هموم تراثية ..الجماليات المشتركة بين لحج وصنعاء

> «الأيام» أحمد عبدالله الشهاري:

> لو تتبعنا التاريخ اليمني قديماً وبالذات بدايات نشوء الاغنية الصنعانية وارتباطها ببيئة صنعاء القديمة وحدائقها وبساتينها، سواء التي كانت موجودة داخل صنعاء القديمة كبير العزب أو خارجها مثل القرية (الوادي) أو مدينة روضة صنعاء التي يضرب بها المثل في الروعة والبهاء. هذه الأماكن كلها التي ذكرتها آنفاً كانت المتنفس والمتنزه ومكان المقيل والراحة لأبناء صنعاء وأيضاً كانت هذه البساتين تزرع الورد البلدي والتين الشوكي والتين الأحمر والرمان والسفرجل والليمون الحلو والحامض وغيرها من الجوز واللوز والتوت. أما بستان البليلي بروضة صنعاء فكما سمعنا من كبار السن الذين عرفوه سابقاً فكان يحتوي على مختلف اصناف الفواكه والخضار والاشجار والزهور والرياحين والاعناب بمختلف أنواعها والورد البلدي التي لا تزال بذرته موجودة حتى الآن. أما غرب صنعاء القديمة فكانت توجد منطقة ومتنزه جميل تسمى بير العزب التي قال فيها الشاعر:«وبغربي ازال روضة جوها يسترقص القلب طرب.. طلق الهم بها ساكنها فلهذا سميت بير العزب» وهذه المنطقة عبارة عن حارات تحتوي على بيوت مبنية من الحجر والآجر أدوارها السفلية مكونة من غرفة أو غرفتين تسمى (المفرج) وهذا المفرج تحيط به غرفة دائرية تحتوي على زهور وأعناب وفي وسطها بركة ماء صغيرة تسمي (الشذروان) ويتكون هذا الشذروان من بركة صغيرة بداخلها نافورة مياه تسمى بالشذروان وهي على الاسلوب البدائي المعتمد على ضغط المياه من أعلى إلى أسفل محدثا هذه النافورة المصنوعة من مادة الفخار.

هذا المفرج يستخدمه الناس في جلسات المقيل حينما يتناولون القات كمنظر جمالي على حسب رأي المخزنين يوحي بالطمأنينة والتأمل عبر عنه الشاعر بقوله: «ثلاثة يا صاح يذهبن الحزن.. الماء والخضرة والوجه الحسن» هذه الأشياء الثلاثاء لعبت دوراً بارزا في ادخال السرور والسعادة في نفوس الناس مما كان له الأثر الكبير والبارز في ظهور الأغنية التراثية الصنعانية الكوكبانية بشكل كبير، ومن ثم الانتقال بها إلى عدن ولحج هربا من التشدد الديني آنذاك في صنعاء، إذ كانت محظورة في ذلك العهد، وعندما كانت تغنى هناك باستمرار بل وكانت السائدة في المخادر والفنان في تلك المخادر إذا لم يستطع أن يغني الاغاني الصنعانية فلا يعده السامعون والمثقفون فنانا، ومن أوائل المتأثرين بالغناء الصنعاني في ذلك الوقت أقطاب الفن في لحج وعدن الذين اصبحوا بعد مجيء الاسطوانات الثقيلة من أكبر المجيدين للأغنية الصنعانية وبالذات الفنان الكبير فضل محمد اللحجي الذي - حسب رأيي- جمع في الاغنية الصنعانية بين الاسلوب الانشادي الصوفي التهامي والاسلوب الطربي اللحجي والروح الانشادية الكوكبانية، وهذه الصفة لا تتوفر عند فنان آخر، وأيضاً أحسن من أجاد هذه الأغنيات الشيخ علي ابوبكر باشراحيل وعوض عبدالله المسلّمي ومحمد علي الدباشي والشيخ محمد الماس وإبراهيم محمد الماس والشيخ عوض الجراش وعبدالقادر بامخرمة ومحمد باسويد ومحمد سالم بن شامخ وأحمد عبيد قعطبي وصالح عبدالله العنتري ويسلم حسن صالح وغيرهم من عباقرة الفن اليمني القديم.. وهكذا لو نظرنا إلى بيئة لحج ووادي الحسيني مصدر الإلهام، الذي يقول فيه الشاعر:

ياذي وصفت الحسيني.. وصفت وردة وفله

خليك قدام عيني.. أنت الحسيني بكله

فرحت لما لقيتك.. والخل يفرح بخله

وأنت الذي حب قلبي.. يا شمس قلبي وظله

هذا الوادي الذي هو مصدر إلهام الشعراء والفنانين ويمتاز بجمال طبيعته ومزروعاته النادرة، التي ليست موجودة في أي بستان آخر في اليمن في ذلك الزمان، ناهيك عن الفل والكاذي والمانجو والموز، فهناك تشابه ملحوظ بين لحج وصنعاء من حيث الجماليات والعادات والتقاليد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على نمط حياة مشترك بين هاتين المنطقتين (صنعاء ولحج) وكلاهما تكمل الأخرى، فحوطة لحج فيها عائلات أصولها من صنعاء مثل بيت الزيدي وبيت الصنعاني وغيرهما من الاسر وعندما تتجول في مدينة الحوطة التاريخية وتمعن النظر في أسواقها وقصورها العبدلية ومساجدها التاريخية ومأكولاتها وحلوياتها الشعبية اللذيذة تشعر أنك في صنعاء القديمة أو في زبيد، ومدينة الحوطة لا تزال تحتفظ بعاداتها الكلاسكية مثل مدينة صنعاء، وحبذا لو تقام بداخلها أسواق لبيع المنتجات الحرفية الخاصة بها أسوة باسواق صنعاء مثل(سوق المخلاص) بصنعاء القديمة و(سوق الشنيني) بتعز، وأيضاً لو ترمم قصورها ومساجدها خاصة المسجد التاريخي الذي يقع شرقها وكذا رصف شوارعها بالحجارة وإقامة استراحات ومتنزهات سياحية بداخلها وإنارتها بالكهرباء ومن ثم تفعيل دور الشرطة السياحية فيها لكي يروج لها سياحياً لتستقطب أفواجاً كثيرة من السياح بعد تجهيزها تجهيزاً كاملاً شاملاً، كونها مدينة عريقة حاضنة للجمال التاريخي والغنائي من مختلف انحاء اليمن، والاهتمام بمنزل الأمير أحمد بن فضل القمندان العبدلي، ونتمنى أن يكون من أولى اهتمامات الغيورين بهذه المدينة الساحرة.

أما بالنسبة لوادي الحسيني فإنه يشابه روضة صنعاء أو قرية القابل سابقاً في مزروعاته وأرضه وجمال طبيعته الخلابة، ولا ننسى أن بستان الحسيني وحوطة لحج كانا في يوم من الأيام ملتقى جميع الأطياف الفنية التراثية والشعراء والملحنين. فنتمنى أن يفعل دور هذا الوادي ثانية وهذه الحوطة المتميزة من خلال إقامة المهرجانات الفنية والسياحية، ودعم ما تبقى من الفنانين القدامى امثال حسن عطا وسعودي أحمد صالح وعلي سعيد العودي وغيرهم من عباقرة الفن اللحجي المتميز، وكذا القيام بدعم الجمعيات الحرفية وتشجيع المرأة اللحجية في مجال الحرف اليدوية والغناء، وتشجير مدينة الحوطة بالشكل اللائق بها لتلطيف الأجواء من الحرارة وجعل هذه المدينة تنال حظاً من الاهتمام السياحي الكافي مثل مدينة شبام بحضرموت وزبيد وصنعاء القديمة وغيرها من المدن التاريخية الأخرى، وليعذرني القارئ الكريم عن أي تطفل أو تقصير فالكمال لله وحده والمشجون لا يلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى