عنوانها.. مملكة الجد قرو وفصولها عن محافر أبناء العمومة ..رواية عن صراع الأسرة الواحدة في كود قرو

> «الأيام» كفى الهاشلي:

>
منازل من الأخشاب والصفيح
منازل من الأخشاب والصفيح
كبيرة هي معاناة المواطن اليمني، في الريف أو الحضر وكل هم قد يشكل صورة يطلق عليها وصف ما لم يبتعد عن واقع من الحياة العربية أو العالمية لحالة يعيشها أبناء اليمن.

ومن ضمن هذه الحالات التي خطفت انتباهنا إليها تمزق أبناء العمومة إلى روس وشيشان في بلدنا اليمن وفي قلب الحضر بمدينة عدن (البريقة).. فما الذي مزق أبناء العمومة وأطلق عليهم هذا الوصف؟

وكيف يعيشون في ظل الصراع على لقمة العيش وما هو واقع الحياة التعليمية والاجتماعية؟ معاً سنمضي في هذه السطور نحكي رواية حقيقية مازال غلافها يصمم بعيداً عنها .

سكن الجد القرو قديماً في منطقة نائية تقع بين منطقة صلاح الدين وموقع شركة مصفاي عدن في مديرية البرقية المعروفة بعدن الصغرى وكانت البريقة قديماً تسمى بالغدير نسبة إلى ولي كان فيها وبعد وفاته دفن هنالك وسميت باسمه إلا أن التوسع العمراني في المنطقة وبسبب توافد أسر العمال الذين وظفتهم شركة مصافي عدن أضحت هذه المديرية تزدحم أكثر وأكثر ومازالت المديرية حتى اليوم تتمتع بمساحات كبيرة بحاجة للاستثمار وبحاجة للتصرف السليم واحتواء أولئك الذين يعيشون على تلكم المساحات حتى لا تتطور معاناتهم بفعل استثمار خيرات الطبيعة هناك إلى فاجعة ومرارة وانقسام.

وأخرى من الطوب والأحجار
وأخرى من الطوب والأحجار
فبعد حياة قضايا العم قرو في تأسيس حياة اجتماعية طيبة يسودها الأمن والأخوة، لاح شبح جديد منذ ما يزيد على أربعة أعوام لتتحول منطقة كود قرو في مديرية البريقة إلى ساحة صراع أخوي بسبب المحافر التي دخلت إلى عالمهم البسيط ليمضي كل طرف في البحث عن نصيبه من العائدات المالية التي يقدمها التجار جراء حفر الجبال لاستخراح الأحجار فجلوس الأخوة مع بعضهم لتقاسم المال كان المخرج الوحيد لإتاحة الفرصة لأبناء منطقة كود قرو وتجنب أي مشاكل وبالمقابل تحسين واقع حياتهم المعيشية بهذه المبالغ مهما كان حجمها إلا أن بريق المال كان العامل الأول في نشوء الصراع بين أبناء العمومة (أبناء كود قرو) فتسلل هذا البريق وأضاء للبعض ظلام الليل لينشط كخفافيش الظلام ساعياً وراء عقد الاتفاقات دون علم أخوته وجني المال دون قسمة عادلة، إلا أن أخوته بمجرد كشف الحيلة صرخوا وقالوا لا.. لينشب بعدها صراع قسم منطقة كود قرو إلى منطقة عليا تعرف بالشيشان وسفلى عرف أبناؤها بالروس وتحولت الألفة والمحبة إلى عداء واضح فرق الأخ عن أخيه.

عندما دلفنا إلى منطقة كود قرو وجدناها تقع على جانبي الطريق العام المؤدي إلى منطقة صلاح الدين فعلى اليمين أهالي الشيشان وعلى اليسار أهالي الروس. مع أبناء المنطقة جلسنا وتحدثنا وكان أحمد محمد أول من تحدث لنا عن طبيعة المنطقة قائلاً: «حياة الناس هنا بسيطة جداً فأبناء المنطقة يعملون في بيع وشراء الأسماك لم ينظر أحد لوضعنا في المنطقة وكل ما لدينا مدرسة واحدة مازالت حتى اللحظة غير مفتوحة وفي المنطقة عجزة ومعاقون وأطفال يريدون أن يدرسوا ، أما الفتيات فمعضمهن يتركن الدراسة إما لأنهن يجدن صعوبة في إكمال الدراسة خارج المنطقة أو لأن الوعي مازال بعيداً عنهن».

أطفال ينتطرون افتتاح مدرستهم المغلقة
أطفال ينتطرون افتتاح مدرستهم المغلقة
الطمع فرق بين أبناء العمومة

الأخت بركة التي تعمل في المدرسة المنشأة حالياً تقول :«أنا وأخي مهدي نعمل في المدرسة وهي إلى الآن لم تفتح أبوابها بسبب عدم توفر المدرسين الذي قيل أنهم سيأتون من صلاح الدين».

وعن أسباب الانقسام بين أبناء العمومة قالت: «والله إننا كنا نأكل ونجلس ونصلي معاً ولا نعرف الحسد أبداً لكن الطمع هو السبب فهذه المحافر التي ترينها خلفك (على جوانب الجبال) هي السبب فبمجرد أن يأتي رجل أعمال أو تاجر ليقيم محفراً هنالك من ينطلق خلسة و دون علم البقية ليتسلم منه مبلغ ونتفاجأ بأن التاجر دفع له والأرض هي ملكنا جميعاً لأننا أخوة ووصلت الأمور بنا للقطيعة وأصبحنا وكأننا في حرب وصراع فهؤلاء روس وهؤلاء شيشان وهذا هو المسمى، لأن هناك طرف يأخذ وطرف يحرم من المال العائد من المحافر»« .

أطفال في انتظار مستقبل زاهر
أطفال في انتظار مستقبل زاهر
محمد عمر ومحمد علي ومحمد عبدالله ووسيم حسن شباب أخبرونا عن أسمائهم حتى لا يقال أن ما سننشره ليس له واقع وحقيقة في المنطقة بل راحوا يخاطبونني بلستعدادهم لكتابة كافة أسماء أبناء المنطقة الذين يريدون إحقاق الحق وتحدث الشباب معنا قائلين:«قدمنا لكافة الجهات المختصة رسالة نشكو بها ونحكي عن واقع ما يحدث لنا وطالبنا بتوقيف المحافر وما يحدث لنا من ظلم بسبب صرف المبالغ المستلمة من قيمة الردميات والكبس لصالحهم الشخصي لعدد محدود من أبناء القرية وحرمان الباقين في القرية و المستحقين وهم أسر فقيرة وبحاجة ماسة لهذه المبالغ وعدم المساواة في توزيعها بيننا بالتساوي خلق الحقد والخلاف ولذا نحن نرى أن الجهات المعنية عندها صلاحية إصدار القرار وهو لا يحتاج لكل تلك المماطلات فليس من مصلحة أحد أن ينشب الخلاف بين أبناء العمومة، فبيننا من سجن ومن دخل في مشاجرات ومنذ أربع سنوات ونحن على هذا الحال لا ندري لماذا لم يأت رد الدولة عادلاً حتى اللحظة لحل هذا الخلاف علماً بأننا قد أرسلنا شكوانا بعدة رسائل للمحافظ ولأمين عام المجلس المحلي ووكيل الأمن السياسي ومدير أمن المحافظة ووكيل النيابة ومدير شرطة البريقة ومازلنا ننتظر ردة فعل قانونية عادلة».

أما التحكيم الذي كان له ردة فعل طيبة وقبول به لأنه عادل فقد جاء من الشيخ صالح بن فريد الذي تدخل لحل النزاع بين أبناء العمومة منصفاً للطرفين إلا أن أربعة من أبناء المنطقة وهم محمد وصالح وعبدالله وعادل ظلوا المتحدث الوحيد مع المستثمرين والمستلم الأوحد لعائدات المحافر على الرغم من بروز واحدة من أهم الوقفات التي جاءت من الشيخ صالح الذي قال لنا:«تدخلنا نحن لتحكيم النزاع بين الروس والشيشان كما يسمون لكن الحقيقة أن هناك من يسعى لسلب حق الطرف الثاني ومن المفترض أن يكون المجلس المحلي هو من يحسم الأمر وأنا أرى أن العدل واجب فالناس هناك في خطر يهدد صحتها وتخيلوا حجم الغبار والأتربة المتناثره فوق الأطفال والنساء وكبار السن فلا يعقل أن يعاني هؤلاء الأمرين أما لو تحدثنا عن وضع المحافر هناك لقلت لك بانها في موقع خطأ ومهدد لصحة الجميع» .

أحد المسنين في كود قرو
أحد المسنين في كود قرو
مدرسة تحمل الأمل والألم

زيارتنا لهم كانت مفاجأة حيث قدمنا بمعية جمعية الفردوس التي جاءت لتنسق مع نساء المنطقة برنامجاً لمحو أمية النساء والفتيات حتى يكن قادرات على تعليم أطفالهن وليتسنى لأبناء المنطقة بأنفسهم تعليم أبنائهم كخطوة مساعدة جنباً إلى جنب ما يقوم به الأخ فتحي سالم المدير التنفيذي لشركة مصافي عدن في مساعدة أطفال هذه المنطقة من خلال توفير وسائل نقل تمكنهم من الذهاب لمدارسهم الواقعة في مديرية البريقة والبعيدة عنهم وهي خطوة ايجابية أثنى عليها أبناء المنطقة دون نكران لها.

المدرسة التي بنيت مؤخراً مازالت مغلقة حتى اللحظة وعندما فتح بابها الأخ مهدي لنطلع على محتواها جاء الأطفال قبلنا مهرولين إليها وكأنه الشغف نحو مستقبل أفضل، أثاثها وفصولها ومساحتها وكل الترتيبات الحالية تبشر بالخير وما تقوم به بركة وبعض سكان المنطقة من اهتمام كان الأجمل فهم يجلبون الماء من بيوتهم لسقيا الاشجار في المدرسة دون ملل أو كلل أو حتى أجر يذكر.

إحدى الأمهات خرجت مهرولة تصرخ قبل مغادرتنا المكان قائلة:«لبس أطفالنا ملابس المدرسة فعادوا إلينا كما ذهبوا لا معلمين ولا إدارة والله حرام عليهم فنحن نريد أطفالنا يدرسون وكفانا معاناة».

أما فتيات المنطقة فاليأس باد على وجوههن ولعل ترك التعليم كان خياراً لابد منه في ظل مدارس بعيدة وفقر مدقع ومواصلات صعبة ومكان موحش خاصة ممن يدرسون في فترة الظهيرة.

يلعبون وتبدو خلفهم المحافر
يلعبون وتبدو خلفهم المحافر
الطفلة حميدة كانت صاحبة الابتسامة المؤلمة بالنسبة لي وأنا أتبادل الحديث مع أطفال وأبناء المنطقة فهي تعيش مع جدتها بعد أن فقدت حنان الأم برحيل مبكر عن الحياة وعطف الأب برحيل صوابه عن الذات وبقيت وأخاها في شتات كل يبعد عن الآخر فهي مع أم أمها وهو مع أم أبيه وبينهما فراع لا تستطيع أي من الجدتين احتواءه، منازل المنطقة أخشاب متراكمة إلا فيما ندر من المنازل وطبيعتها كفيلة بقيام مساحات زراعية تخدم الشباب العاطل ناهيك عن جبالها الغنية بالأحجار الجيدة فيما لو أخذت بطريقة عملية سليمة وعادلة الأجر لأبناء هم أحوج ما يكونون للمساعدة.

ودعنا المنطقة وسكانها الطيبين ونحن على أمل أن رحلينا يتبعه قدوم شهر فاضل وكريم ورب يقسم الأرزاق ويحدد الأقدار وما نملك لهم سوى الدعاء بالغوث من قلب رحيم ويد كريمة وقرار رصين لتحل مشاكل الحياة الصعبة وتعود كود قرو كما كانت لا روس ولا شيشان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى