الدولة الغائبة في حروب الاسعار!!

> عامر علي سلام:

> كان المواطن اليمني البسيط يعتقد بأن وضعه سيتحسن ومعيشته ستتغير هي الأخرى وسيكون حال الأبناء أفضل من حال الأجداد.. فهتف لأكثر من ثلاثين عاماً للثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر.. وهتف مثلها للجمهمورية وظل يهتف للتحرر من حكم الإمامة الكهنوتي والاستعمار البريطاني، ويحلم بتحسين معيشته والشعور بالعدالة والاستقرار والأمن.. وتحقيق الوحدة اليمنية!!

فتحققت الوحدة المباركة.. وظل يهتف لها ولتحقيقها كمنجز تاريخي عظيم.. حتى مر سبعة عشر عاماً من عمرها! وظل يتساءل هل يجب عليه أن يكمل الهتاف حتى ينقضي عمره من عمرها، والحالة المعيشية لم تتغير كثيراً.. أو ربما بما يمكنها من أن تغير في حال الشعوب.. فعمر الإنسان بسيط إذا ما قورن بعمر الشعوب، والتطور والتحسن لا يعنيان أن نعبد الطرقات ونمشي عليها حفاة الأقدام.. أو نفتح أبواب الجامعات اليمنية في كل المحافظات ونخرج للسوق بطالة جامعية!!

لقد شوهت السلطة ممثلة بحكوماتها المتعاقبة( كسلطة تنفيذية بأجهزتها الحكومية) كل معالم الجمال للمواطنة الوحدوية، حتى ارتفعت الأسعار في كل أنحاء العالم.. ولكن ليس العالم هو اليمن.. لأن الدول الأخرى ارتفعت فيها مداخيلها وسعت إلى الحفاظ على مواردها واستطاعت أن تتبع سياسات اقتصادية وبرامج تضبط فيها مصادرها الاقتصادية وتطورها.. واسترايتجيات مدروسة تتوقع من خلالها مجمل التغييرات الاقتصادية إقليمياً وعالمياً.. وليس وفق برنامج انتخابي تبنى الأوطان!!

هناك تجارة حرة.. وأسعار تتغير يومياً.. بل في كل ساعة ونحن في اليمن مازلنا نعيش ونناقش الاستراتيجية العامة للأجور والمرتبات وتحسينها بأثر رجعي جداً.. ويتقاعد الموظف الحكومي (مدنياً أوعسكرياً) ولا يملك من خدمته لوطنه إلا فتات العيش كمكافأة نهاية الخدمة لينجر إلى طاحونة المعيشة الغالية!! كل هذه التراكمات والاحتقانات الاقتصادية وليست السياسية التي تمر بالبلاد اليوم.. هي أصلاً ناجمة في الدرجة الأولى عن تلكم الجرعات الاقتصادية التي تجرعها المواطن والتهب بلهيب الأسعار!! فكيف بالمتقاعد الضئيل الراتب ألا يكتوي بنارها.. وهو يحاول أن يسد رمق عيشه مع أسرته ومتطلبات الحياة الضرورية والتزاماتها (فواتير كهرباء/ مياه/ هاتف.. الخ)، إذن ليس في الأمر تحالفات معارضة سياسية لأحزاب سياسية فاشلة!! ولكن هو الحال والوضع المعيشي للمواطن اليمني البسيط وقد مل من رفع شعارات المجد للثورة والجمهورية والوحدة والوطن، صارت لقمة العيش لديه وطناً!! وأمام هبوط العاملة اليمنية ورواتب ضئيلة وارتفاع أسعار عالمي ومحلي جنوني للاتجار!! جعلت المواطن يئن تحت وطأة الأسعار والسلطة كدولة غائبة.. تبحث دوماً عن مبررات.. (بالله عليكم!!) ماهي العشرون ألف رسال اليوم، كحد أدني للأجور والمرتبات؟!!.. كان الأحرى أن تفكر الدولة إن كانت حاضرة اقتصادياً وسياسياً أن ترفع أجور موظفيها ومرتباتهم إلى ستين ألف ريال كحد أدنى لمواجهة تكاليف المعيشة!! وتستطيع ذلك! تستطيع أن تواجه الأسعار العالمية والمحلية معاً في ترتيبات خاصة عملتها الكثير من الدول العربية والآسيوية.. وذلك مثلاً بتشغيل احتياطينا من العملات الصعبة لإصلاح وضعها الاقتصادي المزري!!، أو مثلاً توجد سياسات خاصة (بالبنك المركزي) تدفع فيها الرأس المال الوطني لأن يودع مدخراته في البنوك الوطنية.. وأن يسدد التاجر في اليمن ما يفتحه من اعتمادات بالدولار بدلاً من (الريال).. كما عليها أن تجتهد كثيراً في إصلاح الوزارات التي لها علاقة بالتحصيل(وزارة المالية) وأجهزتها كالضرائب والجمارك.. حتى لا يصل الأمر والفساد فيها أن نعفي شركات النفط الأجنبية من دفع الضرائب المحتسبة عليها.. ففي آخر تقرير للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لوحظ تنامي ظاهرة البيانات الجمركية المعلقة (غير المسددة) في الفترة من 1994م حتى مايو 2007م بمبلغ(62.880,896,006) ريالات، وظاهرة تنامي منح الإعفاءات الجمركية وتحت نظام السماح المؤقت (الإعفاءات الاستثمارية/ النفطية/ الحكومية) خلال عام 2005م فقط وصلت إلى (265.187.123.901) ريال وقيمة الرسوم الجمركية عليها بمبلغ (39.735.398.616) ريالاً وذكر التقرير أن هذا المبلغ الذي يمثل حجم الإعفاءات الجمركية في عام 2005م يعادل عجز الموازنة العامة للدولة للعام ذاته (2005م)!!!

هذا هو الفساد الإيرادي الذي يخيم على الدولة الضائعة في ضياع مواردنا الاقتصادية وما يمكن أن تتكئ عليه الدولة في دعم اقتصادها والمحافظة على عدم تضاعف وقع الغلاء على المواطنين!!! دولة بأجهزتها الفاسدة تحتاج لمن يستطيع أن يكسر أقلامها التي تمنح هذه الإعفاءات.. فهي مصدر كبير للفساد العام!!

وما ذكر آنفاً ما هو إلا مثل بسيط في قائمة الأمثلة التي لو بحثنا عنها لن يستطيع حتى تقرير الأمم المتحدة الإنمائي حصرها!!، ونحن في اليمن.. دائماً عندما نعلق أزماتنا الاقتصادية نأتي بمسامير السياسة ونعلق عليها أعذارنا.. ونطلق اتهاماتنا.. أو نقول (هذه احتقانات سياسية) أو (هذه المعارضة تظهر حقدها في معاناة الشارع)أو (هذه الأحزاب تتكاتف مع بعضها في الخفاء) أو (هناك من يحرض من الخارج ممن فقد السلطة) وكل ذلك أوهام ومبررات غائبة.. بل ضائعة، فالجوع عند المواطن لا يميز بين سلطة أو معارضة أو مشترك أو مؤتمر أو محافظات جنوبية وأخرى شرقية.. أو نهب أراض بالجملة ضمن المواضيع!! نقولها للأسف.. هي فقط لقمة العيش.. هي الوطن!! فلننظر لذلكم المواطن اليمني البسيط الذي ظل يهتف بمجد الوطن والثورة والجمهورية والوحدة لأكثر من أربعين عاماً..هل تحسنت معيشته؟ هل هذا ما كان يأمله لسنوات طوال من الصبر؟ لذا على الدولة أن تظهر شيئاً من حضورها.. حتى لو تطلب الأمر إلغاء كل معاملات السوق الحر والاستيراد (للمواد الغذائية) واحتكار قوت الناس (من قمح وسكر وزيوت وألبان وغيرها) وأن تستوردها بنفسها.. إن كانت دولة تمثل الشعب.. وحاكم لديه رعية.. هو مسؤول عنها!!؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى