«الأيام» في ماليزيا مملكلة الأحلام يقولون ماليزيا آسيا الحقيقية وأقول آسيا هي ماليزيا

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
القصر الملكي كوالالمبور
القصر الملكي كوالالمبور
كما نعلم أن ماليزيا حصلت على استقلالها من بريطانيا عام 1957م وحتى اليوم فإن قيادة السيارات بمقود اليمين مثل البريطانيين، وساعة الاستقلال كانت نسبة الفقر تصل إلى %70 بين سكان مملكة ماليزيا، إلا أن عقليات ساسة البلاد سارعت النمو المضطرد فانخفض مؤشر الفقر إلى أقل من %6، ويتحدث الماليزيون عن رائد النهضة في العصر الحالي وهو رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد الذي وضع استراتيجية أسماها (ماليزيا 2020) بما يعني الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، ومهاتير هو رئيس الحكومة الرابع منذ الاستقلال وتولاها من عام 2003-1981 ويعتبر عبدالرحمن بوتر الحاج اول رئيس حكومة 1970-1957 ومن رواد الاستقلال وفي عهده انفصلت سنغافورة لتكون دولة بذاتها إثر شعور ممثليها في برلمان الاتحاد الماليزي بنقص التمثيل، وكان الانفصال السلمي أو الانسحاب في 1965م ولم تشهد البلاد أي أعمال تصادم نتيجة الاختلاف والتباين سوى حالة شغب واحدة في كوالالمبور في مايو 1969م بين مختلف الأعراق، ومع أنها خلفت جروحا إلا أن مداواتها جاءت سريعة، وشرارة هذه الفتنة التي أخمدت وضعت أمام القيادات والزعامات الروحية خيارا وحيدا عنوانه الكبير المزيد من التنمية والمساواة ومزيد من الديمقراطية التي ارتضى بها الماليزيون، فالنظام الملكي دستوري وحتى الملك ينتخب من بين سلاطين الولايات.

وأثناء مكوثي في العاصمة وفي رحلة بين معالمها كنت وفوج من الذين حضروا فعاليات حفل الآغاخان ومجموعة من دول نامية توقفت بنا الحافلة أمام قصر الملك، والادهى من ذلك أننا التقطنا الصور التذكارية مع حراسة القصر وصورنا المبنى والباحة، وعندما قلت الأدهى لأنني أتحدى أي مواطن عربي أن يتوقف ولو غصباً عنه جراء ظرف طارئ أمام منزل مسؤول أو المرور حتى في شارع يقطنه أحد كبار رجال دولته!

أسواق وحدائق وعمارات الحديقة الوطنية (التقطت من آخر طابق في الفندق)
أسواق وحدائق وعمارات الحديقة الوطنية (التقطت من آخر طابق في الفندق)
في ماليزيا تشعر أنهم يحبون بلادهم، فالابتسامات التي لا تنتهي والخدمات الراقية والتعامل الرقيق طباعا وسلوكا يكتشفها الزائر والسياح، وهم بهذا يدعونك لزيارتهم مرة ثانية وتعتبر السياحة عندهم مصدرا رئيسا للدخل الوطني لذلك فإن البنية التحتية لهذا القطاع وقدرة المشتغلين فيه جعلت ماليزيا نقطة جذب، بل أضحت أفضل بلدان الشرق لدى السياح العرب بعد أن كانت بلدان مجاورة لا ينقطع عنها الخليجيون ولكنهم اليوم يشدون الرحال ويحملون حقائبهم إلى كوالالمبور وجزر المحيط الهندي الماليزية. وفي الفندق الذي أقمنا فيه كان عدد العائلات من دول الخليج كبيرا حيث النساء تغطيهن الثياب السوداء من الرأس حتى أخمص القدمين، وفي الحديقة الوطنية ما بين الفندق وسوق (سوريا) التي تعني بالماليزية الشمس SURIA كان عدد من الشباب والفتيات اللاتي لففن مناديل وأحجبة حول وجوهن ولبسن ثيابا محتشمة، وبواسطة السحنة العربية واللهجة اتضح أنهم من الكويت الشقيق وبعد أن سألت رب العائلة أشار إلى أن عوامل كثيرة جعلتهم يقضون أجازتهم في ماليزيا.. سنتعرف على هوية العربي المحلية، أقصد من أين قدم؟ فالعباءة السوداء عند بعضهن أو البرقع سنقول من دولة كذا في الجزيرة والخليج والسفور المحتشم من البحرين أو الكويت، ومع هذا ستصادف سياحاً عرباً (بنصف بنطلون) أي سروال حتى الركبة، وقد تقع عيناك من على بعد على من يرتدي الفوطة (الصاروم) ولعل هذا ليس يمنيا من حضرموت مثلا فلربما كان من أهل الأرض من الملايو فهم يرتدون الفوطة ولكن بلفة حول الخصر متميزة.. السياحة عندهم تجارة وصناعة وترويج للوطن، لذلك نظمت الجامعات الماليزية ومؤسسات تهتم بهذا النشاط في يوليو الماضي مؤتمرا سياحيا على مستوى عال، وكما هو التنوع العرقي والديني فالتنوع السياحي ملموس، فإن أردتها سياحة ثقافية فالمتاحف والمباني القديمة والمسارح وآثار شعب الملايو ستشفي غليلك وإن وصلت للترويح والاستجمام فالشواطئ والمياه العلاجية والأنهر والغابات ومناطق الأمطار الاستوائية والبيئة عموما تنعش النفس، إلى جانب النظافة في كل مكان وحب الجمال والتفنن في إبراز جمال الحجارة الصلدة حتى من حيث الرسومات والمجسمات والتحف المتنوعة فالذوق الجمالي الذي ربما افتقدته في بلدك تشعر به لدى الماليزيين وتعاملهم في كل شيء ومع كل شيء بالجمال والذوق الرفيع، فالحدائق ذات تنسيق رائع لم أشهد له مثيلا في الدول التي سبق أن زرتها، فالجمال والذوق عندهم أصبح ثقافة، ولم تكن لوحدها الفنادق والمشاهد الطبيعية هي التي استقطبت الزوار والسياح بل إن المحلات والأسواق التجارية العديدة والكبيرة كميجا مول Mega Mall الذي يعد أكبر سوق تجاري في قارة آسيا وسوق تيماس سقور بقلب العاصمة كوالالمبور المكون من 12 طابقا وبه أكبر سينما وأكبر شاشة عرض في جنوب آسيا ككل وسنترال ماركيت، كل هذه وفرت للقادمين ما يشتهون من أغراض وحاجيات وبعضهم يأتي للفرجة، فالعين بصيرة واليد قصيرة كما يقولون، وتتفاوت الأسعار من مكان لآخر وأسواقهم تبدأ من الطابقين ومعظمها من 12-8 طابقا إلى جانب الأسواق التي نطلق عليها عندنا الشعبية، وعلى الرغم من ازدحام المتسوقين والمتفرجين فإن الهدوء سمة هذه الأماكن مع أنها أسواق.

سوق في شارع العرب وإلى يسار الصورة تظهر امرأة عربية جالسة وأمامها رجل عربي وزوجته يتسوقان
سوق في شارع العرب وإلى يسار الصورة تظهر امرأة عربية جالسة وأمامها رجل عربي وزوجته يتسوقان
نقترب مساء آخر يوم لنا في ماليزيا من أسواق بوركيت تينانج، الذي يعرف بشارع العرب، فوجدته كذلك.. عرب من مختلف الأقطار من المحيط إلى الخليج يجلسون على الكراسي، وتختلط أصواتهم العالية مع ما ينبعث من أدخنة الشيش مضافا إليها قرقرة المياه، هكذا تشعر وكأنك في أحد الأحياء الشعبية في دولة عربية، والمكان قريب جدا من أرقى الضواحي في العاصمة، وقريب من برجي التوأم، وبالطبع تسمية شارع العرب ليست رسمية ولكنها اتخذت لكثرة المترددين على هذا المكان، الذي تحول جزء منه إلى مقاه يقضي فيها السياح والمقيمون العرب أمسياتهم، ويمكنك أن تسأل سائق تاكسي أن يقلك إلى شارع العرب فتعلم أنه شارع أضحى مشهورا لدى سكان العاصمة! ومن هذا الشارع تستطيع شراء بعض الهدايا التذكارية التي تندرج ضمن الصناعات السياحية الخفيفة الحرفية، فأبرز المعالم تباع كميداليات ومجسمات وكذلك القصمان، وإذا رغبت في في ان تحصل على مجسم لمعلم بعينه في الحال فعلى الأرصفة تعمل النساء بحرفية مدهشة لإنتاج أشكال مختلفة من التذكارات من المعدن. جلنا كثيرا مساء تلك الليلة مع الوالد سالم مسونق والمهندس جمال بامخرمة ولم نكن سياحا بل قدمنا لنفرح في ماليزيا بتكريم مدينتنا شبام من قبل الآغاخان، وللحقيقة فإنه لم تكن في هذا الشارع أي ملامح عربية سوى الوجوه المتكئة على أرائك خشبية أو القاعدين على كراسي وكأنهم يناجون ما أمامهم من مداعات وشيش، ولا يعني ذلك مؤشرا على ارتباط العرب بهذه البلاد أو أنها حالة جديدة فالارتباط العربي والإسلامي تأثرت به ماليزيا منذ أكثر من أربعة قرون عندما قدم العرب الحضارمة إلى هذه الأرض فتأثرت بهم وأسلمت على أياديهم وهو ما يؤكده الملاويون أو ما يسمونهم أبناء الأرض الماليزية، وليس العرب في ماليزيا مجرد عابر طريق أو سياح تجمعوا في شارع أو تناثروا زوارا بين الجزر أو طلبة علم في الجامعات، فالارتباط العربي كما تقدم جاء بقدوم الحضارمة الذين تزاوجوا وتصاهروا منذ قرون بالماليزيين، ويأتي الكثير من العرب اليوم ليسوا سياحا فحسب بل مستثمرين، وسيلحظ المتابع أن مستوى التأثر والتأثير قوي وهو المتمثل في المواقف الرسمية السياسية لحكومة ماليزيا ومناصرتها للقضايا العربية وتقوية علاقاتها التجارية والاقتصادية بالدول العربية.

الزميل بن سميط والمعلم سونق وبامخرمة عند القصر الملكي
الزميل بن سميط والمعلم سونق وبامخرمة عند القصر الملكي
يبقى أن نعرف أن ماليزيا خططت هذا العام لأن يصل السياح العرب تحديدا من دول الخليج لأكثر من (300) ألف سائح وأطلقت جهات الاختصاص في القطاع السياحي إلى العالم حملة اسمتها (زوروا ماليزيا 2007) .. وحدثني أحد الإخوة العرب أنه في العام الماضي فقط زار ماليزيا من الكويت 13 ألف سائح كويتي وهو منهم قائلا: «إننا نشعر وكأننا في بلدنا، وجدانيا نرتبط بهذه البلاد». وأتفق شخصيا معه وأشاطره هذا الرأي، إنها ماليزيا التي يطلقون عليها آسيا الحقيقية وأقول إن آسيا هي ماليزيا أثنياً وديانات. كيف يفكرون في بناء ماليزيا الجديدة؟ في عدد قادم نقترب من ذلك لنعرف كيف فكروا وماذا هم فاعلون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى