قصة 36 ساعة فقدت فيها 6 صواريخ نووية تعادل 60 قنبلة هيروشيما .. سلسلة من الأخطاء قادت إلى أكبر اختراق لنظام الأمان النووي الأميركي

> واشنطن «الأيام» جوبي واريك والتر بنكوس :

>
صورة من الارشيف لقاذفة B-52
صورة من الارشيف لقاذفة B-52
بعد الساعة التاسعة صباحا من يوم التاسع والعشرين من أغسطس دخل مجموعة من افراد سلاح الجو الأميركي الى ملجأ مغطى بالعشب في قاعدة مينوت الجوية في نورث داكوتا ولديهم أوامر بجمع طائفة من صواريخ كروز غير المزودة برؤوس نووية في طريقها الى مقبرة أسلحة.

وسرعان ما سحبوا 12 اسطوانة بدا أنها جميعا متماثلة للوهلة الأولى ونقلوها الى طائرة قاذفة من طراز بي 52 كانت في الانتظار.

ووضع افراد سلاح الجو الصواريخ الرمادية اللون عند جناحي الطائرة، ستة في كل جانب. وبعد فحص الصواريخ في الجانب الأيمن وقع ضابط الطيران على بيان يضم قائمة بـ 12 صاروخا من طراز أي جي أم 129 غير مزودة برؤوس نووية. ولم يلاحظ الضابط ان الصواريخ الستة الموجودة في جهة اليسار كانت تحتوي على رؤوس نووية، وكل واحد منها بقوة تدميرية تصل الى عشرة امثال القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.

وقد كان ذلك التفصيل بعيدا عن الملاحظة لفترة 36 ساعة، نقلت خلالها الصواريخ عبر الولايات المتحدة الى قاعدة لويزيانا الجوية التي لم تكن لديها فكرة عن قدوم رؤوس نووية. وهي أول رحلة جوية معروفة من قبل قاذفة مزودة بأسلحة نووية في الفضاء الأميركي بدون تفويض خاص رفيع المستوى خلال ما يقرب من 40 سنة.

وأثارت الحادثة النووية النادرة أسئلة جديدة داخل وخارج وزارة الدفاع حول كفاءة حراس الأسلحة النووية الأميركية بينما تكرس الاهتمامات والموارد الى الحربين في العراق وأفغانستان.

وبعد ثلاثة اسابيع من تسرب خبر الحادث الى الجمهور، حصلت «واشنطن بوست» على تفاصيل جديدة تشير الى اخفاقات أمنية في مستويات متعددة في قاعدتي نورث داكوتا ولويزيانا وفقا لمقابلات أجريت مع مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين اطلعوا على النتائج الأولية للتحقيق الذي اجراه سلاح الجو بشأن الحادث.

فقد ربطت الرؤوس الحربية النووية بالطائرة في كينوت من دون حراسة خاصة لما يزيد على 15 ساعة، وبقيت على الطائرة في لويزيانا لفترة تقرب من تسع ساعات أخرى قبل أن يكتشف الأمر. وعلى العموم فان الرؤوس النووية خرجت عن شبكة الامان النووي التابعة لسلاح الجو لفترة زادت على اليوم بدون اية معرفة.

وقال جنرال سلاح الجو المتقاعد يوجين هابغير، الذي عمل كرئيس للقيادة الاستراتيجية الأميركية من عام 1996 حتى عام 1998، في مقابلة أجريت معه «كنت في المجال النووي منذ عام 1966 ولا أعرف أي حادث اكثر اثارة للقلق».

وأدى خطأ بسيط في قاعة خزن الصواريخ الى اتخاذ خطوات خاطئة في كل مجال، حيث أخفق الطاقم الأرضي في ملاحظة الرؤوس النووية كما أخفقت فرق الامن وطاقم الطيران في الاشراف الكافي وتدقيق الحمولة على نحو دقيق. وكان نظام الحراسة النووية، الذي أنشئ خلال فترة الحرب الباردة وتميز بإجراءات فعالة في جانب القيادة والمسؤولية، غير سليم تماما وفقا لما تظهره النتائج الأولية للتحقيق.

وجاء الحادث في أعقاب تحذيرات متعددة، بعضها وجه الى اعلى المستويات في ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش، بمن في ذلك مستشار الأمن القومي، بشأن المشكلات الأمنية في المنشآت في سلاح الجو حيث يجري حفظ الأسلحة النووية. والمخاطر لا تتمثل في ان الرؤوس الحربية ربما تطلق دون قصد وانما في أن الاجراءات يمكن ان تترك مجالا لسرقة أو تدمير رأس نووي، ونشر مواده النووية السامة.

ووصف موظف سابق في مجلس الأمن القومي على معرفة تفصيلية بالموضوع الحادث باعتباره شيئا «جرى طمأنة المسؤولين في البيت البيض بأنه لا يمكن أن يحدث على الاطلاق». وما ظهر يوم التاسع والعشرين من أغسطس كان، وفقا للمسؤول السابق «انهيارا في عدد من المستويات يخص طاقم الطيران وإجراءات الامداد والخزن والمتابعة، وهي اخطاء لم يكن ممكنا أن تحدث في يوم واحد».

خطوات خاطئة في الملجأ وتعتبر القاعدة الجوية التي جرى فيها الحادث واحدا من المواقع العسكرية النائية وذات الجو البارد طيلة معظم ايام السنة في الولايات المتحدة. وعادة ما يصف العاملون المتمرسون في مينوت الوضع عبر حساب فصول الشتاء التي يقضونها في تلك المنطقة المنبسطة الخالية من الأشجار حيث تصل درجات الحرارة في يناير بعض الاحيان الى 30 درجة تحت الصفر. وحسب حديث أفراد سلاح الجو فان التعيين لمدة ثلاث سنوات يصبح «ثلاثة شتاءات» في مينوت.

والروتين اليومي للكثير من طواقم مينوت هو دورة من أعمال الصيانة المحددة المواعيد للطائرات القاذفة من طراز بي 52 أتش التي يبلغ عمرها 35 عاما، وهي طائرات ضخمة ذات ثمانية محركات التي صنع احدثها قبل ما يزيد على 45 عاما. كما أن العاملين يميلون الى حفظ الـ150 صاروخا بالستيا عابرا للقارات وجمعها على أهبة الاستعداد في مخابئ منتشرة عبر حقول الذرة المجاورة، فضلا عن مئات من القنابل النووية والرؤوس الأصغر والعربات المخزونة في ملاجئ مغطاة بالعشب.

وبمجرد اكتشاف الرؤوس الحربية كان ضباط سلاح الجو في لويزيانا على علم بضرورة ابلاغ مركز القيادة العسكرية الوطني، وهي جهة بالبنتاغون تعمل مركز لتخطيط الحرب النووية الاميركية. مثل هذه الأحداث تأتي في مرتبة ثانية مقارنة بأحداث مثل فقدان او دمار او التفجير بغير قصد لسلاح النووي.

وحاول البنتاغون في بداية الأمر الإبقاء على الامر طي الكتمان بسبب السياسات التي تمنع تأكيد أي معلومات حول تخزين او نقل الاسلحة النووية. ولم يكن هناك اعتراف علني الى ان سرب بعض الأعضاء القصة الى «ميليتاري تايمز»، التي نشرت خبرا مقتضبا في 5 سبتمبر. والمسؤولون المطلعون على تقرير الحادثة قالوا ان مسؤولي سلاح الجو لم يتوقعوا ان تتسبب الحادثة في قلق عام. وأشارت فقرة في التقرير الى انه لا يتوقع اهتمام من جانب الصحافة. وأدت الأخبار عقب تسربها الى ردود فعل اقرب الى عدم التصديق داخل دوائر الأمن القومي، وبرز سؤال محدد: «كيف تنهار في وقت واحد الكثير من التحوطات التي توارثتها أجيال من الضباط وأفراد الأطقم العاملين في المجال النووي؟».

وأعرب ضباط عسكريون ومحللون في مجال السلاح النووي ونواب عن قلقهم إزاء احتمال ان يكون ما حدث مؤشرا لمشاكل أكثر عمقا في التعامل مع الاسلحة النووية عقب تلاشي قلق وأخطار الحرب الباردة. يقول جوزيف سيرينسيون، مدير قسم السياسات النووية بمركز التقدم الاميركي للأبحاث، ان ما حدث اكبر حجما مما تصور الناس في بداية الأمر، وأضاف قائلا ان الشخص كلما أمعن النظر يجد ان الأمر اكثر غرابة. وأضاف قائلا ان هذه الاسلحة، التي تعادل 60 ضعفا القنبلة التي استخدمت في تدمير هيروشيما، كانت خارج نطاق السيطرة والقيادة لمدة تزيد على يوم كامل. سلاح الجو سعى من جانبه الى الطمأنة على فعالية نظامه الأمني. وخلال فترة أيام فقط اعفي ضابط من مهامه القيادية وخضع عدد من رجال سلاح الجو الى اجراءات تأديبية وأوكلت عملية التحقيق لضباط برتبة لواء. وتقرر تمديد فترة التحقيق لأسابيع. وفي نفس الوقت اعلن مسؤولو البنتاغون ان اللجنة العلمية الاستشارية التي عيّنتها وزارة الدفاع ستنظر في الحادث المؤسف كجزء من إجراءات إعادة نظر شاملة في التعامل مع الاسلحة النووية. وقال متحدث باسم سلاح الجو الاميركي ان الحادثة غير مقبولة على مختلف المستويات مؤكدا ان ردهم كان سريعا ومركزا وانه بدأ لتوه. وأضاف المتحدث انهم سيقضون شهورا في القيادات والقواعد للتأكد من معالجة جذور المشاكل. يرى مسؤولون في سلاح الجو ان ما حدث في ماينوت امر خطير، كما اشاروا في نفس الوقت الى ان الحادثة لم تسبب اذى، خصوصا أن الرؤوس الحربية الست لم تخرج عن نطاق السيطرة العسكرية. وحتى اذا تحطمت الطائرة، او اذا سرقت الرؤوس الحربية، فإن اجهزة السلامة كانت قادرة على منع أي تفجير نووي. ويحذر خبراء من ان عدم العناية بصون الاسلحة النووية يعرض موادها الانشطارية للسرقة، فضلا عن ان الطائرة اذا تحطمت وتشققت أغلفة الرؤوس الحربية فإن المواد السامة للغاية كان من المحتمل ان تنتشر في مساحة واسعة. ويقول ضباط سابقون في سلاح الجو ان الضباط العاملين في القاعدة ارتكبوا خطأ فادحا بالسماح بتخزين صواريخ مزودة برؤوس نووية وصورايخ لا تحمل رؤوسا نووية في مخبأ واحد، وهو أمر وصفه متحدث الاسبوع الماضي بأنه روتيني. وقال تشارلس كيرتس، النائب السابق لوزير الطاقة الاميركي خلال فترة رئاسة بيل كلينتون، انهم دائما يعتمدون على الفصل بين الأسلحة النووية والأسلحة العادية. وأشار مسؤولون سابقون في مجال السلاح النووي الى ان نقل الاسلحة في هذه الحادثة يتصادف مع خفض القوى النووية الذي سيؤدي بنهاية عام 2012 الى 1700 رأس نووي، وهو مستوى منخفض يزيد على 50 بالمائة مقارنة بمستويات عام 2001. إلا ان خفض حجم القوى النووية ادى الى ظهور تحديات لوجستية جديدة، خصوصا وان سياسة الولايات المتحدة تتركز حول الإبقاء على آلاف الرؤوس النووية الاضافية في المستودعات بعضها كاحتياطي استراتيجي والأخرى بانتظار التفكيك.

عن الـ«واشنطن بوست»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى