالم ناصر بن حيمد:

آه يابوي ناكية عالبطن كيه

مايجونك سوى أهل البخص يوم يكوون

حسبك الله يا جاهل بن الجاهليه

حسبك الله قم غسل ثيابك بصابون

ما حسبناك باتلقى لغة بحسنية

باتعذب عباد الله يا بامحيسون

عاد والله سحابة في السماء الطالعية

باتشربون من كثر المطر باتشربون

مساهنين الرسالة جات من اسكندرية

وكلت وكلت لما متى باتعقدون

هاشوا الغيل خلوا أهلها شانشية

كم يهوشون من مال العرب كم يهوشون

ففيها يدين الشاعر (حاكم غيل باوزير) في عهد السلطنة القعيطية، ويبشر بقرب انبعاث الثورة التي ستقضي على كل أنواع الظلم والفساد وقواه الظاهرة والخفية، إنه كتاب يجب أن يقرأ وتحية ينبغي أن تؤدى للمعد والمقدم ومن وراءهما، ورحمة نسـأل الله أن يتغمد بها المرحوم الراوي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى