الحل بالحكم المحلي كامل الصلاحيات وليس بالقوة أو الانفصال

> السفير نبيل خالد ميسري:

> الحديث عن مجريات الأمور في الساحة اليمنية عموماً والمحافظات الجنوبية والشرقية بصورة خاصة وتجاذب المواقف بين السلطة ومؤيديها من جانب والمعارضة بشتى صورها ومؤيديها من جانب آخر إنما هو نتاج طبيعي aللحقوق التي وردت في الشرائع السماوية وأقرتها القوانين الدولية والوطنية، وبالتالي فإن الخوض والحكم في نقاش ظواهر اليوم لابد أن يكون في موقع القاضي العادل المستقل والحريص على السلم والأمن والاستقرار والرخاء والعدل لهذا الشعب العظيم، ولهذا فإن الحل الأوفر هو استعراض كل ما يطرح على الطاولة للنقاش ويترك القرار حسب تقييم كل مواطن لمصالح وطنه وليس شخصه أو جماعته أو قبيلته أو حزبه، من هنا وحتى لا نخوض في تفاصيل كثيرة نركز في مساهمتنا هذه للنقاش بين من يطرح الانفصال وبين من يطرح الفيدرالية أو الكونفدرالية وبين من يتمسك بالوحدة بوضعها الحالي.

إن من يطرح شعار الانفصال اليوم وبعد سبعة عشر عاماً للوحدة يرى أن خيرات الوضع القائم من سلطة وثروة محصورة في مجموعات موالية للنظام وهي لا تزيد عن الآلاف في الوظيفة العامة التي تملك القرار والمال وترى أن الملايين محرومون منها وإنها ضمن هذه المجموعة التي حرمت من السلطة والثروة وعلى اعتبار أن الوحدة قامت بين شريكين شمالاً وجنوباً وبالتالي فإن حرب 1994م قد ألغت اتفاقية الوحدة وسيطر المنتصر على مقدرات البلاد كاملة.

في حين أن هناك من يطرح الفيدرالية أو الكونفدرالية أي العودة إلى وضع نظام مستقل في كل شطر تمهيداً لدمجها بالتدريج مستقبلاً وبحيث تكون تحت مظلة الجمهورية اليمنية على اعتبار أن قرار الوحدة الفورية التي أقيمت في 22 مايو 1990م كان متسرعاً وخير دليل على ذلك حرب 1994م وما نتج عنها من مترتبات أفقدت التوازن بين مواطني الشطرين وسيطرة طرف على آخر، لذا يرون أن الفيدرالية أو الكونفدرالية هي السبيل للحفاظ على الوحدة وتحت مظلة الجمهورية اليمنية وإسقاط شعار الانفصال الذي ربما ينضمون إليه في حالة الإصرار على الوضع القائم.

أما السلطة الحاكمة ومؤيدوها شمالاً وجنوباً فيرون بالوحدة صمام أمان ويعتبرونه خطاً أحمر لا يحق المساس به أو النقاش حوله مع الاعتراف بممارسة بعض القائمين للإساءة لأهداف الوحدة، وتطرح السلطة الآن نظام السلطة المحلية بصلاحيات أوسع مع احتفاظ المركز بالصلاحيات المحددة وفقاً للقانون.

إذاً لدينا ثلاث أطروحات للنقاش الصادق دون الميل أو الانحياز لواحدة منها على اعتبار أن مصلحة المواطن والوطن لا تنفصل وإن من حق الجميع التعبير بآرائه وفقاً لمصلحة عامة.

الانفصال يعني العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م بمعنى أن يعود كل شطر لوضعه السابق تحت جمهوريتين هما الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، هذه لها وعليها، خاصة وأن المصالح قد تداخلت وأن التحالفات تغيرت إلا أن المجهول يحمل الكثير خاصة وأن المناخ في كل شطر وفي البلاد عموماً قد تغير وإذا ما تخيلنا الوضع سواء بين الشطرين أو في إطار كل شطر فإن المؤشرات ربما تظهر عودة الصراع بين القوى المتحالفة اليوم فيما بينها لعدم وجود قاعدة ورؤية وطنية متفق عليها لبناء دولة وإنما هروب من واقع اليوم إلى مجهول الغد، وهذا ليس ما نتمناه لأجيالنا القادمة.

أما الفيدرالية أو الكونفدرالية بين الشطرين تحت نظام الجمهورية اليمنية فتحتاج إلى اتفاق بين قيادات الشطرين بتركيبتها الجديدة أي بمشاركة الجميع في تحديد المفاهيم والأسس لبناء دولة بنظام فيدرالي أو كونفدرالي وتحديد علاقة السلطة المركزية مع الشطرين وفيما بينهما، كما تحتاج إلى وضع المفاهيم والأسس في إطار الشطر الواحد لضمان عدم عودة سيطرة قوى معينة وإلغاء القوى الأخرى وهذا يتطلب اتفاقاً عاماً بين شرائح المجتمع في إطار كل شطر، بعد ذلك يمكن الاستفتاء على الفيدرالية أو الكونفدرالية بين الشطرين تحت نظام الجمهورية اليمنية، وهذا ليس بالأمر الهين نظراً لاختلاف الرؤى في إطار كل شطر والتي تحتاج لفترة طويلة لتوحيدها والاتفاق عليها.

أما الوحدة بوضعها الحالي فهي مرهونة بإقناع من يدعون للانفصال أو الفيدرالية أو الكونفدرالية أن القائمين على الوحدة في السلطة يسعون لخير الجميع ولا يحق لأحد استخدام مسميات الخيانة أو استخدام القوة لفرض قناعتهم على الآخرين وإثبات بالواقع العملي أن الخطوات التي تمارسها السلطة نحو بناء الدولة الحديثة تسير بنفس الاتجاه نحو تحقيق الأهداف المنشودة من الوحدة وإلا فإن المجهول الذي لا يعلمه سوى الله سيجعل اليمن صومالاً أو عراقاً آخر أو مزيجاً من الاثنين وربما أسوأ نظراً لتراكمات عقود طويلة.

بهذا نرى أن على الحكيم والعاقل والمخلص لله وللوطن ولهذا الشعب أن يساهم ولو بكلمة حق للحفاظ على المواطن أولاً وأرض السعيدة قبل فوات الأوان.

ونلاحظ أن الصراع القائم اليوم في اليمن يمكن أن يكون تحت أي مسمى حيث إن السلطة والثروة وهي محور الصراع لابد من توزيعها العادل لا أن يتنعم بها الآلاف فقط وتظل الملايين محرومة منها.

ومن المهم الاعتراف بالنسيج الاجتماعي وتوازن القوى في المجتمع وكذا ضرورة إشراك كل القوى والفعاليات سواء أكانت أحزاباً وتنظيمات سياسية أم منظمات المجتمع المدني أم القبائل أم الشخصيات الاجتماعية و المستقلة وكذا رجال الأعمال وغيرهم في نظام الدولة وبشكل متوازن حسب ثقلها وتأثيرها في المجتمع وبحيث لا يمكن لإحداها السيطرة أو الالتفاف مع أخرى على الآخرين وإلغائهم، وبهذا فقط يمكن مشاركة الجميع في السلطة والثروة والقرارات المصيرية لمستقبل الأجيال القادمة.

وخلاصة القول إن اليمنيين هم القادرون على تجاوز المحن والتوصل لصيغة متفق عليها إذا ما وضعوا مصالحهم الخاصة جانباً وحددوا مصلحة الوطن وأبنائه وأجياله القادمة فوق كل اعتبار وشاركوا جميعاً في صنع القرار واستفادوا من خيرات الوطن وإلا فإن الجحيم هي المأوى.

كما أن المعادلات الدولية والإقليمية لا يمكن لأحد نكرانها في ظل واقع الانقسام وخير مثال عراقنا الشقيق، والكعكة بدلاً من أن يتقاسمها أهلها باتفاق مرض سيأتي اليوم الذي يتقاسمها فيه الأجانب ويترك الفتات لأهلها المتصارعين ولا ينفع حينها النواح أو الأسف، فالحل بالحكمة لا بالقوة وبالتراضي لا بالإجبار وبالتسامح لا بالكراهية وبالاعتراف بالآخر لا بإلغائه.

ولهذا فإن الحكمة والعقل وواقع اليوم محلياً وإقليمياً ودولياً تفرض علينا أن نتجاوز الصراعات غير المجدية، والاتفاق على بناء الدولة وأن الحل الواقعي والأمثل يتمثل في منح المحافظات حكماً محلياً كامل الصلاحية لأبنائه وفقاً للضوابط والقواعد المتفق عليها وبحيث يشعر الجميع في كل مركز ومديرية ومحافظة أن أبناءه يتحملون المسئولية في إدارة الشؤون المحلية وبالتالي فإن المشاركة في السلطة المحلية وفق المعايير والكفاءة والقدرة هي الكفيلة بتغيير التفكير بالبدائل الأخرى التي لا تخدم الوطن والمواطن على المدى البعيد.

لهذا على القيادة السياسية في الدولة الإسراع في تبني هذا المشروع بمشاركة كافة أطياف المجتمع من أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني والقبائل والشخصيات الاجتماعية والمستقلة ورجال الأعمال وغيرها في كل محافظة على حدة، بحيث تكون السلطة متوازنة بين هذه التجمعات التي تمثل مصالح الجميع وبحيث لا يمكن لتجمع ما أو تحالف اثنين أو أكثر إلغاء دور الآخرين، وبما يساعد على تشجيع المواطنين في المحافظة لاختيار التجمع الاجتماعي المناسب لهم الذي يحقق مصالحهم ولا يفرض عليهم.

حينها سنرى تفاعلاً كبيراً لدى أبناء كل محافظة مع الحكم المحلي كامل الصلاحيات وسنرى مشاركة الجميع في الدفاع والتصدي لمن يتجاوز ذلك.

ويشعر الجميع أن مشاركتهم في وطنهم الصغير هو الكفيل بالدفاع عن وحدتهم ووطنهم الأكبر.

فالأمر لا يحتاج إلى لقاءات أحزاب فقط لأنها ليست المفوضة باتخاذ القرارات المصيرية وإنما ضرورة مشاركة كافة أطياف المجتمع وبحيث لا تزيد نسبة الأحزاب عن مجموع أعضائها في المحافظة وهكذا لبقية التجمعات الأخرى المؤثرة في المجتمع التي تختلف من محافظة لأخرى حسب التركيبة الاجتماعية.

حكم الشعب لنفسه في القرارات المصيرية لا يأتي بقرار من السلطة أو الحزب السياسي أو غيره وإنما من إرادة أبناء الشعب في المحافظة في إطار الدولة الواحدة.

إذاً فالخطوة الأولى هي الإعلان عن حكم محلي كامل الصلاحيات للمحافظات وتحديد مهلة زمنية قصيرة للإعداد والبدء في تطبيقه بحيث ترفع كل محافظة من خلال تلك التجمعات المشار إليها تصوراتها للحكم المحلي كامل الصلاحية بمشاركة أبناء المحافظة فقط لمفهوم المواطنة في المحافظة الذي ينبغي أن يراعي أحقية المواطنين الأصليين الذين يسكنون المحافظة لأكثر من قرن بنسبة كبيرة وبحيث تتوزع بقية النسبة على النقائل من محافظات أخرى موزعة حسب سنوات إقامتها بتوزيع عادل يعطيهم الحق في الترشح والانتخاب أو يحق لهم اختيار المحافظة الأصلية التي انتقلوا منها ولمرة واحدة.

بهذا يمكن لأبناء كل محافظة أن يقرروا ويديروا أمورها في إطار الدولة اليمنية الواحدة وأن يشاركوا في السلطة والثروة التي هي أساس الصراع.

وبهذا الإعلان عن الحكم المحلي كامل الصلاحيات والبدء بتلك الخطوات الأولية يمكن قياس النوايا والأفعال من قبل السلطة والمعارضة على حد سواء وبهذا نكون قد تجاوزنا ما يطالب به البعض من تنفيذ ما تضمنته وثيقة العهد والاتفاق التي كانت مخرجاً لحل أزمة الشريكين في الوحدة قبل حرب 1994م ويمهد الأرضية لمشاركة واسعة على مستوى المحافظات لتعزيز مشاركة الجميع دون استثناء والخروج من دوامة الصراعات إلى اتفاق بين مختلف شرائح المجتمع وليس بين حزبين سياسيين لا يحق لهما تقرير مصير شعب بكامله لوحدهما دون مشاركة كافة الشرائح الأخرى وباستفتاء عام لنظام الحكم المحلي كامل الصلاحيات.

قطار الزمن لن يتوقف ولن يعود إلى الوراء وحكماء اليمن كثيرون وشعبه مسالم يريد الاستقرار والأمان والعدالة والرخاء كبقية الشعوب الحرة ومن يقف أمامه لن يرحمه الشعب والتاريخ.

لا الحاكم الظالم ولا المعارض لغرض المصلحة الخاصة باقياً، البقاء لله ولهذا الشعب العظيم الذي ضحى كثيراً بأبنائه وثروته في سبيل تحقيق حلم كل اليمنيين بأن يعيشوا في دولة تصون حقوقهم وتوفر الرفاهية لهم ولأجيالهم القادمة، دولة فيها حق المواطنة المتساوية وحق المشاركة في السلطة والثروة والقرارات المصيرية.

واثقون بأن الحكمة ستقودنا إلى الإعلان عن حكم محلي كامل الصلاحيات والبدء في تنفيذه قريباً جداً لتعزيز قوة الدولة والحفاظ على هذا الشعب العظيم.

قال تعالى:?{?إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم?}? صدق الله العظيم

القنصل العام للجمهورية اليمنية

مومباي - الهند

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى