بنشر الوحدة وورشة لحام المشترك

> أحمد يسلم صالح:

> للناس تخريجاتهم في التعبير ولو بوسائل مختلفة فيما يرونه أو يعتقدونه سبيلا للأمنيات وبلوغ الغايات، وحين لا يتطابق المسمى مع المعنى بالضرورة يمكن العودة إلى ما اتفق عليه العرب وأسموه اصطلاحا «ما كان من كلام العرب فهو من كلام العرب». ما لفت نظري وأثار فضولي عناوين أو (بورتات) كتب عليها أصحابها مسميات لدكاكينهم أو ورشهم بمعنى أصح. ففي صنعاء العاصمة عمد صاحب محل بنشر لإصلاح إطارات السيارات إلى تسمية محله (بنشر الوحدة) وفي ردفان الحبيلين ورشة سمكرة ولحام أسماها صاحبها (ورشة لحام المشترك) أو ورشة المشترك على ما أذكر.

وهذا يعود بي إلى ذكر حدوثة طريفة في نهاية الستينات وفي ذروة حمى الاستقطاب والمنافسة بين الجبهة القومية N.L.F وجبهة التحرير، حين ظهر لأول مرة على اسطح المنازل في القرى علما التحرير والقومية، ولم يجد شيخ كهل في قريتنا يعيش مع زوجته العجوز في سقيفة بسيطة من ذلك بداً حين اقتطع رقعة من بقايا ثوب قديم ربطها على عصا معوجة لتعلو سطح سقيفته العتيقة، وحين سخر منه من كانوا يرفعون الرايات الملونة للقومية والتحرير لم يجبهم سوى بعبارة «كلٌّ جدته من موجوده» .

(فنتازيا) الخيال الشعبي وفي زحمة تعقيدات الحياة تفصح عن نفسها وإن اختلف الزمان والمكان بأكثر من صورة، فأمام تنافس صوالين الحلاقة في مدينة جعار طمعا في كسب الزبائن مع إقبالة العيد ما يزال هناك ما يثير حين يتخذ رجل فقير في عقده السادس من برحة على حافة شارع الجامع الكبير مكانا يمارس عليه مهنته في جز شعر الرؤوس وفي الهواء الطلق، وحين تحاصره وزبائنه مياه المجاري الآسنة يجد من يطلق على صالونه البري هذا تهكما أو تمنيا «صالون البندقية».

وأمام حالة الحرمان التي تفصح عن نفسها في حاجة محافظة أبين لعديد من المشاريع الاستراتيجية وذات التمويل المركزي كسد حسان وطريق باتيس - رصد، ومشروع مياه ومجاري مدينتي جعار زنجبار، والربط الكهربائي المركزي وتطوير دلتا أبين وأحور ويرامس، إلا أن الفعل الرسمي وسلطة القرار السياسي أفصحت عن نفسها مما يجعلها حاضرة على طول الخط حين ألحت بل أصرت كما قال الفنان عادل إمام فيما قالت عنه مشاريع مركزية تمثلت في سجن مركزي على مدخل المحافظة ألغي فيما بعد بتوجيهات رئاسية بعد اكتشاف خطأ إقامته وتناولناه في العزيزة «الايام» تحت عنوان (غوانتانامو ابين)، إلى مشروع مركزي من نوع آخر تمثل في نصب مجموعة من اللوحات تحمل تسميات لشوارع المدن بنفس وطابع مركزي من «التوكة إلى اللوحة» كما قيل فيما بعد، ولكي يزداد عدد اللوحات كان يجري تقسيم الشارع الواحد إلى عدة مسميات: شارع الوحدة، شارع 22 مايو، شارع الثورة، وبنفس الأسماء تقريبا في زنجبار وجعار أيضا.. وأكثر من هذا أن مشروعات رصف الحجارة وردم الشوارع لم تراع إمدادات خطوط شبكة المياه ولا أعمدة الكهرباء ولا خطوط الهاتف، وهذا يعني أن كل جهة تريد أن تتوسع لا بد لها أن (تقلّع) أو(تخلّع) من جديد ويا روح ما بعدك روح.

ومن يتصور أن أضخم مبنى جرى الانتهاء من تشييده كمجمع حكومي ومقر للمحافظة زنجبار هو الآخر قد طالته المركزية الشديدة أيضا، حيث لم تستوعب تصاميمه الهندسية فتحات مكيفات الهواء ولا مراوح السقف أيضا. والأسوأ من كل هذا أن حجر التغليف الابيض (الرخام) التي تزدان بها واجهات المبنى جلبت من صنعاء، وهذا يعني ارتفاع تكلفة الإنشاء أضعافا مضاعفة في حين لا يبعد المبنى الحكومي الضخم إياه عن مرمى حجر (أقل من 100 متر فقط) عن مصنع للرخام في جولة زنجبار يعتمد على أروع أنواع الرخام المجلوبة من جبال حطاط وباتيس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى