استقلال الجامعة

> أبوبكر السقاف:

> أحالت جامعة حلوان أوراق الباحث الشاب أحمد عرفة إلى المفتي، وهو مسجل في الجامعة لدرجة علمية، وتذكر الكتاب والصحافيين أن هذا ما كان بالإمكان أن يحدث لو أن المثقف في مصر يملك رأس ماله الثقافي الرمزي الذي سطت عليه قوى التكفير والظلام بعد تراجع دوره في دولة العسكر غير المدنية، التي تدور على مبدأ الطاعة وشرعية القوة. وفي ظل هذه الدولة وحدها يمكن تجريد الجامعة من سلطتها الفكرية وإلحاقها بهيئة خارجها تقوم بوظيفة محاكم التفتيش المشهورة في تاريخ الكنيسة.

هذه ثمرة مرة لتحطيم الدولة العسكرية استقلال الجامعة التي تزامنت مع مذبحتي القضاء في العام 1954م و1969م، فاختفت سلطة القضاء وسلطة العقل من المجال العام، فسادت البلادة ومعها الذل في أخطر مجالين في المجتمع.

يشكو الأخوة في مصر تردي الجامعة المخزي في (الأبحاث المسروقة والامتحانات المغشوشة والترقيات المشبوهة)، وليس مستغرباً بعد ذلك أن لا نجد جامعة عربية في قائمة الجامعات المائة للتقويم الدولي، فالتدهور ماثل في فروع المعرفة الثلاثة: العلوم البحتة والتجريبية والإنسانية والعلوم الاجتماعية، وليس مجدياً أن نتذكر أن جامعة القاهرة التي سيحتفل في نهاية هذا العام بالعيد المائة لتأسيسها غابت عن تلك القائمة بينما حضرت فيها جامعات من ماليزيا ذات الأغلبية المسلمة وسنغفورة والدولة الصهيونية التي تحتل فلسطين، وعمرها جميعاً يأتي دون المائة.

إن وجود ماليزيا في هذه القائمة يدل على أن الثقافة العربية أو العربية الإسلامية لا دخل لها في انحطاطنا حتى الحضيض، فكثيراً ما يكون جمود الدين شاهداً على جمود وتدهور المجتمع. إن الصورة القاتمة لجامعات مصر الشقيقة تذكرنا بالحضيض الذي تقبع فيه الجامعات اليمنية التابعة للدولة والخاصة على حد سواء، وحالنا أزرى من الجميع، والسبب عدم استقلال الجامعة وقيامها على مبدأ التعيين الذي يعني أن الأمن السياسي هو الذي يعين رئيس الجامعة والعمداء والوكلاء بل ورؤساء الأقسام، وإذا لم نبدأ في السعي اليومي لنيل استقلال الجامعة فلن يتغير الحال، فمبدأ التعيين قد يصلح لأي مجال إلا العلم والتعليم لأنه قائم على الحرية واستقلال المجتمع العلمي (الجامعة) والاحتكام إلى العقلانية والاحترام الكامل لحرية التفكير، وقد نهض الزملاء في مصر وكونوا حركة 9 مارس للدفاع عن استقلال الجامعة في سياق حراك سياسي وثقافي جديد غمر الحياة منذ خريف العام 2004م، وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، ويصدق هذا علينا وعليهم.

إذا استمر الحال على هذه الشاكلة هنا وفي الأقطار العربية فإننا لن نحضر في أية قائمة دولية للتعليم العالي الفائق حتى بعد قرن آخر وربما قرنين، لأن العلم يبدأ وجوده عندما يتحقق قول الغزالي في إحياء علوم الدين 3 /46: «إن الكشف عن الحقيقة أفضل من نقل ما قيل عنها».

وكثيراً ما يبدو حالنا العربي مؤكداً أننا لا نجيد حتى النقل الجيد!

تحال إليه عادة أوراق المحكوم عليهم بالإعدام، وقد رأى غير كاتب في هذا دلالة فاجعة، وسبق اسم العميد الذي أحال أوراق الباحث حرفا (أ.د) وهما نفسهما كانا أمام اسم الذي أفتى في قضية البول المشهورة في إحدى كليات الأزهر، ولا عجب فقد أصبح مدفعا للخرافة والسلطة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى