ما أشبه الليلة بالبارحة!

> ياسر اليماني:

> لقد قرأت مقالة للأخ علي صالح محمد في العدد الصادر يوم السبت الماضي من صحيفة «الأيام» والحقيقة وأنا أقرأ تلك المقالة انتابتني مشاعر متباينة هي مزيج من الدهشة والألم في آن.. الدهشة لأن كاتب المقال الذي لبس فجأة ثوب الفضيلة للتحدث عما أسماه بالمظالم في الجنوب وإظهار نفسه دون تفويض من أحد ليتحدث عن حقوقنا كجنوبيين هو المقدم علي صالح محمد الضابط في جهاز أمن الدولة إبان تلك الحقبة السوداء التي حكم فيها الحزب الاشتراكي اليمني المحافظات الجنوبية متكئاً على هذا الجهاز البوليسي القمعي الذي تتلمذ ضباطه وعناصره على يد أكثر الأجهزة الاستخبارية في المنظومة الشيوعية حينذاك قمعاً وعنفاً وتنكيلاً بالخصوم والمعارضين وأشدها فتكاً بهم وفي مقدمتها جهاز الاستخبارات الألمانية الشرقية الشهير والمعروف (باشتازي).

أما الألم فمبعثه أنني وأنا أتابع بعض الأحداث والمواقف التي يفتعلها البعض حالياً ومنهم هذا (الكاتب) في بعض مناطق محافظات لحج والضالع وجدت أن تلك الأحداث تكاد تعيد نفسها بتكرار ممل ولافت للانتباه مع بعض أحداث الماضي التي شهدها الوطن في بعض أجزائه ربما بنفس الوجوه من اللاعبين والأفكار والخطط الماكرة مع اختلاف بسيط في بعض التفاصيل والتكتيكات ووجدت نفسي أردد متعجباً «ما أشبه الليلة بالبارحة» وعندما يعيد التاريخ نفسه فإن ذلك لا يعدو أن يكون ملهاة محزنة تستدعي التأمل وكثيراً من الانتباه والحذر وبداية ربما أجد تبريراً مقنعاً لنفسي لهذا القدر الكبير من الحماس المفرط الذي يظهره شخص مثل الأخ علي صالح محمد للكتابة والإدلاء بدلوه في عملية التعبئة والتحريض المتعمدة والمكثفة التي تقودها حالياً عناصر محدودة لها غاياتها الشريرة ومقاصدها المعروفة لتعبئة النفوس والعقول وخلق حالة من «التشطير النفسي» بين أبناء الوطن الواحد لعل وعسى أن يحقق ذلك الغاية الخبيثة لتلك المشاريع المشبوهة والأجندات الخاصة التي يروج لها هؤلاء النفر ومن يقفون وراءهم خلف الكواليس لاستهداف وطن الـ 22 من مايو وأمنه واستقراره ووحدته الوطنية.. وبحسب المعلومات المتوفرة والمتداولة فإن علي صالح محمد هو المسؤول المالي الذي يقوم بتوزيع تلك الأموال المرسلة من الخارج على العناصر المكلفة بتنفيذ المهام للترويج لذلك المشروع الاستعماري القديم الجديد المعروف باسم مشروع «الجنوب العربي» ولا أقول مثل هذا الكلام جزافاً ولمجرد الاتهام وحسب.. ولكن يمكن لأي مهتم الاستفسار من بعض مراسلي القنوات الفضائية العربية وبعض الكتاب عن تلك المبالغ المغرية التي أرسلت لهم في مظاريف خاصة إلى غرف سكنهم في بعض فنادق عدن وهي تحتوي على مبلغ يصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف دولار أمريكي لكل واحد منهم مصحوباً بالدعوة لحضور تغطية فعاليات ما يسمى بمجلس تنسيق جمعيات المتقاعدين والتي جرت في ردفان والضالع وقد رفض العديد منهم قبولها وردوها إليهم واستلمها البعض.. في الوقت الذي تتحدث فيها المواقع الإلكترونية و«ومحادثاث الشات» عبر الانترنت عن ذلك الإنفاق للأموال الذي يصل إلى حدود البذخ والسفه والغفلة من قبل عناصر ما يسمى بـ«تاج» المقيمة من لندن وغيرها والتي لا تخفي تواصلها مع هذه العناصر المناط بها افتعال أزمة والتحضير لفتنة جديدة في الوطن لتكون امتداداً لتلك الصراعات الدامية المحزنة والفتن التي أشعلتها ذات الوجوه منذ إعلان الاستقلال في المحافظات الجنوبية منذ عام 1967م بدءاً من الانقلاب والتنكر لزملاء النضال في جبهة التحرير مروراً بمذابح السبعينات والانتفاضات وحتى مآسي الثالث عشر من يناير 1986م وفتنة الأزمة المفتعلة والحرب والانفصال التي أشعلتها في عامي -1993 1994 وما خلفته وراءها من دمار وخراب وانتهاءً بما يجري اليوم من إرهاصات لتلك العناصر التي تطل برؤوسها من جديد مثل الأفاعي السامة لتنفث سمومها في الوطن متخذة من قضايا المتقاعدين أو الأراضي أو بعض الأخطاء الإدارية غطاءً لتمرير مخططها مستغلة تلك المساحة الشاسعة من التسامح والحرية والديمقراطية التي يعيشها الوطن والتي تتيح لها ولغيرها حرية الحركة والقول.. ومثل تلك العناصر تتوهم في أعماقها بأنها بعيدة عن الأعين وأن الناس في غفلة عن حقيقتها ومراميها وأن الذاكرة الوطنية خاصة للمواطنين في محافظات عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة وحضرموت والمهرة تناست أو طُمست منها الحقائق والوقائع المؤلمة وفي مقدمتها تلك المآسي الكارثية الدامية التي حلت بهم وما عانوه من الممارسات السوداوية الشمولية من القهر والكبت والعنف الدموي والتعذيب والسحل و«اللحس» والتصفيات الجسدية وانتهاك الأعراض والكرامة والآدمية الإنسانية والتشرد وسلب الحقوق والممتلكات الخاصة ومصادرتها دون وجه حق ناهيك عن الحرمان وجمود التنمية والحياة عموماً التي عاشتها تلك المحافظات منذ الاستقلال وحتى قيام الوحدة المباركة في الـ 22 من مايو 1990م ولا أدري عن أي مظالم مزعومة يمكن للأخ علي صالح محمد أن يتحدث عنها ويزايد بها في ظل دولة الوحدة مقارنة بما ذكرنا من سجل ذلك التاريخ الدموي الأسود الذي ساهم هو وأمثاله من الجلاوزة والقتلة وزوار الليل في صنعه في هذه المحافظات وتعرض فيها المواطنون لأبشع أنواع الاضطهاد والظلم وسلب الحقوق والحريات والتشرد.. وما زالت دولة الوحدة تتحمل آثار ومخلفات تلك الحقبة المظلمة وتدفع فاتورة معالجتها والتي يبدو فيها أي حديث عن أي مظالم مزعومة أو أخطاء نوعاً من التنطع والعبث والاستخفاف الغبي بعقول الناس وذاكرتهم.. وربما لا يدري الكاتب نفسه حتى الآن بأن أخاه الأستاذ سالم صالح محمد يرأس اليوم لجنة وطنية صدر بها قرار جمهوري من أولوياتها معالجة تلك الآثار والمظالم التي خلفتها صراعات تلك الحقبة الماضية وما ساد فيها من ممارسات خاطئة بحق الوطن والمواطنين.

كما أنني أقول لهذا الكاتب عن أي دولة في الجنوب تتباكي؟.. وأين هي هذه الدولة التي تستحضرها في ذاكرتك اليوم؟.. هل هي دولة القمع وجهاز أمن الدولة الذي كنت واحداً من رجاله؟.. وهل هي الدولة التي شردت مواطنيها قسراً وغيبتهم ما بين المعتقلات والمنافي والمهاجر البعيدة والقريبة بعد أن سلبتهم كل شيء، حياتهم وكرامتهم وممتلكاتهم وكل شيء عزيز لديهم؟.. بالله عليك من تريد أن تستغفل بقولك هذا؟!.. وهل تريدنا نحن أبناء هذه المحافظات الذين عانينا الأمرين وسوء العذاب منك وأمثالك أن نصدقك وتنطلي علينا حيلتك وأنت تطل علينا اليوم مع من تشترك معهم في تنفيذ المخطط القديم الجديد متدثرين بقميص «الجنوب».

وهو منكم براء براءة الذئب من دم يوسف فمن الذي فوضكم لتتحدثوا باسمنا أبناء الجنوب وعن أي جنوب تتحدثون وقد التأم الشمل وظللت راية الوحدة المباركة كل ربوع الوطن ونعيش في ظلها الحرية والأمن والأمان الذي افتقدناه كثيراً قبل أن تخفق تلك الراية في سمائنا.. وكان عليكم أن تحمدوا الله كثيراً على الحال الذي أنتم فيه وأن تكون رؤوسكم مازالت قائمة على أجسادكم بعد كل الذي فعلتموه بنا في الجنوب بالأمس وتمارسونه اليوم سراً وعلانية.. وكان عليكم أن تتعظوا كثيراً مما يجري في الصومال والعراق وأنتم تلعبون بالنار لإعادة تمزيق الوطن مرة أخرى وهذا أمر محال محال وأبعد عليكم من عين الشمس لأن الوحدة محمية برعاية الله وحفظه وإرادة الشعب اليمني ووعيه الذي لن يفرط فيها أبداً ولن يجعلها مجالاً لعبث أي عابث أو مزايد أو مكايد أو طامع أو متآمر أو أحمق جاهل مهما كان وأينما كان!

وصدق القائل الحكيم:?{?فأما بنعمة ربك فحدث?}? صدق الله العظيم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى