قصة قصيرة .. لهذا ضحكت

> «الأيام» كمال حسين:

> من يعم إلى روح الشاعر والصحفي محمد البرحي ..انتشلاه من على الأرض إثر جرعة أسخن من جرع اليلتين السالفتين. هذه الليلة الأمر الموجه للمحققين صارم بغية انتزاع اعترافات مقنعة عن أسباب استقالته والجهة التي تقف خلف ذلك. تلك الورقة التي حولته من مسؤول قسم التحقيق إلى متهم ..!!

كل الوسائل أعيتهم في الكشف عن أسباب استقالته. فلم يجد الترغيب معه نفعاً ولا العنف أيضاً ..منذ البداية يأس هو في إقناعهم بأنه صادق معهم منذ أول مهمة أوكلت إليه وحتى اليوم .. لقد كان حذراً استطاع العيش صارماً، حريصاً، صائماً عن البوح بأي كلمة أو إشارة تتعلق بأسرار مهنته (حدث نفسه) والآن .. من سيسلم بصدقك عندما كتبت في طلب الاستقالة (إن طلب الاستقالة هذا، قرار شخصي جداً ولا يعرفه جنس مخلوق) هكذا كتب عن مسببات استقالته موضحا أن لا أحد يقف خلفها سوى أنه مَلّ وشبع ضجراً من هذا العمل .

بذل المحققون جهداً، فتفننوا معه بألوان شتى من الأسئلة المربكة، وكانوا أنفسهم يعرفون أن مهمتم صعبة مع خبر التحقيق وأحرز نجاحات اشتهر بها .. أما هو فيعرف أنهم لن يصدقوه فبذل أقصى جهده كي يُصْدقهم وأقسم الأيمان المغلظة مراراً وبكى بكاء مراً طمعاً في إقناعهم .. في لحظة من لحظات الصمت نظر في وجوههم واحداً واحداً وحدث نفسه :(أنت تعرف أنك عاجز عن إقناعهم بإفاداتك مثل ما كنت لا تصدق كل من تستجوبه إلا متى أردت).

بعد صمت، واصل حديثه لنفسه وهو يهز رأسه مفتخرا :- (ولكم تلذذت بانتزاع ما تريد لا كما تريد ضحيتك).

...

مشدوداً من إبطيه إلى أعلى كالخلق المعلّق بحبل الغسيل.. تلاشت قدراته وخارت قواه العضلية فصار لا يقوى على الوقوف، العرق يتصبب من كل مسامات جسمه، قطرات قانية تنز من أنفه وتنسرب على شفتيه، في هذا الوضع كان المحقق الرئيس أمامه تماما يتفرس فيه بنظرات حائرة تترجم ما استنفد منه ورفاقه من حيل التحقيق الممكنة، وعلى وجهه يرتسم سؤال عما تبقى، عَلّ ذاكرته تعينه بما يفيدهم، وفجأة وبأسنان مكشرة انطلقت منه صرخه (أتعبتنا ياكلب) وانفلتت إحدى ركبتيه بقوة إلى الأمام وبزاوية حادة.. فكانت ركلة قاسية على خصيتيه .. اهتزت مؤخرته إلى الخلف بقوة.. تقلصت عضلات جسمه .. انكمش وجهه بخطوط متعارضة وبأطوال مختلفة مصحوبة بصرير أسنانه.. ترنّح ثلاثتهم فيما ألام تسبر غور وسطه لكنه تماسك في زمن قصير وانفجر فجأة بقهقهات عالية ..

...

رشف رشفة وسحب نفساً من السيجارة وواصل حديثه كمن يشرح أحداث فلم سينمائي مثير باستمتاع واضح شمل الجميع قائلاً : -(في صباح اليوم التالي مَثِلْتُ أمام القائد الذي انتهى للتو من قراءة التقرير الخاص بالتحقيق .. عرفت ذلك من حديثه الهادئ معي حينها، ومن المصادفات العجيبة أن لحظة مثولي أمام القائد ترافقت مع وصول الأمر المركزي القاضي بإطلاق سراحي فوراً وإلغاء أي تدابير طارئة بشأن استقالتي ...

عندما نهض القائد لتوديعي استدرك فجأة وطلب مني الجلوس - ثانية - وبابتسامة غير متكلفة فاجأني بما أتوقعه (أصدقني القول يا محمود .. لماذا ضحكت أثناء التحقيق؟!!) أجبته بعد تردد من جانبي وإلحاح من قبله وأن السؤال شخصي ليس إلاّ ..!

(تعرف يارفيق .. أني كنت أعشق عملي، وقد حصلت على ترقيات لإخلاصي المشهود له .. وتعرف أيضاً إن أحد المحققين الأربعة المكلفين باستجوابي قد سبق له أن كان في مطرحي الذي كنته منذ سويعات.. باختصار ضحكي .. نعم ضحكي كان لسبب بسيط هو أنني في خدمتي الطويلة لا أدري لماذا كنت أتجنب رفس الخصيتين، ولم أتخيل يوماً أني سأنال ما كنت أتجنبه .. لهذا ضحكت..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى