عـــدن مــدينة تـــاريــخـيــة

> أبوبكر السقاف:

> أهابت الزميلة د. أسمهان عقلان العلس الأمينة العامة للجمعية اليمنية للتاريخ والآثار (عدن) في عدد «الأيام» (2007/9/20) بالجهات المعنية جداً في الحكومة أن تسرع في اتخاذ الإجراءات العملية لإعلان عدن مدينة تاريخية، بعد أن أوضحت صور التدمير التي طالت عمارتها الفريدة بدءا من مسجد أبان حتى مسجد الهتاري ولعل العبث بالأول بمحوه من الوجود مثال صارخ على الذهنية التي توجه أعمال الحكومة والمتنفذين الذين يلوذون بها، فالناشئة من الأجيال اليافعة في مدارس عدن فتحوا أعينهم على مسجد لا يمت بصلة لما سيقرؤونه في كتب التاريخ، بل إن التاريخ ذاته سيتغير وسيكتب غداً بالاعتماد على شواهد جديدة.

أنارت هذه الكلمات في مثال السيدة الفاضلة صورة في ذاكرتي، فقد سمعت لأول مرة في حياتي وأنا طفل من والدي عليه رحمة الله اسم المسجد: هذا مسجد أبان.. وأذكر أني قبل سنوات تلفت يميناً ويساراً أبحث عنه، وعندما سألت سائق التاكسي أخبرني أن أحدهم بنى هذا المسجد الجديد، فبدا لي حضوراً عدوانياً يدعس تاريخاً عبقاً بفظاظة، ولم أر في عمارته ولا زخارفه نسخة روحية أو شيئاً من رائحة القدم التي تمنحنا إياها المساجد التاريخية والأبنية القديمة.

كانت موقع في إشارتها الدقيقة إلى أن ما يجري «طمس لجماليات الفن المعماري اليهودي والهندي في مدينة التواهي وعبث الإنسان بحوافي حسين والقاضي وجوهر»..و لـ«أسبقية التخطيط الحضري والبنى الأساسية والخدمات الاجتماعية..».

هذا جزء من إعادة كتابة التاريخ بأثر رجعي وهو في أساسه متن الإلحاق والضم، فهذا العبث في الجنوب بلا تاريخ، وجاء إليه في يوم الانتصار في 1994/7/7 وكتابة التاريخ كثيراً ما تتم بهدم العمارات وتغيير معالم المدن وفرض تسميات جديدة بل وإزالة مناطق سكنية كاملة.

إن الدعوة التي لخصتها باسم الجمعية في مطالب ثلاثة جيدة وهي «-1سرعة اتخاذ الإجراءات العملية لإعلان عدن مدينة تاريخية -2 النظر بعين العدل والمساواة للقيمة التاريخية لمعالم عدن التي من شأنها رفع سمعة اليمن في المجتمع الدولي. -3 وقف القرارات الخاصة ببيع أو هدم أو إزالة أو تغيير أو إعادة بناء سوق الشيخ عثمان ومسجد الهتاري وشرطة الشيخ عثمان ومسشفى البلدية..«.

أعدت كتابة المطالب لتوكيدها وتأييدها. ولكن يبدو لي أنها تلقى ترحيباً حاراً عند الذين ترتبط في ذهنهم هذه الأمكنة وتلك الأزمنة بأصول الذاكرة ولذلك تكون لها قيمة ويكون لها معنى ولذلك تصبح جزءاً من صورة الوطن عندهم، كما هي في أدب الزميل حبيب السروري ومذكرات الزميل حسين الحبيشي.

سيدتي كتبت أنك تخاطبين «أهل عمل ودراية وسلطة» وتضعين على عاتقهم «مسئولية حماية هذه المعالم وتسهيل كتابة التاريخ بصدق وأمانة وتوظيف هذه المعالم لصالح اليمن قاطبة» ولكن من الواضح أن لكل يمنه. ولا أعرف شيئاً عن العلم والدراية عند الذين تخاطبينهم، ولكني أعرف جيداً أن أهم ما يملكون هو السلطة، وهذه في رباط وثيق وعميق بالمصلحة المادية التي يضعونها فوق كل اعتبار وحساب، ويبدو لي أن المصلحة التي عرقلت بانتظام المنطقة الحرة في عدن رغم ما يبدو من سهولة إنجازها هي نفسها التي تتشبث بأرض الله الطيبة التي يراها النظام وسدنته بقعاً بقعاً بقعاً. وليس مصادفة أن صرف البقع في يد رئيس الجمهورية وحده.

قرأت خبراً عن محاولة تكوين جمعية تعنى بالتاريخ والذاكرة. وهذا جهد يستحق الدعم قبل الإشادة به وبعدها.. وأرى أن يتعاون الجميع في الجمعية وعند من يدافعون عن التاريخ والذاكرة لتنظيم مساعيهم، والمبادرة بإعلان عدن مدينة تاريخية دون انتظار أن تقوم جهة رسمية بهذا العمل، وإذا قامت به فلتكن إضافة إلى جهودكم، والجهات الدولية لاسيما اليونسكو، ومنظمة أغاخان للعمارة الإسلامية تصغي جيداً إلى العمل غير الحكومي والمدني والطوعي.

سيدتي.. لك ولزميلاتك وزملائك في جمعيتكم كل اعتزاز وتقدير وأسرعوا فإن معادل الهدم كثيرة.. وعدن عزيزة حتى على قلوب الذين قضوا فيها أشهراً أو أياماً من أبناء اليمن بل والجزيرة العربية.

2007/9/20

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى