لماذا نتجادل؟

> علي هيثم الغريب:

> النزاعات في عهد الوحدة: هل يمكن إيجاد حلول مقبولة للجميع؟في كل المراحل السابقة وعند كل الأنظمة العربية -خاصة في العراق واليمن والسودان- انتشر تصور خاطئ وهو استخدام القوة والقمع ضد أصحاب الحق تتناسب عكسياً كلما كانت الأساليب الأمنية أقسى والقانون أشد صرامة. بيد أن نصف قرن من الضياع دحض قطعياً هذا الرأي .. فالأمن لم يوجد للقمع والقانون ليس ثأراً والعقوبة ليست هدفاً بحد ذاتها. وكل هذه الوسائل الثلاث (الأمن، القانون والعقوبة) هي وسائل لإعادة الحق إلى نصابه وفي الوقت نفسه هي وسائل حماية للمجتمع قبل السلطة. إن هذه الحقائق الأبدية لم يدحضها أحد وأكد عليها ديننا الإسلامي الحنيف، لكن في بلادنا أصبحت إعلانات ولا تمارس في الواقع. فالقوانين لا تخضع للمناقشة الديمقراطية، والعقوبات لا تنفذ إلا على الضعفاء، وإطلاق الرصاص الحي على الاحتجاجات السلمية يرجع لمزاج أجهزة الدولة .

وفي بلادنا مازال يصعب تقدير كل أهمية الأحداث الأخيرة في الجنوب. وتجري الأمور نحو تغييرات أكثر جدية، وسيحدث تلاحم وطني عظيم لم يشهده الجنوب قط في تاريخه الحديث. وفي ضوء المعاناة والتحولات الاجتماعية والسياسية تنتهي التعميمات النظرية والأوامر الجوفاء .

ومن الواضح أن المسألة في هذا المجال ليست في النقاش حول (البيضة أم الدجاجة) أو (النظام الرئاسي أم البرلماني)، بل في فهم أو عدم فهم الواقع الجنوبي الذي يثبت في منظومة المفاهيم كقضية رئيسة لا يختلف حولها اثنان، والتاريخ يجري إلى الأمام وليس إلى الوراء والواقع متحرك، والمتحرك قطعاً هو الثابت.. وتتبدل الأشياء والظاهرات وتتبدل الروابط الجوهرية. ويؤدي ذلك إلى تبدل مجموعة المفاهيم التي تعكسها. وبعض المفاهيم (انفصالي، متآمر، خائن) تصبح قديمة، أي أنها تفقد موضوعها وأساسها الواقعي وتصبح «فارغة» وتأتي بدلاً عنها مفاهيم أخرى تعكس المجريات الجديدة (الأرض، الثروة، الشراكة) .

وتقضي القاعدة بأن تبدل المفاهيم والانتقال المرتبط بها إلى مستوى سياسي جديد لتفسير الواقع الذي يلتمسه المجتمع ويعبر عنه، وينجم كل ذلك عن تغييرات كبيرة وانعطافات في مجرى التاريخ. هذه هي حقائق المرحلة الحالية. وما الاعتصامات والمسيرات والمظاهرات والإضرابات والاحتفالات الوطنية التي عمت الجنوب كله إلا تصويت أولي لحقوق أبناء الجنوب ومطالبهم، علاوة على أن أبناء الجنوب قد وصلوا إلى حقيقة ثابتة لا يمكن الخروج عنها وهي أن إعادة الأرض والثروة لا يمكن أن تتم إلا في جو من النضال السلمي المتواصل ونرفض رفضاً قاطعاً أي نوع من أنواع العنف. ونحن أبناء الجنوب نشعر بالحزن لأنه لم تكن في أيامنا السابقة مثل هذه المبادئ الدينية والإنسانية العظيمة .. فالعنف جعل الحكام عمياناً والأكثر من هذا أنهم أعموا من حاول فتح عينيه.. لكن اليوم والحمد لله نجد مثقفين بفكر سليم ومصير مشترك لا غبار عليه.

فالعنف هو الذي يجعل المواطن عبداً .. ودمية بأيدي الظالمين الذين لا يعترفون بحقوق الإنسان .. ونحن في الجنوب مصرون على المبادئ التشريعية والاحتجاجية السلمية إلى أن تصحو ضمائر الحكام ونحن واثقون بأننا سنقطع تحت هذه الراية الطريق نحو الحرية.. خاصة بعد أن تبلور الوضع في الجنوب بشكل آخر، الأمر الذي أثار الاعتزاز الشرعي لدى أبنائه وانعكس ذلك على مصيرهم المشترك .. ويسيرون خلف فئة صادقة من المثقفين في العلم والسياسة والوطنية. ويبلور هؤلاء المثقفون وبدرجة كبيرة الوعي الجامع الذي ينهض به المواطنون حالياً، ويصوتون به على حقهم في الحياة .

فهل يمكن إيجاد حلول مقبولة انطلاقاً من هذه الحقائق، أم سنكون الجيل الذي سيشهد موت الأشياء الجميلة؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى