> «الأيام» كفى الهاشلي:

منازل من الأخشاب والصفيح
ومن ضمن هذه الحالات التي خطفت انتباهنا إليها تمزق أبناء العمومة إلى روس وشيشان في بلدنا اليمن وفي قلب الحضر بمدينة عدن (البريقة).. فما الذي مزق أبناء العمومة وأطلق عليهم هذا الوصف؟
وكيف يعيشون في ظل الصراع على لقمة العيش وما هو واقع الحياة التعليمية والاجتماعية؟ معاً سنمضي في هذه السطور نحكي رواية حقيقية مازال غلافها يصمم بعيداً عنها .
سكن الجد القرو قديماً في منطقة نائية تقع بين منطقة صلاح الدين وموقع شركة مصفاي عدن في مديرية البرقية المعروفة بعدن الصغرى وكانت البريقة قديماً تسمى بالغدير نسبة إلى ولي كان فيها وبعد وفاته دفن هنالك وسميت باسمه إلا أن التوسع العمراني في المنطقة وبسبب توافد أسر العمال الذين وظفتهم شركة مصافي عدن أضحت هذه المديرية تزدحم أكثر وأكثر ومازالت المديرية حتى اليوم تتمتع بمساحات كبيرة بحاجة للاستثمار وبحاجة للتصرف السليم واحتواء أولئك الذين يعيشون على تلكم المساحات حتى لا تتطور معاناتهم بفعل استثمار خيرات الطبيعة هناك إلى فاجعة ومرارة وانقسام.

وأخرى من الطوب والأحجار
عندما دلفنا إلى منطقة كود قرو وجدناها تقع على جانبي الطريق العام المؤدي إلى منطقة صلاح الدين فعلى اليمين أهالي الشيشان وعلى اليسار أهالي الروس. مع أبناء المنطقة جلسنا وتحدثنا وكان أحمد محمد أول من تحدث لنا عن طبيعة المنطقة قائلاً: «حياة الناس هنا بسيطة جداً فأبناء المنطقة يعملون في بيع وشراء الأسماك لم ينظر أحد لوضعنا في المنطقة وكل ما لدينا مدرسة واحدة مازالت حتى اللحظة غير مفتوحة وفي المنطقة عجزة ومعاقون وأطفال يريدون أن يدرسوا ، أما الفتيات فمعضمهن يتركن الدراسة إما لأنهن يجدن صعوبة في إكمال الدراسة خارج المنطقة أو لأن الوعي مازال بعيداً عنهن».

أطفال ينتطرون افتتاح مدرستهم المغلقة
الأخت بركة التي تعمل في المدرسة المنشأة حالياً تقول :«أنا وأخي مهدي نعمل في المدرسة وهي إلى الآن لم تفتح أبوابها بسبب عدم توفر المدرسين الذي قيل أنهم سيأتون من صلاح الدين».
وعن أسباب الانقسام بين أبناء العمومة قالت: «والله إننا كنا نأكل ونجلس ونصلي معاً ولا نعرف الحسد أبداً لكن الطمع هو السبب فهذه المحافر التي ترينها خلفك (على جوانب الجبال) هي السبب فبمجرد أن يأتي رجل أعمال أو تاجر ليقيم محفراً هنالك من ينطلق خلسة و دون علم البقية ليتسلم منه مبلغ ونتفاجأ بأن التاجر دفع له والأرض هي ملكنا جميعاً لأننا أخوة ووصلت الأمور بنا للقطيعة وأصبحنا وكأننا في حرب وصراع فهؤلاء روس وهؤلاء شيشان وهذا هو المسمى، لأن هناك طرف يأخذ وطرف يحرم من المال العائد من المحافر»« .

أطفال في انتظار مستقبل زاهر
أما التحكيم الذي كان له ردة فعل طيبة وقبول به لأنه عادل فقد جاء من الشيخ صالح بن فريد الذي تدخل لحل النزاع بين أبناء العمومة منصفاً للطرفين إلا أن أربعة من أبناء المنطقة وهم محمد وصالح وعبدالله وعادل ظلوا المتحدث الوحيد مع المستثمرين والمستلم الأوحد لعائدات المحافر على الرغم من بروز واحدة من أهم الوقفات التي جاءت من الشيخ صالح الذي قال لنا:«تدخلنا نحن لتحكيم النزاع بين الروس والشيشان كما يسمون لكن الحقيقة أن هناك من يسعى لسلب حق الطرف الثاني ومن المفترض أن يكون المجلس المحلي هو من يحسم الأمر وأنا أرى أن العدل واجب فالناس هناك في خطر يهدد صحتها وتخيلوا حجم الغبار والأتربة المتناثره فوق الأطفال والنساء وكبار السن فلا يعقل أن يعاني هؤلاء الأمرين أما لو تحدثنا عن وضع المحافر هناك لقلت لك بانها في موقع خطأ ومهدد لصحة الجميع» .

أحد المسنين في كود قرو
زيارتنا لهم كانت مفاجأة حيث قدمنا بمعية جمعية الفردوس التي جاءت لتنسق مع نساء المنطقة برنامجاً لمحو أمية النساء والفتيات حتى يكن قادرات على تعليم أطفالهن وليتسنى لأبناء المنطقة بأنفسهم تعليم أبنائهم كخطوة مساعدة جنباً إلى جنب ما يقوم به الأخ فتحي سالم المدير التنفيذي لشركة مصافي عدن في مساعدة أطفال هذه المنطقة من خلال توفير وسائل نقل تمكنهم من الذهاب لمدارسهم الواقعة في مديرية البريقة والبعيدة عنهم وهي خطوة ايجابية أثنى عليها أبناء المنطقة دون نكران لها.
المدرسة التي بنيت مؤخراً مازالت مغلقة حتى اللحظة وعندما فتح بابها الأخ مهدي لنطلع على محتواها جاء الأطفال قبلنا مهرولين إليها وكأنه الشغف نحو مستقبل أفضل، أثاثها وفصولها ومساحتها وكل الترتيبات الحالية تبشر بالخير وما تقوم به بركة وبعض سكان المنطقة من اهتمام كان الأجمل فهم يجلبون الماء من بيوتهم لسقيا الاشجار في المدرسة دون ملل أو كلل أو حتى أجر يذكر.
إحدى الأمهات خرجت مهرولة تصرخ قبل مغادرتنا المكان قائلة:«لبس أطفالنا ملابس المدرسة فعادوا إلينا كما ذهبوا لا معلمين ولا إدارة والله حرام عليهم فنحن نريد أطفالنا يدرسون وكفانا معاناة».
أما فتيات المنطقة فاليأس باد على وجوههن ولعل ترك التعليم كان خياراً لابد منه في ظل مدارس بعيدة وفقر مدقع ومواصلات صعبة ومكان موحش خاصة ممن يدرسون في فترة الظهيرة.

يلعبون وتبدو خلفهم المحافر
ودعنا المنطقة وسكانها الطيبين ونحن على أمل أن رحلينا يتبعه قدوم شهر فاضل وكريم ورب يقسم الأرزاق ويحدد الأقدار وما نملك لهم سوى الدعاء بالغوث من قلب رحيم ويد كريمة وقرار رصين لتحل مشاكل الحياة الصعبة وتعود كود قرو كما كانت لا روس ولا شيشان.