نعم .. إنها إرادة حية لجماهير حية..من أجل قضية حية

> أحمد عمر بن فريد:

> الإهداء .. إلى روح شهداء ردفان الأربعة ردفان، يا جبل المعنى، وصورته ويا مرابع خارت - دونــها - دول هــاك الجنوب هنا قد ناء من تعب ومضّه اليأس، والإفســـاد، والعلل بالأمس، من ها هنا اهتزت أباطرة واليوم، من هاهنــا يهتز من جهلوا

الشاعر / كريم الحنكي

من أي مدخل تختاره للحديث عن يومي 13 و 14 اكتوبر 2007م، ستجد المجد ينتظرك بكل عنفوان وكبرياء، وستجد المعاني والقيم والدلالات السياسية والإنسانية، غزيرة وعميقة ومثيرة للاهتمام وجديرة بالاحترام .. وستجد إن الحيرة في اختيار البداية والنهاية، هي سيدة الموقف .. فهنا مجد .. وهناك مجد، وهنا ملحمة وبطولة .. وهناك إرادة فولاذية وبسالة.. لكن الشيء الأكيد إن البدء بالحديث عن المجد الذي صنعته الجماهير الغفيرة صبيحة يوم 14 أكتوبر، يبدو مجحفا، بالنسبة لمجد آخر حدث ظهيرة يوم 13 أكتوبر، ذلك المجد الذي سقط فيه شهداء ردفان الأربعة.. كما انه يبدو بمثابة الدخول للبيت (الردفاني) من البوابة الخلفية ... ومن هنا تأتي أهمية وأحقية طرق البيوت من أبوبها الرئيسية .. أبوابها الشرعية التي فتحها بكرم بالغ شهداء يوم 13 أكتوبر وزملاؤهم الجرحى.

ففي مشهد إنساني مهيب، وغير مألوف.. وفي مساء ليلة 14 أكتوبر، تقدم إلينا في منصة الاحتفال رجل في منتصف العمر، أحاطه الحاضرون باهتمام ورعاية، وساروا به إلى مكان تواجدنا، حيث حيانا الرجل بكرم وشهامة أهل ردفان حينما يرحبون بضيوفهم.. ظننت للوهلة الأولى، انه احد أعيان المنطقة او مشايخها، ولكن أحدهم اخبرنا انه والد الشهيد البطل شفيق هيثم حسن!! قال العم هيثم .. ان روح ابنه ورفاقه فداء ليوم الثورة .. يوم 14 أكتوبر، وفداء لقداسة هذا المكان الذي تجلسون فيه .. وفداء لتلك الساحة التي سيقام عليها الاحتفال .. وأردف قائلا: كيف تريدون أبناء ردفان أن يستقبلوا ضيوفهم إلا بما يليق بهم وبهذه المناسبة التاريخية، حتى ولو تطلب الأمر تقديم أرواح أبنائنا فداء لكل ذلك .. وهو ما حدث فعلا مع الأسف الشديد.

أوجعني في الصميم حديث العم هيثم، وأدهشني تماسكه وصبره وجلده، وروحه النضالية، وأخجلني كرمه وشهامته وأسلوبه في الترحيب بضيوفه، خاصة وأن دم فلذة كبده وزملائه، لم يزل يملأ الساحة الممتدة أمامنا.. ولم تزل السيارات التي أُطلقت النيران على ركابها، جاثمة بكبرياء أمام المنصة .. أوجعني بشدة وآلمني كثيرا، حديث الرجل عن ابنه (شفيق) الذي عاد لتوه من رحلة اغتراب فاشلة، حينما تسرب الشاب إلى دولة مجاورة بحثا عن لقمة عيش شريفة عزت عليه في وطنه، وهناك.. وفي الطريق وقع صديقه في منحدر جبلي سحيق، لم يستطع شفيق أن يخرجه منه، فاستغاث بالسلطات التي أخرجت صاحبه من حيث سقط بطائرة مروحية .. قبل أن تقذف بهم إلى سجون الترحيل وتعيدهم مرة أخرى إلى الوطن.

كان هذا المشهد جزءا من المأساة التي حدثت ظهيرة يوم 13 أكتوبر .. ولا شك ان الحديث عن المشهد (ككل) سيبدو أسطوريا من حيث البسالة والشجاعة والإقدام، وروح التضحية والفداء التي جعلت هؤلاء الشباب يعرضون أنفسهم للقتل بصدور عارية وهم عزل من السلاح.. وهو مشهد بشع من جانب أولئك الذين انتزعت الرحمة من قلوبهم، وطاوعتهم أنفسهم فتح نيران الموت على أولئك الشباب بلا سبب أو مبرر في ثاني أيام عيد الفطر المبارك .. ترى لماذا تهون أنفس البشر إلى هذا الحد في بلادنا؟ .. وكيف يمكن إن يجد المرجفون في قواميسهم ما يمكن أن يقولوه (تبريرا) في بياناتهم الرسمية، لكل تلك العربدة بأرواح البشر .. حقا إذا لم تستح فافعل .. أو قل ما شئت.

أما يوم الاحتفال الجماهيري الحاشد.. صبيحة يوم 14 اكتوبر، فقد مثل ملحمة وطنية نادرة في زمن الخور الجماهيري العربي العام، ومثل إرادة حرة لجماهير عريضة تمردت على ضعف الأحزاب، وفشلها في تمثيل الإرادة الجماهيرية الجامحة، فكان أن تجاوزت تلك الحشود رتابة الأحزاب وحساباتها السياسية المعقدة التي جعلتها تتخلف عن ركبها ومطالبها المتقدمة .. فسبقتها وتقدمت عليها حتى في ممارسة العمل السياسي.

لقد جسد الحشد الجماهيري الغفير لأبناء الجنوب في هذا اليوم المجيد (قيمة سياسية) أكيدة .. ولا نعلم بأي حسابات وطنية يمكن تجاهل هذه القيمة والقفز عليها، ومن أي منطلق (نفعي) يجري الحديث والتوصيف لهذا الحدث، وكأنما هو فعل غير شرعي أو نوع من أنواع التمرد!! إن التمرد في المفهوم الوطني هو الخروج المسلح عن المجموع الوطني ككل، وأبناء الجنوب توافدوا بأعدادهم الغفيرة للتعبير السلمي عن حالة تململ من الوضع الذي آلت اليه أمورهم العامة .. وكان تواجدهم الكبير يوم الاثنين الماضي، حاملا للملف السياسي الذي يؤمنون به جميعا والذي يختص بقضيتهم الرئيسية (قضية الجنوب).. فما هو العيب الوطني في حال الاعتراف بهذه القضية؟.

لقد قلنا إن ساعة الحقيقة قد حانت للتعامل مع (قضية الجنوب) والاعتراف بها، وساعة الحقيقة قد أزفت للقول إن هذا الحراك السياسي في محافظات الجنوب ككل، إنما يحمل في ظاهره وباطنه (قيمة سياسية شرعية) ينبغي التوقف أمامها والتمعن في مضامينها .. لأنها ليست نوعا من أنواع الترف السياسي أو الفلسفة أو التمرد .. وإنما هي حقيقة جسد مضمونها، وعبر عنها مئات آلاف من البشر الذين توافدوا بكل حماسة وروح نضالية إلى ردفان .. فلماذا ننكر الحقيقة؟ ولمصلحة من؟ وما هو الثمن المطلوب دفعه من قبلنا حتى يتم الاعتراف بقضيتنا الأم.. (قضية الجنوب)؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى