الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة .. مليكة الشعر ورائدة حداثته، ترحل .. كنيزك خلف وراءه إبهاره ودهشته

> «الأيام» مازن سالم صالح:

> برحيل الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة، وبحسب ما أرى في تصوري المتواضع، ستخبو حدة التساؤلات المثيرة حول ريادة التجديد في الشعر العربي، والتي لم تقف عند حدود الشكل بل تعدته إلى مجال الجنس: ذكوري، نسائي، عطفاً على أسبقية الرواد في هذا الصنف الأدبي واللون الشعري الذي برزت تجلياته التعبيرية بأدواتها المعاصرة، في ما بعد الحرب العالمية الثانية، في أشعار بدر شاكر السياب وعلي أحمد باكثير ونازك الملائكة وبلند الحيدري وصلاح عبد الصبور وغيرهم.

خطوات في الطريق

ومن هذا المنطلق فإن نازك الملائكة الشعرية في دواوينها المختلفة لم تقتصر على هذا الدور في هذا المجال، فلقد نالته باعتراف يفضي إلى كونها من أهم ينابيعه الدفاقة في الوطن العربي .. وليس هذا فحسب، بل أضافت إليه صوت المرأة العربية في التماعاته التكوينية الأولى معززة بدورها المؤثر الذي أضافت إليه الدراسات الأدبية والنقدية أهمية الصورة التي لم تكن محجوبة لديها، بل سارت في توازٍ مع قوة صوتها الشعري المجلي، الذي حاكى ونسج البدايات الأولى في جانب التجديد والتطوير الشعري الذي اتسم بترنيمة الإيقاع الموسيقي وجمالية التعبيرالدلالي، وهذه حقيقة الشعر وجوهره في كل العصور باعتباره ديوان العرب الأول ..

بعيداً عن التصنيفات والتقسيمات القديمة والمعاصرة والمحدثة.

تميز إبداعي ورصيد معرفي أنتج ثقافة رائدة

وبالنظر إلى النماذج المنظومة في دواوينها الشعرية، تسجل الدراسات الأدبية أنها لم تقف عند حدود التميز الإبداعي في الشعر الحديث، بل نافست فيه إلى حدود أتيح لها فيه فيما بعد، الإشادة بنبوغها وريادتها منذ أن وضعت أولى خطواتها الإبداعية في مضمار التجديد والحداثة الشعرية إلى حد الإيمان بذلك، وهو ما لا خلاف عليه دون أي مرية، حتى أن مقدرتها الفائقة في التعبير تجاوزت حدود الأسلوب في النمط والنظم معاً .. بل واصلت الكتابة بالشكل التقليدي (الشعر العمودي) بعد أن جاءت دواوينها الأولى متحررة من ذلك. وهو ما منح شعرها لوناً خاصاً نظراً لثقافاتها الشعرية الدافقة المكنونة لديها منذ النشأة الأولى.

هذا إذا ما عرفنا أنها من بيئة شعر وثقافة واطلاع، حتى أن كنيتها (الملائكة) جاءت ملازمة للأسرة، التي تحلى أفرادها بالوداعة والسكون والهدوء والرقة، فأطلق الناس عليهم هذه التسمية، والتي تجلت كلقب بارز (ملائكة) عرفت به كثيراً في الأوساط الأدبية والإبداعية منذ بدايتها الأولى في ديوان (شظايا ورماد) 1949م وحتى وفاتها في 2007م.

رحلة الواقع والمستحيل

والمتأمل لتجليات رحلة الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة ابتداء من العقد الخامس في القرن الفارط وحتى العقد الأول من الألفية الثالثة يسترعي انتباهه بحثها الدائم عن الحلم وتوقها الحالم للأمان والجمال، في تلازم رومانسي، شفاف، للشاعرة، الإنسانة، في مسيرة تماهت مع طبيعتها الشعرية، البشرية على حد سواء مع تشبثها بالحلم إلى حد الإعلان:

سأبقى تجاذبني الأمنيات

إلى الأفق السرمدي البعيد

وأحلم أحلم لا أستفيق

إلا لأحلم حلما جديد

ويبدو أن إمعانها في الحلم وتماهيها فيه جعلها تستزري الواقع وتستقبحه بشناعة بعد أن قاست فيه المرارت، ولما رأت فيه من الخذلان والحرمان في أيامها الأخيرة .. بعد أن مرت بفترة إحباط وتشاؤم في انتظار الرحيل، ربما لعدم تحقق الحلم أو لكونه بات مستحيلاً في تراجيدية، تمازجت فيها أحلام البدايات وبكائيات الأيام الأخيرة :

مرّت علي الليال/ مرّ علي زمان/ وآثار أقدامنا في طريق الزمان/ تنتظر الغد خلف العصور / تسير بنا القافلة/ نجوب التلال نجوس الشوارع/ أضعت زمانا طويلاً.

«بنية ثرية بالدلالات، تستلهم الموروثات حافلة بالتحولات». وبصرف التجليات عن الأيام المأساوية التي لحقت بالشاعرة الرقيقة في أيامها الأخيرة والتي أفضت إلى الرحيل الفاجعة، فإننا بإعادة القراءة في تجربتها الخالدة ضمن النتاج الإبداعي الذي حوته دواوينها الشعرية المختلفة، أو فيما أشارت إليه الدراسات الأدبية والنقدية، سواء أكان من حيث البنية الشعرية في الأداء أو في مضمون البناء الشعري الراقي في تجربتها الفريدة والمتميزة، التي برحيلها تصل إلى مرحلة (الاكتمال الأدبي)، فإننا نراه مازال قادراً على الإثارة والإدهاش لا سيما وهو في طور/المعيش / إن لم يكن ليسبقه في أحايين كثيرة، طالما وهو ثري بالدلالات وغني في استلهام الموروثات وحافل بكل تلك التحولات في غمرة الرحلة المضنية التي صاغت كل ذلك المعطى الشعري الذي منح السيادة وكان أهلاً للريادة فاستحقت عليه شاعرتنا الكبيرة نازك الملائكة، يرحمها الله، كل ذلك وزيادة.

المراجع :

مجلة «العربي» الكويتية العدد 535.

مجلة «الكويت» الكويتية الأعداد 250 و251 و254.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى