هل ستعود لمدينة عدن ابتسامتها؟

> د. محمود السالمي

> على الرغم من أهمية موقعها في الطريق التجاري الدولي، الذي ظلت تتنافس على الاستفادة من إمكاناته قوى داخلية وخارجية عديدة، أهملت عدن كثيراً في عقودها الأخيرة، بل وتضررت وربما بقسوة، ومع الأسف من من؟ من حكام ثورتها ومن حكام وحدتها.

لم يفهموا، كما نظن، أهمية موقع عدن، لم يفهموا كيف يمكن استغلالها وإدارتها بصورة مثلى، لم يفهموا خصوصيتها التي تميزها عن سائر مدن اليمن، وعدم الفهم لم يخلق سوء الفهم فحسب بل خلق ما هو أخطر، خلق الإهمال والتراجع، فعدن قبل الاستقلال كانت أفضل من عدن بعد الاستقلال، وعدن قبل الوحدة أفضل من عدن بعد الوحدة، تلك حقيقة لا يقولها أبناؤها فحسب، بل وسجلات مينائها، ومطارها، ومصفاتها، ومعاملها ومرافقها ونواديها.

عدن قبل الاستقلال كانت من أهم وأنشط موانئ الملاحة والتجارة في العالم، وثالث ميناء في مجموعة الكومنولث البريطاني بعد لندن وليفربول، حسب قول الباحث البريطاني (جليان كنج) في كتابة عن عدن، الذي صدر منتصف ستينات القرن الماضي وبالتحديد في الصفحتين 43.42. عدن كانت ميناء إقليمياً ليس لجنوب الجزيرة العربية فحسب بل ولمنطقة القرن الإفريقي ومنطقة الخليج. عدن لم تكن أنشط مدينة في التجارة والاستثمار في الجزيرة العربية، بل وفي التعليم والثقافة والفن والرياضة، والسياسة؟ تراجعت عدن بعد الاستقلال وتراجع نشاطها في معظم الجوانب تقريباً، ليس بسبب رحيل الاستعمار الذي خرج مطروداً منها، بل بسبب أخطاء سياسة حكام الثورة، الذين لم يحسنوا استثمارها.

وتراجعت عدن إلى الوراء بشكل محزن بعد الوحدة، التي علقت عليها أمل استعادة مجد الماضي، إذ إنها لم تخسر ماضيها وحسب بل وحاضرها، فبعد أن كانت عاصمة لدولة، تحولت في بداية الأمر إلى فرع للعاصمة، ثم استقر بها الحال إلى عاصمة نفسها. وعلى الرغم من أن صناع الوحدة قرروا أن تكون عاصمة شتوية لدولة الوحدة، إلا أنها لم تصبح في يوم من الأيام كذلك، لا عاصمة لفصل ولا لشهر ولا ليوم ولا حتى لساعة واحدة.

وبعد أن تراجع نشاط مينائها في عهد حكام الجنوب حتى أصبح ميناء لدولة الجنوب فقط، تراجع بصورة مؤسفة، في ظل حكام الوحدة، الذين تعهدوا بجعل عدن عاصمة البلاد الاقتصادية.

فبعد أن كان يستقبل في أيام (المحتلين) الأجانب والحكومات المحلية (العميلة) قرابة 6500 سفينة تجارية في السنة (بحسب التقرير السنوي لحكومة الاتحاد المنشور في 1965م) أصبح شبه مهجور، ولا تعتمد عليه حتى عدن ذاتها، فكثير من بضائعها تصلها من موانئ غيرها.

وتبخر حلم عودة المنطقة الحرة إلى عدن، التي عرفتها منذ سنة 1855م وحتى الاستقلال. والأراضي التي حجزت للمنطقة قبل 17 عاماً أخذت في التلاشي لصالح المحظوظين، وحتى المبنى الذي خصص لها عند قيام الوحدة لم يعد ملكاً لها.

ودب البؤس في مطارها الدولي بعد أن أمر حكامها بشطب رحلاته على أقساط مريحة. فبعد أن كان يستقبل في الأسبوع الواحد في عهد (الاستعمار) قرابة 245 رحلة (بحسب التقرير السابق) أصبح يستقبل حالياً، بحسب علمنا، نحو 5 رحلات دولية في الأسبوع فقط. ولم يترك أمام سكان عدن والمناطق المجاورة لها، من خيار غير تكبد مشقة قطع المسافة الطويلة إلى صنعاء، وتحمل الأعباء المالية الناتجة عن ذلك، من أجل السفر إلى بلد مجاور قد لا يكون أبعد من صنعاء نفسها.

عدن التي كانت مصدر التنوير والخير والعطاء، عانت ومازالت تعاني. تعاني الفقر بعد الرخاء الذي نعمت به، وتعاني غياب القانون بعد العدل الذي عرفته، وتعاني هيمنة عقلية النظام القبلي المتخلف، بعد الحياة المدنية الحديثة التي عاشتها. عدن التي وفرت، أثناء ازدهارها الاقتصادي، فرص التجارة والعمل لعدد كبير من أبناء مختلف مناطق اليمن، أصبحت اليوم تحتضن أكثر معدلات البطالة في اليمن.

عدن مدينة الوطن الوحيدة، التي كانت تعج شوارعها بالمظاهرات والمسيرات التي كانت تناصر الثورة وتطالب بالوحدة، تحرم بقوة حديد ونار الثورة والوحدة، من حق الاعتصام والتظاهر السلمي. عدن التي رفعت علم الاستقلال ومن ثم علم الوحدة، دفعت أكثر من غيرها، ثمن النزاع والقتال بين أطراف حكم الاستقلال، ودفعت دون غيرها ثمن قتال أطراف الوحدة، وتعرضت في عهد الوحدة، لدمار ونهب لم تتعرض لمثيلهما أي مدينة أو منطقة يمنية أخرى.

عدن التي كانت تنافس أكبر مدن ومناطق خط الملاحة الدولي الذي يربط الشرق بالغرب، مثل: مالطا، قبرص، السويس، سنغافورة، هونج كونج، تخلت عن تلك المنافسة منذ عقود خلت، ولم تكتف بذلك القدر من التواضع أو الحماقة، بل أخذت تهرول بقوة وبشكل يثير الرثاء لكي تصبح قرية كبيرة، بعد أن أصبح لها عقال ومشايخ. فهل يتدخل العقلاء لتصحيح ذلك التعامل الخاطئ مع عدن، والاستفادة من إمكاناتها وموقعها الطبيعي الممتاز الذي ظل يستثمر بشكل سليم إلى زمن غير بعيد، فلو حدث ذلك ستعود الابتسامة لسكان عدن، وسيعود نشاطها وتألقها، وسيعود خيرها لمصلحة أبنائها وأبناء كل وطنها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى