اسمحوا لي أن أقرر ثوابتي الوطنية بنفسي

> علي هيثم الغريب:

> يتردد كثيراً في الآونة الأخيرة أنه سيسن قانون يسمى (قانون حماية الثوابت الوطنية)، حسناً، ولكن من يُعرِّف هذه الثوابت الوطنية، وهل لهذه الثوابت مفاهيم؟.. ومن سيحتكر هذه الثوابت؟

فبعد 45 عاماً من الثورة والجمهورية، هل يعقل أن نسن قانوناً لحمايتها؟.. ومِنْ مَنْ؟!. إننا بهذه القوانين حقاً نبحث عن المتهم في الفشل، وإن هناك ضرورة لصورة العدو الذي يمكن إلقاء كل الفشل على عاتقه، إنه أمر محزن جداً! فماذا تريد السلطات، نحن حقاً (انتفضنا) في الجنوب سلمياً، ولكن كان من أجل حماية الثوابت الوطنية (الثورة، الجمهورية، الوحدة والديمقراطية). ومن المفارقات العجيبة أن كل عمل سلمي جماعي يتم في محافظات الجنوب يلحقه تشريع قانوني لمنعه وتقييده، ففقد شهدت محافظات الجنوب وخاصة الضالع وحضرموت مظاهرات كبيرة تطالب بالحقوق المسلوبة، فسن خصيصاً لها قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات. ونود أن نؤكد هنا وبصراحة أن أبناء محافظات الجنوب لن يسمحوا للمتنفذين والفاسدين بالتطاول على الثوابت الوطنية ومنها الوحدة والديمقراطية، ولن يبخلوا بأي شيء من أجل ترسيخ المشاعر الوحدوية التي يحاول مغتصبو ثرواتنا نزعها من صدورنا.

إن أولئك الذين يأملون في أن تؤدي (دزينة القوانين) مثل قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات ومشروعي قانون الصحافة والثوابت الوطنية إلى حدوث تقييد لأصحاب الحق أو إلى حدوث تنمية في اليمن هم واهمون وعلى خطأ، والأمل في شيء من هذا القبيل، أمل خائب ضائع.. سوروا الجنوب بالعدل، كما قال الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز لواليه في مدينة حمص (حصنها بالعدل).

الثوابت الوطنية لا تحميها القوانين وإن كثرت وتشعبت، وإنما يحميها الناس والمواطنون، فإذا شعر أبناء محافظات الجنوب أن ثروتهم لهم وأرضهم محمية لذريتهم وأبنائهم وأنهم يعيشون في وطنهم آمنين مطمئنين، فإن هذه بالنسبة لهم هي الثوابت الوطنية التي يجب أن يحموها، ولا يحتاجون إلى قانون لحمايتها، وأما إذا شعروا بأن أرضهم تنهب وثروتهم مؤممة من قبل فئة المتنفذين، أو أنهم يعيشون في وطنهم خائفين ومهددين في مستقبلهم فليس بعيداً أن تكون ثوابتهم انطلاقاً من الواقع الذي يعيشونه، والقانون- أي قانون- يتغير، لكن الحكمة والتسامح والصبر ضرورية الآن أكثر من ضرورة إيجاد قانون لحماية الثوابت الوطنية وأن الأفعال السيئة التي تدفع أبناء محافظات الجنوب إلى رفضها بوسائل سلمية هي التي تلحق الضرر بقضية إضفاء الصفة القانونية على الثوابت.

لقد تكونت في بلدنا بعد حرب 94م عمليات متلاحقة لنهب كل شيء يمكن الاستفادة منه تجارياً في محافظات الجنوب، والمنتصرون في الحرب منحوا أعلى الرتب العسكرية والأمنية والمدنية، والمنهزمون جردوا من رواتبهم ومساكنهم وأراضيهم وثبت رسمياً سيادة جزء على الجزء الآخر، فهل هذه الجرائم تتوافق مع الثوابت الوطنية؟! أم أنها تتعارض أكثر فأكثر معها؟! وهل هذه هي طبيعة الوحدة اليمنية؟!

لقد طرح العديد من صيغ الحل (الإعلامية) وجاء نواب ونواب إلى الجنوب وتشكلت لجان وجرت مشاورات ونقاشات مع بعض أبناء الجنوب ورفع تقرير يحتوي على (300 صفحة) لكن في نهاية المطاف وجد الجنوبيون أنفسهم حيث هم الآن، ويمكن- بعد كل ذلك- طرح السؤال: أيهما أكثر أهمية، إعادة حقوق أبناء محافظات الجنوب، أم سيادة الدولة بالقوة؟ أعتقد بالنسبة للقضية الجنوبية هي إعادة تلك الحقوق وعلى رأسها الأرض والثروة وحقوق المتقاعدين.. وإن مشروع قانون (حماية الثوابت الوطنية) المكون من 14 مادة وعقوبات تصل إلى السجن 15 عاماً لا يسمح بحل مسائل كثيرة أخرى كان يمكن حلها وطنياً.. وكان من الأفضل تصحيح الأمور حول الوحدة والثوابت الوطنية باتجاه التسامح والتصالح والسلام الاجتماعي، فما الذي يمنع ذلك؟

إن الأمل في إيجاد حل على المستوى الوطني عن طريق تشكيل اللجان وسن القوانين العقابية والسياسية ليس واقعياً للأسف، لكني آمل في أن نجد بدء المعالجات الصادقة ولو عن طريق ممثلي الحق مباشرة، أو بكلمة أخرى يجب أن يجري حوار بين ممثلي المنهزمين والسلطة السياسية، حوار عملي ووحدوي وديمقراطي، عن معالجات مشتركة لا يشعر بها الشعب في الشمال والجنوب بأنها تنتقص من حقوقه، وإني على ثقة بأن الجميع سيعون أن الجموع التي تضطهد جموعاً أخرى تحت شعارات نفسية ليست حرة، ولن تظل متوحدة عن طريق استخدام القوة، ونأمل أن يكون هذا العام، هو عام تسوية الحسابات عن طريق المبادئ السامية للوحدة وليس باستخدام القوة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى