اليوم الأغر(قيلت في عيد ثورة سبتمبر) للشاعر محمد سعيد جرادة

> «الأيام» صالح عقيل بن سالم:

> نعيش في هذا الشهر (سبتمبر) أعياداً عظيمة، منها رمضان، ومنها ذكرى ثورة سبتمبر، وبذلك تطهر النفوس من الأحقاد والتنازع، وتخلص العبادة لله جل شأنه، وتذود عن الثورة والوطن، فشعر رمضان شهر القرآن والجهاد والتضحية، وشهر سبتمبر شهر تفجرت فيه الثورة اليمنية، إذ قدمت فيه من الضحايا والشهداء في سبيل حرية اليمن واستقلاله.. لذلك علينا أن ننسى في هذا الشهر ما أحاطنا من أحزان وآلام وجراح، فالمرحلة التي فرشت لنا هذه الأرضية ليست بسهلة، يقدرها العقلاء ويجهلها الجهلاء ويتغنى بها الأدباء الذين رُسم على جباههم حب الأوطان والشعوب، ومن هذا الحب ذلك ما وجدناه عند الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة، حين تفاعلت روحه الوطنية، وهي ترى النور ينبثق من أعياد الثورة السبتمبرية، مهالة بقصيدة عظيمة سماها (اليوم الأغر).وأول ما نلمح في هذه القصيدة لوحة العزة للأمة اليمنية فالنصر حليفها منذ زمن قديم:

بالأمس جاءت وفود العرب حاملة

لك الثناء الذي يرضيك والقربا

أضاء فيه على فرق ابن ذي يزن

تاج يغير نجوم الأفق والشهبا

وصاغ جد رسول الله خطبته

وكل نبل إلى أعراقه نسبا

وأنشد السامر ابن الصلت رائعة

عرائس الفن ماست عندها طربا

لا يحتفل في بلاد الخالدين هنا

من لم يرق ذائداً عنها الدم السربا

ولا يردد هتاف النصر مفتخراً

إلا امرؤ سلّ سمر الهند والقضبا

فهذه الأمة لا تعرف الهزيمة فتاريخها مشهور، وأحفادها ممن صنعوا المعجزات على مر العصور، ويكفيها عزة وشرفاً شهادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لها بالإيمان والحكمة والرقة واللين. لقد حاول الشاعر أن يوظف الشخصيات التاريخية والإسلامية في هذه القصيدة ليؤكد عظم هذه الأمة ومآثرها الخالدة، فشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم رمز لصلاح هذه الأمة ونفعها، وشخصية ذي يزن رمز للتحرر والنصر، وشخصية ابن الصلت رمز للتغني والأفراح. وهو بذلك كله يصل إلى اكتمال لوحة هذه الأمة من العزة والنصر والتمكين. كما تلتقى دلالات الألفاظ والمعاني عند مشهد آخر من مشاهد القصيدة:

وسل حروب الصليبيين أن لها

في مهجة الشرق جرحاً بعدما ارتأبا

هم هاجموا معقل الإسلام واحتشدوا

في البـر والبـحر لـيلاً غام أو سـحبا

لكنهم صدموا بالشرق عاصفة

تـهـزهـم وســعيراً يقـذف الـلـهبـا

«حطين» صبت عليهم من جهنمها

نـاراً جـحافـلهم أمـست لها حطبا

كما ساق منهم «صلاح الدين» من ملك

وكم سقى الموت عاجاً جاوز الأدبا

يرى الشاعر في هذا المشهد أن الأمة اليمنية ماهي إلا جزء من الأمة العربية والإسلامية المنتصرة على أعدائها، فشخصية (صلاح الدين) رمز - كذلك- للثورات والتحرر والانتصار وهي تتلاقى مع شخصية ذي يزن. كما نلمح في القصيدة كثيراً من المعاني القرآنية، وظفها الشاعر لتفي بأغراض مهمة وحاجات ضرورية:

مضى الألى حسبوا الدنيا لهم خلقت

وأصبحوا عظة الآتي بمن ذهبا

النفي والموت قتلا بعض ما كسبوا

وإنما يجتني الإنسان ما كسبا

تشير هذه المعاني إلى ارتواء الشاعر من معين القرآن الكريم، ذلك ما نلمحه في قوله تعالى:?{?كل امرئ بما كسب رهين?}? الطور(21). وقوله:

الغرب مازال خصم الشرق يسعده

أن لا يثور وأن يبقى له ذنبا

وهذا مـأخود من قوله تعالى:?{?ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم?}? البقرة (120). فنلحظ الحكمة في هذه الأبيات، فالإنسان مرهون بعمله كما لا يستطيع أحد أن ينكر عداوة الغرب منذ بزوغ فجر الدعوة المحمدية. وآخر ما نحط عليه من أبيات القصيدة ماكان خاتمة لها:

يا شعب نصرك قد جلت مكاسبه

فلا تـضع في مـهب العاصفات هبا

دع الخمول فما غير الخمول يد

تمحو الحضارات مهما صدرها رحبا

ولا تصغ لدعاة التفرقات فمن

أفنى المكارم أحيا العرق والنسبا

واخرص على عامل الوقت الثمين فإن

أملـت ميـزانه في كـفك اضـطربا

ما كان للروس تاريخ قبيل مدى

خـمـسين عـامـاً فلـما ثقفوا كتبا

ولم تك «الصين» شيئاً قبل ثورتها

وبالصناعة والعلم ارتـقت سببا

ويصل الشاعر بهذه الخاتمة إلى اكتمال لوحة الأمة اليمنية وهي جزء من الأمة العربية الإسلامية، فهي أمة اتسمت بالشموخ، لا ترضى الذل والاحتلال حليفها النصر، ولا تعرف اليأس والخمول، تقدر وقتها وتحرص على تحقيق المكاسب الثمينة والغالية. كما كان للموسيقى دلالة على النهضة والاستقلال والتحرر فالقافية، ولا سيما الروي (الباء الموصولة بالألف) يدل على الوثبة والانطلاق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى