قصة بعنوان (خنق صرخة)

> «الأيام» علي الجبولي:

> ضاق الحال ضاق.... هذا الغلاء لا يطاق

يا له من صراخ رائع لم يسمع ياسر عبادي بمثلة قط. جمع من الناس يهتف ويقترب منه. في لحظة نشوة ألفى نفسه وسط الجمع يهتف مع الهاتفين بكل ما تبقى لديه من قوة:

لا للتجويع.... لا للترويع

نسي اليأس الجاثم على صدره من يوم تخرج في الجامعة. انطلقت روحه تحلق في سماء من الآمال لا تحدها آفاق، ولم يدر ما يخبئه القدر. رمى أدوات السباكة التي تعب من حملها بحثاً عمن يستأجره لإصلاح شبكة حمام أو ماسورة مطعم. هتافات تتعالى وزوامل تصدح بالغضب، كما تمنى أن لا تتوقف. زرافات أخر تنضم للجمع حتى صار حشداً هادراً يكبر كلما تقدمت خطاه نحو منصة تربع عليها شاب نحيل يجلجل بهتافات مدوية. شخصت عيناه نحو الشاب، تمنى لو أن له صوتاً كصوته. تناوب رجال ونساء بخطب أنصت لها بكل جوارحه، تمنى لو تواتيه الشجاعة فيصعد إلى المنصة ويفرغ ما يجيش به صدره من غبن سبع سنين مذ قذفت به كلية الزراعة إلى الشارع بمؤهل بكالوريوس بطالة - كما يحلو له أن يتندر - لكنه اقتنع بالهتاف مع الهاتفين:

إلى متى يا عابثين

الخريجين عاطلين والوظائف للمقربين

باغت ذروة حماسه ذيول من الغبار أثارها رتل من (أطقم الدوشكا)، مشهد جديد لم يألفه، تلفت يمنة ويسرة كأنه يستطلع في الوجوه أثر الإغارة، رأى وجوهاً تفور بالحماس والغضب، وأخرى بالاستغراب والدهشة، ولم تستطع وجوه إخفاء ما اعتراها من ذعر. على حين بغتة أغارت الأطقم على الحشد،طغت لعلعة الرصاص على أصوات الخطباء، ارتفعت الهتافات بغضب أقوى:

يافاسدين حان الخلاص.. عزيمتنا أقوى من الرصاص

تلاحقت الطلقات، تساقط الضحايا، تحشرج الغضب في الحناجر، سرى اضطراب وتدافع بين الحشد، تداخل صراخ الغضب بالأنين ودوي الدوشكا. أوشك ثباته أن يخذله، فكر في الهروب، لكنه لمح مصاباً يصارع شهقته الأخيرة، وحالما انحنى يلقنه الشهادتين لخترق فمه شيء ما أحس به ينفذ من أعلى رقبته. أحس بألم فظيع لم يحس بمثله من قبل. حينما كانت الأطقم المغيرة تمرق أمامه مولية من الساحة، حاول أن يصرخ لكن والغة دم أخذت تقفز من فمه سبقته في خنق الصرخة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى