إلاّ إذا....!

> صالح حسين الفردي:

> من المعلوم تاريخياً أن الثلاثين من نوفمبر 1967م كان يوم الاستقلال الوطني لجنوب الوطن، بعد كفاح ثوري مسلح استمر لأكثر من أربع سنوات علي يد ثوار الجبهة القومية، بدءاً من جبال ردفان الشماء وانتهاء بكل المدن والقرى والتلال والوديان في سلطنات ومحميات ومشيخات الجنوب.

ومن المعلوم كذلك أن هذا اليوم قد تلازم مع حدث إعادة توحيد إحدى وعشرين سلطنة ومشيخة ومحمية وبطريقة سلمية، إذ إن الوعي الثوري والنضالي للشعب في تلك الحقبة كان طاغياً في اتجاه التوحد والانعتاق من نير الاستعمار البريطاني والحكام المحليين، لذا لم تكن هناك صعوبة والحال كما كان من التوحد، والمضي سريعاً في تثبيت أركان الدولة وأسس النظام الجديد، وقد كان لهم ما أرادوا.

ومن المعلوم أيضاً أن هذا اليوم قد طغى فيه وعليه صوت ضرورة تحقيق الوحدة اليمنية، وثبت هذا الهدف شعاراً حملته كل التقلبات السياسية، والصراعات الموسمية التي شهدها جنوب الوطن، في جولات عنف أقصت الكثير من رموز الانتماء السياسي والوطني، ولكن أبقت كل التحالفات الجديدة على هدف الوحدة كأسمى غاية في أجندتها السياسية، فشرب الجيل الذي تلا جيل الكفاح المسلح والاستقلال الوطني هذا الشعار (الهدف) ونما فيه ومعه في سياق تكوينه النفسي والثقافي والفكري، حتى وإن كان لا يعلم في البداية ما يعنيه هذا الشعار، إلا أنه انساق معه دون تمحيص وتدقيق وعدّه هدفاً نبيلاً سامياً.

ومن المعلوم بحق أن النخب الثقافية والأدبية هي البيئة الوطنية الحقيقية التي تمسكت به وجعلته شاغلاً ومحركاً وملهماً لكل نتاجاتها الإبداعية شعراً ونثراً، قصيدة وقصة، رواية ومسرحاً، فغدت هذه النتاجات رافداً ثانياً من روافد النهر الجاري في شرايين جيل البين بين، فلا هو وطني استقلالي، ولا هو جيل وحدة اليوم، وإنما هو جيل وحدته الداخلية التي كبرت معه وعايشها حالماً طامحاً في ملامح اخضرار تسود مساحات حياته، وتؤمن قادم أيامه، وتضمن مستقبل أولاده.

هذا الجيل الذي دلف إلى العقد الخامس من العمر لم يزل غير قادر على فك الكثير من شفرات المراحل التاريخية الوطنية السابقة، ذلك أن الكثير غير منتم تنظيمياً، وربما كان رافضاً كل الطروحات السياسية لتلك المراحل الوطنية التي سادت وقتئذ، إلا أنه شعر بتوافق كبير مع هذا الشعار الذي كان يقبله كرؤيا قادمة لزمن يتغياه جميلاً خالياً من الخطوط الحمراء والحواجز والأسلاك الشائكة، ولعلة الرصاص.

هذا الجيل بقي يستشعر صعوبة الانسلاخ عن هذه المعاني التي تضخمت بدواخله، ولم يستطع عنها فكاكاً ، ولن يستطيع، فهو يعد الانسلاخ عنها خيانة لذاته، في حين تزيد مساحة الألم والحسرة لما آلت إليه تلك الأماني والأحلام، وما أصبح عليه مصيره الذي يزداد قتامة وبؤساً في يوميات حياته، فنجده يرتد إلى الماضي القريب متأملاً خطواته التي سارها زمناً، وإلى ما أوصلته، فينظر في كل أرجاء الحاضر والمستقبل فلا يجد إلا المجهول الذي سيطوي عليه ما تبقى من جميل الحلم، وبراءة الولاء لشعار تناثر أشلاء، ولم يعد حلماً نبيلاً سامياً، إلا إذا..!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى