إطلالة على عدن (1)

> فضل النقيب:

> وصلت إلى عدن من أبوظبي بعد مغرب يوم الاثنين، أي قبل عيد الفطر بأيام ثلاثة، قدرت أنها تفي بالغرض لأتزود بقدر من فيض المدينة الرباني الرمضاني ولأهيم وسط المتسوقين الذين يجرجرون أطفالهم كما يجرجرون مصائرهم، وهم يعدّون ما تبقى من نقودهم القليلة بين كل بيعة وأخرى «ما عليش» فقد عرفت هذه المدينة غنى الكماليات حتى كانت تسمى «أم المساكين»، ثم أصبح أهلها كلهم مساكين إلا من دعت لهم أمهاتهم في ليلة القدر في سنوات انعدام الضروريات، واليوم تترنح بين وفرة المعروض وعجز المقدور عليه، وستسير قدماً لأنها ترفض على الدوام أن «تعش أبد الدهر بين الحفر» وليس أمامها سوى إكمال ما كتب عليها من خطوات:

مشيناها خطى كُتبت علينا

ومن كُتبت عليه خطى مشاها

في مطار عدن بدت لي الإضاءة كئيبة رغم حسن الاستقبال وبشاشة موظفي الهجرة والجوازات الذين سحبوا جوازي الدبلوماسي وفقاً للتوجيهات فوجدت نفسي بلا هوية، علما أنه لا يمكن السفر إلا بتأشيرة، وأنك حين تذهب إلى فرع الخارجية يسلمونك الجواز بلا سين ولا جيم، ربما تكون الحكمة غائبة عني، والحكمة ضالة المؤمن فمن وجدها فليبلغني. الناس في عجلة من أمرهم والحقائب تتتابع بطيئة والنساء لا يمكنهن مزاحمة الرجال المتنمرين. لا توجد كوّة في هذا المطار الدولي يتوفر فيها صراف أو بائع شرائح تلفون أو مكتب مواصلات، أو بائع مرطبات، أو شبه سوق حرة، بدا لي أن هذا هو سبب نقص الإضاءة في الصالة الكئيبة حيث لا توجد مصادر متعددة للضوء. الناس العجولون الذين لا يعرفون إن كان هنالك أحد في استقبالهم أم لا لأن الرؤية معدومة مع الخارج حيث صالة الاستقبال، ذكروني بقصة خلق أبيهم آدم إذ حين نُفخت الروح في جسده الصلصالي وصلت إلى رأسه أولاً فعطس فشمّتته الملائكة برحمة الله له «يرحمك الله» بعد أن نطق وحياً بـ«الحمد لله»، وحين وصلت الروح إلى عينيه وأذنيه رأى أشجار الجنة ونعيمها وسمع تغريد طيورها ثم وصلت إلى معدته فشعر بالجوع فهرع تواً ليأكل مما رآه قبل أن تصل الروح إلى قدميه، ومن هنا قال الله ?{?خُلق الإنسان عجولاً?}? وهكذا أولاده يقتتلون وهم يجرون إلى آجالهم حيث يتفرقون شيعاً:

تشكو من الدنيا وهل من معشر

جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا

كنت قد أفطرت على اليمنية إفطاراً بائساً بدا لي «بايتاً» فقدمت لي المضيفة جريدة «الثورة» الصادرة قبل ثلاثة أيام، نبّهتها فابتسمت بأريحية وهي تقول «أنت في اليمن».. قل بلعت «الموسى» وتذكرت قول امرئ القيس «وجرح اللسان كجرح اليد» وتركت الإفطار بعد أن تذوقته للسُّنة، ثم أغمضت عيني وأخذت أحلم بـ«برمة» لحم بلدي في مطعم زبيد الذي يشبه وادي الضباب «نصه سيول والنص دمع الأحباب» يعني نصفه بيع ونصفه مكارمة إذا كان صاحبه موجودا، لذلك فإن نصيحتي الدائمة له أن لا يقترب أبداً من باب المطعم. لعلي حدثتكم الأسبوع الماضي حكايتي مع «اليمنية» التي انتهت على خير بفضل جهود مدير مكتب «أروى» عبدالله صالح الشاعري، وهو إنسان خلوق ينطبق عليه بيت الشعر الذي قيل في معن بن زائدة الشيباني أو حاتم الطائي:

تراه إذا ما جئته متهللاً

كأنك تعطيه الذي أنت سائله

وكذلك زميله مدير المنطقة محمد الجنيد، الذي تابعني حتى المطار جزاه الله خيراً.. وللموضوع صلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى