خطاب العقل

> د. عبدالباري دغيش:

> لا شك أن البلد تمر بأزمة خانقة حقيقية، وأن النيران تستعر تحت قدر الوطن، والأوضاع على وشك الغليان، لذلك وأداءً منا للأمانة وجدنا أنه لزام علينا مخاطبة كل الضمائر الحية والقلوب المحبة، أهل الحكمة والإيمان، في السلطة والمعارضة، وكذا قوى المجتمع المؤثرة والفاعلة على امتداد الوطن من أقصاه إلى أقصاه.. ندعو كل الفرقاء الشركاء الإخوة الأعداء دعوة صادقة من أجل تقنين وترشيد الخطاب السياسي والإعلامي وتحديد سقفه الجامع، ليعرف كل طرف منا ماذا يريد، وإلى أي وجهة يتجه: إلى بر الأمان أم إلى فوهة البركان، وما مدى انسجام التحركات والأطروحات والمواقف مع دعوات الحق، ومراعاتها للمصالح الجمعية الوطنية، الآنية منها والمستقبلية، فلا يجوز شحن الرأي العام بدعوات التصعيد الملغومة.. يجب علينا التفكير ملياً في أن دعوات كتلك لها مخاطر وعواقب تتهدد السلم الاجتماعي والأهلي على المدى القريب والبعيد، ومن الممكن أن يقود شحن كهذا ذات يوم إلى مآسٍ وأزمات أكثر تعقيداً مما نعيشه راهناً. إن دعوات كتلك تتعارض بل وتهدد التوجه والنهج الديمقراطي الذي ارتضيناه سبيلا، والذي إن أصّل له علماؤنا الأجلاء فسيجدون أنه يصب في مصادر ديننا الإسلامي الحنيف وتراثنا الحضاري العريق.

إننا نتوقع أن هناك مشاكل ستواجهنا كما واجهتنا في السابق وفي كل المراحل، ولم يخل ولن يخلو منها نظام ما بعينه على مر التاريخ والجغرافيا، وهذه ليست دعوة للصمت على الباطل، كما أنها ليست تبريراً للأخطاء والظلم والمظالم الواقعة، بل هي دعوة للتخلص من السلبيات والأخطاء بالأساليب السلمية، وذلك هو فحوى ومغزى الديمقراطية، علينا أن نؤمن أننا في عهد جديد هو عهد الديمقراطية، وهذا العهد جاءت به الوحدة في 22 مايو 1990م و«أن مشاكل الديمقراطية لايمكن أن تحل إلا بمزيد من الديمقراطية» والقبول الحقيقي بها وبالآخر وتمثُّلها في الحياة اليومية من قبل كل الأطراف.

إن المنطق الثأري (أنا ومن بعدي الطوفان) أمر فيه الهلكة والهلاك.. أيضاً نتساءل هل لدى كل من الأطراف أجندته الواضحة والمعلوم سقفها وحدودها سلفاً؟ وهل هناك حاجة للحوار الوطني بعيداً عن التشنجات لهندسة ذاك السقف وتلك الحدود، كي لا تنفرط المسبحة وتتبعثر حبات عقدها في كل الجهات ونمزق كل ممزق؟! يجب ألا تعمي بصائرنا التخندقات، كل وراء مواقفه وأطروحاته.

إني أرى الحاجة ماسة لحوار وطني للتصالح والتسامح ولبناء وتعزيز الثقة التي بهتت ألوانها.. كما يجب وفي كل الأحوال صيانة الدماء وإجلال الأنفس التي أجلها الخالق جل شأنه حين يقول في محكم كتابه: ?{?من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً?}? وكما علمنا رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) حين قال: «مازال المرء في فسحة من دينه إن لم يصب دماً حراماً».. إنها رسالة للتوفيق والتهدئة، رسالة الوسط، كلمة سواء نبتغي بها وجه الله الكريم، نقول إننا حتماً نحتاج إلى إعادة بناء الثقة، نحتاج إلى لقاءات للتصالح والتسامح وإغلاق ملفات الماضي المؤلمة القريبة والبعيدة عبر فتح صفحات جديدة صادقة للتصالح والتسامح وفي كل الجهات (جنوبي- جنوبي) و(شمالي- شمالي) و(شمالي- جنوبي) وبرعاية رسمية وحزبية وشعبية.

كما نرى أن مبادرة الرئيس يمكن لها أن تكون أساساً لحوار جاد ستغنيها وتثريها النقاشات والآراء المطروحة والإضافات الضرورية من قبل كل الفرقاء الشركاء من مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، ولنعلم أنه ليس هناك من أحد يمكن له أن ينجح بمفرده دون نجاح الآخر.

إننا جميعاً في قارب واحد ونرجو النجاة للجميع، ندعو للمحبة، للتسامح والتصالح، للتضامن والتكافل، وللنجاح المشترك.. يجب مراعاة مصالح الجميع، فلا ضرر ولا ضرار، فهل نستطيع تغليب خطاب العقل قبل فوات الأوان؟ إنها دعوة مفتوحة للجميع، فهل من مجيب؟!

*عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى