لكل أمرئ وجعه وكلٌّ بصوته ينوح

> علي صالح محمد:

> حين يكتب أو يتحدث البعض عن الممارسات التي أدت إلى الاحتقان في المناطق الجنوبية يسارع البعض إلى وصم من تحدث بالانفصالي، وحين يجري الحديث بأن هناك جورا ومظالم وانتقاص حقوق تحصل في الجنوب ينبري البعض للتعميم بالقول إن اليمن كله غارق بهذه المظالم، وعلى الجنوبيين أن يأخذوا حصتهم من الظلم الواقع عليهم هناك منذ قرون والمستمر باسم الثورة والجمهورية، مع أن ثورة 26 سبتمبر يفترض أنها جاءت لتحريرهم من المظالم، وهنا يقول الروائي الروسي الشهير مكسيم جوركي «إن لكل امرئ وجعه وكلٌّ بصوته ينوح».

ومن واقع هذه الرؤية لا بد من الاعتراف بحقيقة التنوع، وهنا لا يجوز الخلط أو التعميم أو إنكار هذا التنوع، لأن الله عز وجل خلق البشر مختلفين، وهذا الاختلاف هو ما يميز البشر ويمنحهم صفة الاجتماعية والتكامل في إطار مقولة (الوحدة والتنوع) وفقاً لقوله تعالى ?{?وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم?}?. إذن الاختلاف ضرورة ونعمة للبشر وهو ما يقف وراء تطورهم من الأدنى إلى الأعلى، ومن واقع هذه الحكمة فلا يجوز تعميم المظالم وتبريرها بكونها واقعاً قائماً فرض على الرعية في المناطق الشمالية ضمن فلسفة منظومة الحكم التي تعمل على إخضاع الوعي والإرادة الفردية والمجتمعية باسم الثوابت ليجري تعميمها في الجنوب، ومهما يكن وحتى لا يظل استخدام هذه الورقة ضدا على الجنوبيين لا بد من الاعتراف أن الجنوب يعاني بشكل مضاعف وبصورة مزدوجة أولاً من طبيعة نظام الحكم وثانياً من ممارسات الاستباحة والنهب التي حققتها حرب 1994م وعبرت عنها الممارسات اليومية طيلة 13 عاماً وتعددت أساليبها وصورها وباسم الوحدة المباركة، لهذا ليس مستغرباً وصول الناس في الجنوب بهذه السرعة وبهذه القوة إلى القناعة الكاملة بضرورة مناهضة هذه الممارسات العدائية المنهجية ضدهم وضد أرضهم.

والمثير أن النظام لا يريد الاعتراف بأنه هو من صنع بوعي أو بغير وعي مشاعر الكراهية في نفوس الناس، ولم يزل مصراً على تأجيجها بدليل عمليات القمع الأخيرة للحراك السلمي الحضاري والديمقراطي في كل من عدن والمكلا والضالع وردفان لحج، اعتقاداً من البعض بأن ممارسة سياسة القمع ستؤدي نفس نتائجها في الشمال، في قراءة فير واقعية لخصائص الواقع والبشر هنا أو هناك، متناسين أنهم وصلوا للثروة والهيمنة على قاعدة التفكيك للقوى التي اتبعت في الجنوب لعقود من الزمن، وأرادوا الاستمرار ومواصلة الإخضاع وإحكام السيطرة عبر القمع والتهميش لكل القوى بالاعتماد على نفس السياسات، وبعد أن أدرك الجميع هدف اللعبة ومراميها ورفعوا فجأة وبلا خوف أو تردد شعار التسامح والتصالح لتأكيد وحدتهم المستهدفة، فضح النظام نفسه مجدداً حين استنكر حراك الناس ووحدتهم وهو الذي يرفع شعار الوحدة أو الموت كوسيلة لنهب الثروة، ويمارس الانفصال في الواقع بدليل الممارسات اليومية في إبقائه على الوضع القبلي في الشمال وإنعاشه في الجنوب بعد اندثاره، مع أن المطلوب لتعميق وحدة الناس في أي مجتمع نقلهم من طور الحماية الأدنى إلى طور الحماية الأرفع، أي من شكل القبيلة إلى مفهوم الدولة، وهي الدولة التي جرى تدميرها في الجنوب عنوة ليؤدي ذلك إلى وضع مغاير يتعارض مع مصالح وأحلام الناس التي تراجعت كثيراً في مناطقهم، ومع ذلك أصبحت معاناتهم المزدوجة مصدرا لوحدتهم وتعبيراتهم السلمية المناهضة لهذا الوضع، وفي المناطق الشمالية مهما بدا الوضع القبلي يمثل عامل استمرار للنظام إلا أنه في الواقع تتشكل بوضوح وتبرز ملامح ثورة من صنف آخر يمكن وصفها بثورة الجياع، وبفضل سياسات النظام يتجه نضال الناس مجدداً كل من موقعه ومن واقع أنينه ليتحد باتجاه تحقيق أحلامهم المشروعة وإن بصور مختلفة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى