غلاء الأسعار وتدهور قيمة القوة الشرائية وجهة نظر اقتصادية واجتماعية

> فيصل عبده هزاع:

> الاستهلاك: قمت بزيارة لأحد الأصدقاء في عدن، في موقع عمله، مباشرة بعد عيد الفطر السابق. وبعدما هنأته وهنأني بحلول العيد السعيد (عيد الفطر المبارك) أخذنا الحديث الروتيني عن الصحة والعمل، ثم سألته عن مستوى العمل الذي يمارسه، لدهشتي، أجابني قائلا:«الركود مخيم على العمل التجاري والمصرفي بشكل عام، والأسباب كثيرة أهمها انخفاض قيمة القوة الشرائية نتيجة الغلاء المتصاعد باستمرار، لاسيما بعد الجرعة الأخيرة (أغسطس / سبتمبر 2006م)» وهذا هو موضوعنا لهذا العدد.

الموضوع: قبل البدء بتوضيح النتائج التي ترتبت على غلاء الأسعار وانخفاض قيمة القوة الشرائية نتيجة الجرعة الأخيرة الآنفة الذكر، لابد لنا من شرح وبيان المصطلحين الاقتصاديين الآنفي الذكر على النحو الآتي:

الغلاء: هي الحالة التي يقصد بها ارتفاع أسعار كل السلع الإنتاجية والخدمية، الضرورية منها والكمالية.

تدهور قيمة القوة الشرائية:

وهي الحالة التي يقصد بها انخفاض القيمة الحقيقية للعملة الوطنية الناتج لغول الغلاء. وهذا يعني أن الريال اليمني لم يعد يحمل قيمته الحقيقية في الوقت الحالي.

مثال رقم واحد:

رجل دخله اليومي 500 ريال يمني مضروب في 30 يوماً = 15.000 ريال (في ظل ثبات الوظيفة)، هذا إذا افترضنا أنه يعمل مع القطاع الخاص فترتين في اليوم، لديه زوجة وثلاثة أطفال، ويستأجر سكناً بمبلغ 7.000 ريال.

استهلاكه الشهري من القوت الضروري كما هو موضح في الجدول.

ماذا سنلاحظ ؟ أولاً: إن دخل هذا الفرد لم يتغير، والأسعار تغيرت إلى الأعلى، وهذه الأسرة دخلها محدود. ثانيا: إن هذا المثال افتراضي لم ندخل فيه قيمة فواتير المياه والكهرباء أو أي كماليات أخرى.

مثال رقم اثنين:

ربما المثال السابق كان قاسيا جداً. فلنضرب مثالا آخر لذوي المدخرات والاكتناز:

شخص ما وضع في أحد البنوك مبلغاً من المال قدره مليون ريال يمني يحصل عليه فائدة سنوية بنسبة %13. بعد خمس سنوات سيكون لديه الآتي:

1) أ - المبلغ الرئيسي = 00 /1.000.000 ريال يمني.

ب- الفائدة المركبة بعد خمس سنوات = 842.435/18 ريال يمني

الإجمالي = 1.842.435/18 ريال يمني.

2) بافتراض أن نسبة ارتفاع الأسعار خلال السنوات الخمس بلغ 70 - %150، فهذا يعني أن مقدار الانخفاض في إجمالي المبلغ المودع في البنك مع فوائده سيكون كالآتي:

(1.289.704/63ريال ..... (?سالب - 921.217/60 ريال?(

ماذا سنلاحظ؟ إن نسبة ارتفاع الأسعار إذا كانت %70 فإن القيمة الحقيقية للمبلغ المودع في البنك مع فوائده ستصبح 552.730/55 ريال. أما إذا كانت نسبة ارتفاع الأسعار %150 فإن القيمة الحقيقية للمبلغ المودع في البنك مع فوائده ستصبح بالسالب. بمعنى أن المودع سيصبح مديناً، أي أن فلوسه لن تكون ذات فائدة له إطلاقاً. بمعنى آخر.

أن مبلغ المودع المعني في الأمر لن يمنحه من السلع أو الخدمات التي كان يفترض أن يحصل عليها قبل خمس سنوات.

والآن، لاستكمال توضيح صورة غول غلاء أسعار السلع والخدمات وفواتير الماء والكهرباء.

لنستعرض ما نشاهده ونلمسه من ظواهر مؤسفة جداً. وهي أن المستهلكين وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام غول ارتفاع التضخم.

وبالتالي الأسعار (غلاء السلع والفواتير)، مما نهش مدخراتهم وأجورهم. مع العلم أن هذه الزيادة في أسعار الغاز والبنزين والسلع الضرورية أدت بالتالي إلى تقليص الرفاء العام وقلل من ارتياد الناس أماكن الترفيه والتسلية.

وطبعاً انعكس ذلك الأمر على البحث عن السلع والخدمات الرخيصة إن وجدت. بالإضافة إلى ذلك سنجد أن حجم الادخار قل كثيراً عما كان عليه في السنوات السابقة.

كل هذه الأمور أدت كذلك إلى ركود كثير من السلع الاستهلاكية، الأمر الذي ضرب الأسواق وجعل الموردين ومؤسسات البيع بالتجزئة في ركود كبير، الأمر الذي عكس نفسه على حركة البنوك التي لا تتفاعل إلا بحركة التجارة وجماهير المودعين والمقترضين. حتىالاقتراض صار مشكلة على جمهور المقترضين؛ لأن المقترض في الأخير سيجد نفسه غير قادر على سداد القرض.

ومن الحالات التي وجدتها لدى الجماهير الفقيرة، هي تجميد أبنائهم وبناتهم عن ارتياد مدارسهم.

وهذا يعني مزيداً من الأميين والتخلف، اللذين قامت ثورتا سبتمبر وأكتوبر لمحاربتهما. حتى الصحف والكتب الثقافية والعلمية، لا يستطيع هذا الجمهور الفقير شرائها نتيجة عدم كفاية القوة الشرائية لديهم. صار كثير من الناس لا يجدون لقمة العيش الضرورية، فكيف لهم مصاريف تدريس أولادهم وبناتهم، أو تثقيفهم أو تسليتهم.

الكل صارت وجوههم عابسة ومتكدرة نتيجة للظروف المعيشية القاسية ناهيك عن الزيادة في السكان وقصور دور الدولة في الجوانب الصحية، والتعليمية، وووو.. بالإضافة إلى استشراء الفساد الذي أغضب الله ورسوله فما بالك بالشعب المسحوق.

الآثار السلبية لغول الغلاء والتضخم وضعف القدرة الشرائية:

-1 تدهور صحة المجتمع.

-2 تدهور وتراجع مستوى الحالة التعليمية وبالتالي زيادة الأمية والتخلف

-3 تدهور وتراجع مستوى الادخار.

-4 ازدياد العنف والجريمة.

-5 استشراء الفساد الأخلاقي والإداري.

-6 تدهور وتراجع القدرة الشرائية للاحتياجات الضرورية والكمالية.

-7 ازدياد حالة الركود التجاري والاقتصادي وبالتالي شل حركة البنوك.

-8 ازدياد حالة الركود التجاري والاقتصادي سيؤدي بالتالي إلى زيادة جيش العاطين البطالة.

في الأخير، آمل أن تصلح الأمور ويعم الرخاء في يمننا الغالي. والله ولي التوفيق.

باحث مصرفي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى