القافلة الأدبية

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> أزعم أن ما أكتبه هنا ليس وصفاً اعتيادياً أو تغطية إعلامية أو نقداً مباشراً مقصوداً لذاته، كلا، ولا مقالة أدبية لقد أردته أن يقع ضمن ما يسمى بـ (أدب الرحلات) لا سيما أن الرحلة نفسها كانت رحلة أدباء مع أن هناك فرقاً بين أدب الرحلات ورحلات الأدباء. إن هذا الفن الأدبي المسمى بـ (أدب الرحلات) قديم في أدبنا العربي لعله إلى العصر العباسي عندما كان بعض الادباء يصفون رحلاتهم وما شاهدوه خلالها من طبيعة وأناس ومعاملات وغير ذلك بطريقة شيقة جميلة تصويرية بحيث استحقت صفة الأدبية، وقد برع الأندلسيو ن - خاصة - في هذا الفن نظراً لكثرة رحلاتهم إلى بلاد المشرق طلباً للعلم، ولعل أبرز أدبائها في هذا الميدان هو الرحالة الشهير (ابن بطوطة). لا ينتظر القارئ مني هنا تفصيلات مملة أو نقداً فجاً أو تغطية إعلامية تقريرية، فلا علاقة لأدب الرحلات بكل هذا مع أنه قد يفصل في بعض المواضع وينقد ويعلم ويخبر ولكن بطريقته الأدبية التي تنأى به عن المباشرة والآنية والنفعية المحضة، ولا أزعم أن ما أكتبه سوف يلبي شروط هذا الفن الأصيل إنما هي (محاولات في أدب الرحلات).

منذ أمد لم يكن بعيداً عزم اتحاد الأدباء والكتاب أن ينظم قوافل أدبية، أي: رحلات للأعضاء إلى مختلف الحواضر اليمنية، فأدباء هذه الحاضرة يشدون الرحال إلى تلك الحاضرة والعكس ايضاً وهكذا في سائر الحواضر على ما لهذه القوافل من منافع جمة تعود على الأدباء والأدب والثقافة في الوطن بوجه عام، وقد سمعت من أكثر من أديب أن هذه الفكرة الجليلة كانت من تجليات وإنجازات فقيد اليمن الكبير الشاعر الباهر محمد حسين هيثم- رحمه الله تعالى وطيب ثراه - ولن ننغص القارئ هنا بذكر منغصات هذه القوافل أو ننقص من متعته بذكر نواقصها دفعة واحدة فهذا ما سيجده مبثوثاً خلال الرحلة نفسها.

في أواخر يوليو 2007م انطلقت من عدن قافلة أدبائها متجهة شمالاً إلى مدينة (تعز الحالمة). كان الجو حاراً تخففه رياح صباحية تموزية متقطعة ويحد منه اللقاء والصحبة وثرثرات الأدباء ونكاتهم وضحكاتهم، وإن تكن لحظات الانتظار قد عكرت صفو البعض فإنها سرعان ما تلاشت وذهب أثرها. عدن ساحرة وجميلة ومرحلة وخفيفة ظل بكل ما فيها لا تعبس ولا تكشر إلا قليلاً فما بالك بأدبائها الذين هم عصارتها ومستخلصها؟ شقت قافلتنا الطريق بقوة باتجاه لحج الخضيرة ومواعيد الغرام، هذه (صبر) على يميننا ويسارنا، إن للكاتب فيها ذكريات، لقد سلخ من عمره فيها سنوات أربعاً طالباً ثانوياً ثم طالباً جامعياً، لقد أنشد يوماً بحسرة:

صبر.. صبر يا لحن كل سالي

بها نما حبي وصار عالي

وبعدها عدنا إلى الجبالِ

فضاع محبوبي وضاع مالي

لقد ذهبت معالمها القديمة الحميمة وتحولت إلى كثبان كبيرة اسمنتية قامت على أشلاء الذكريات، فعلى الرغم من حداثة تلك البنايات واكتظاظها بالحياة والسكان فإنها بالنسبة لي كانت أطلالاً أقف عليها وأبكي عهداً تولى.. يتبع

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى