السلطة وعقلية التكفير

> برهان أحمد إبراهيم:

> لجوء السلطة إلى توظيف الدين بتبني خطاب تكفيري، قائم على مفردات السيف، لتبرير عنفها الذي تراهن عليه لمواجهة ما يحدث في المحافظات الجنوبية والشرقية، من تعبير سلمي عن حقوق مصيرية، إنما هو نص صريح في السلطة على تصعيد قمعها، الذي جسدته عملياً بإراقة دماء أبنائنا في ردفان الأبية .. وإشارة واضحة على إصرارها على إدخال البلاد في مرحلة أخرى متطورة من التمزق الداخلي .

فتوظيف الدين لتبرير القمع، بجعل المساجد منطلقاً لدعوات العنف، وأحكام التكفير، أمر بالغ الخطورة، وبخاصة أن السلطة قد مارسته سابقاً، بفتواها لاستباحة الجنوب (الكافر) صيف 1994م، جاعلة من حربها (جهاداً فرض عين) .. وما زرعته بالأمس، تعيد زرعه اليوم، رغم الحصاد المر !! ولا عجب في ذلك؛ فهذا هو منهجها، الذي مازالت تؤكده بترديدها البدعة ذاتها (تكفير الجنوب) .. فما سمعناه في خطبة العيد بجامع الجند، من تأليب وتحريض لانتهاج العنف وقمع من أسمتهم (قوى الردة)، وما أصدرته من أحكام التكفير، وإباحة الدماء .. أمر يتنافى مع الدين، ومع ما تقره الدساتير والنظم القانونية، التي كفلت حق التعبير والنقد.. والأخطر من ذلك؛ أن الخطبة أفصحت عن سوء نية السلطة، وسعيها المدمر، بإصرارها على تأجيج الأزمات، ووضع البلاد في حالة احتراق داخلي. فما أشبه الليلة بالبارحة!

وليس إلى الشك سبيل؛ في أن بدعة تكفير الآخر، لمجرد الاختلاف في الرأي، أو في الموقف، أمر ليس بالجديد؛ إذ مارسته قديما أنظمة استبدادية، حوّلت الحكم إلى مُلك عضوض فكانت كلما بالغت في حرصها على سلطانها وعرشها، بالغت في عدوانها وبطشها.. كما أن الجماعات المتطرفة مارست أيضاً التكفير، واعتبرت بلاد الإسلام دار حرب .. ولايزال هذا الفكر التكفيري الإلغائي، يجد في يومنا من يتبناه سلطة وجماعة، لا غضبة للدين، وإنما ليفرض قهراً على البلاد والعباد، وما شاء من أمراضه التي لا تحصى .. لذا، فالسلطة القهرية، لا تحرص على شيء قدر حرصها على غرس شوكة وجودها (المُلك العضوض) في جسم المجتمع، وهي في سبيل ذلك لا تتردد في استغلال وتطويع كل ما من شأنه تأكيد سلطانها، حتى وإن عبثت بأقدس الأمور، كأن توظف النصوص القرآنية، وبخاصة المتصلة بمسائل الكفر والإيمان، في صراعها، ليتم لها تعليب وعي المجتمع، وقبولها كقوة مطلقة، لها الحق في ممارسة قمعها ونبذها للآخر (الكافر) .. وبهذا؛ تتحول تلك السلطة إلى آلة قهر عمياء، مبرّر عنفها، استناداً إلى خطابها الذي تستحضر فيه (رموزاً من التاريخ، وصور الجهاد، ومآثر السيف، وأمجاد الغزو)؛ لتعمل السيف في شعبها المرتد الكافر؛ إن هو اعترض.. لكن ما لا تعلمه السلطة، أن توظيف الدين في خطابها، لتبرير عنفها، إنما هو دليل على جمودها، وعدم قدرتها على تحقيق شرعيتها المجتمعية، وإشارة إلى سقوطها أخلاقياً ومؤسسياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى