«الاحتقانات» في اليمن.. إلى أين؟! .. لا وحدة مع ديكتاتورية ولا تشطير مع ديمقراطية.. ومشاكل اقتصادية وغلاء أسعار ومظاهرات

> «الشرق الاوسط» عرفات مدابش :

> تشهد الساحة اليمنية احتقانات بلغت ذروتها بازدياد الفعاليات الاحتجاجية التي شاركت فيها أحزاب المعارضة الرئيسية في البلاد التي تنطوي تحت إطار ما يسمى «اللقاء المشترك» الذي يضم خمسة أحزاب؛ أبرزها حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي، والحزب الاشتراكي اليمني.

بدأت أول مظاهر أزمة الاحتقانات بالاعتصامات التي ينفذها المتقاعدون العسكريون والأمنيون والمدنيون أيضا من أبناء المحافظات الجنوبية اليمنية. فقد صعد هؤلاء من احتجاجاتهم، وهم يرفعون شعارات تندد بالتقاعد المبكر لكثير منهم منذ ما بعد الحرب الأهلية صيف عام 1994 وتدني مرتبات المتقاعدين السابقين بمن تم تقاعدهم أخيراً.

أحزاب المعارضة انتهزت مشكلة موجة غلاء الأسعار التي تجتاح البلاد وبدأت في تحريك أنصارها لتنظيم اعتصامات في العاصمة صنعاء والمحافظات للتنديد بالغلاء والفساد وإعلان التضامن مع مطالب المتقاعدين. غير أن سيناريو الأحداث تطور بصورة دراماتيكية، وذلك عندما صعد المتقاعدون العسكريون الجنوبيون من احتجاجاتهم وجوبهت من السلطات بالقمع، فسقط القتلى والجرحى واعتقل المئات وتغير خطاب وشعارات منفذي الاعتصامات في الجنوب من المطالبة بالحقوق إلى طرح ما يسمى بـ«القضية أو المسألة الجنوبية» ثم بعد ذلك الإعلان صراحة عن عدم الرغبة في استمرار الوحدة اليمنية الراهنة والتلويح بالانفصال. وتهم الانفصال وتهديد الوحدة الوطنية هذه هي التي يحاكم حاليا بها عدد من القيادات الجنوبية، ففي عدن يُحاكم العميد الركن المتقاعد ناصر النوبة، رئيس مجلس تنسيق جمعيات المتقاعدين العسكريين. وفي حضرموت يحاكم عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني حسن احمد باعوم وعدد من المعتقلين هناك. وفي محافظات أخرى بذات التهم. وسارعت السلطات إلى إعداد «مشروع قانون حماية الوحدة الوطنية» الذي ما زال يثير جدلاً ولغطاً شديدين بسبب احتوائه على نصوص تحدُّ ـ بحسب المراقبين ـ من الحريات ويُحاكم كل صاحب رأي بحجة الحفاظ على الوحدة الوطنية.

وتحدث لـ«الشرق الأوسط» صلاح الشنفرة، عضو مجلس النواب اليمني عن محافظة الضالع الجنوبية، عن الاحتقانات والأعمال الاحتجاجية الحالية. ويقول إنها ناتجة عن «إقصاء أبناء المحافظات الجنوبية، وخاصة المتقاعدين العسكريين جراء مقاعدتهم قسراً وعدم منحهم حقوقهم أسوة بإخوانهم من المحافظات الشمالية». ويعتبر الشنفرة القضية سياسية مرتبطة بقيام الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب من الأساس و«نحن في المحافظات الجنوبية نعتبر أنفسنا شركاء في الوحدة ولكن تم إقصاؤنا وليست هذه هي الوحدة التي كنا نتمناها، كنا نتوقع أن تغير الوحدة أوضاعنا إلى الأفضل ولكننا صدمنا بواقع آخر ووحدة أخرى».

ويردف متحدثاً عن جوهر الأزمة الراهنة في جنوب اليمن بالقول:

«المناضلون في ثورة أكتوبر بالجنوب ضد الاستعمار البريطاني، يتقاضى الواحد منهم راتباً بمبلغ 1200 ريال شهرياً، أي ما يعادل ستة دولارات أميركية، بينما يتقاضى المناضل في ثورة سبتمبر بالشمال راتباً يصل إلى 50 ألف ريال، أي ما يعادل 250 دولاراً، إضافة إلى انتشار البطالة وإعطاء الوظائف لأبناء المناطق الشمالية». ويعلق الشنفرة الذي انتخب باسم الحزب الاشتراكي اليمني في البرلمان، على اعتبار السلطات اليمنية لحركة الاحتجاجات في الجنوب بأنها تشق الصف الوطني، بالقول: «الوحدوي هو الذي يطالب بالحقوق، أما الانفصالي فهو الذي يسلب الحقوق، ونحن نطالب بإعطاء الناس حقوقهم، وهذا من أجل الوحدة لكنهم يقومون بعكس ذلك، وأي شخص يطالب بحقوقه يتهمونه بالانفصالية وأنا أعتقد أنهم إذا كانوا يريدون الوحدة فليعملوا على حل مشاكل الناس، فالوحدة ليست قرآناً منزلا وإنما هي إرادة أناس، ونحن لا نريد وحدة تأكل حقوقنا».

وتحدثت بعض التقارير أن مشاركين في اعتصامات المتقاعدين العسكريين في الجنوب اليمني رفعت خلالها شعارات منددة ورافضة للوحدة. وذكر أن البعض رفع علم الجنوب أيام «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية». ويقر النائب الشنفرة بحدوث ذلك لكنه يستطرد متسائلاً: «لكن أنت هل تستطيع أن تتحكم في شعب عندما يجوع وتسلب حقوقه وتؤخذ وتنهب أراضيه وعندما تستباح ثرواته.. والحكومة هي من دفع الناس لرفع تلك الشعارات، وهذا شعب وعندما يثور يثور فعلاً ونحن لا نستطيع أن نمنع أحداً». ثم ينفي الاتهام الحكومي بوجود أطراف خارجية تغذي وتدفع بالمتقاعدين العسكريين لتنفيذ اعتصاماتهم. ويقول «هذا كلام ليس له أساس من الصحة، الناس في المحافظات الجنوبية يشعرون باليأس وعندما تذكر لهم الوحدة يسبونك ويتهمونك بأنك بِعْتَ نفسك وأستطيع القول إن 99% من سكان الجنوب مستاءون من الوضع الراهن». ولكن ألا يخشى الجنوبيون من ردة الفعل الحكومية من خلال الاعتقالات والمحاكمات وغيرها؟! يرد النائب البرلماني بأن لـ«الحكومة أن تفعل ما تريد، وهذا سيؤثر فيها، والناس هنا لا يخافون ومستعدون للتضحية بأي شيء، وأي فعل حكومي تجاه الفعاليات السلمية سيزيد من إصرار الناس». ويختتم الشنفرة رده على أسئلة «الشرق الأوسط» بالتأكيد أن «الاعتصامات هي للمطالبة بالحقوق لكن اندفاع الناس هو في الأساس ضد الوحدة بسبب هيمنة أبناء المناطق الشمالية على الجيش وغيره على المناطق الجنوبية».

في المقابل، كيف ينظر حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن لما يجري في المحافظات الجنوبية؟ يرد على السؤال عبد الله أحمد غانم، الوزير السابق ورئيس الدائرة السياسية في الحزب حاليا بالقول إن ما يجري في المحافظات الجنوبية والشرقية بدأ بمطالبات المتقاعدين بحقوقهم القانونية. و«كانت تلك في الواقع مطالب مشروعة وتمت الاستجابة لها ولكن هناك قوى سياسية تعمل على الاستفادة من الموضوع واستغلاله لمآرب سياسية غير مشروعة، الأمر الذي أوجد ضجيجاً حول موضوع المتقاعدين أكبر مما يستحقه. وما يثير الانتباه أن بعض القوى السياسية بدأت ترفع شعارات مناوئة للوحدة اليمنية ذاتها، وهو أمر لا ينبغي أن يسمح به لأن الخلاف حول قضية قانونية أمر مشروع وكذلك مطالبة المتقاعدين بحقوقهم ولكن وحدة الوطن ليست محلاً للمزايدة أو الأخذ والرد، ومع ذلك تمت معالجة موضوع المتقاعدين سواء المدنيين أو العسكريين واتخذت القرارات اللازمة بإعادة من تمت إحالتهم إلى التقاعد إلى الخدمة».

ثم يضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أريد أن أشير إلى أن من يرفعون هذه الشعارات الانفصالية هم مجموعة قليلة وليسوا مجاميع كبيرة، ومع ذلك هذه مسألة خطيرة ولا يجوز السكوت عنها لأن هذا موقف لا وطني وغير مسؤول».

وعن طريقة تعامل الحزب الحاكم والحكومة مع هذه القضية، قال: «نحن سنتعامل مع هذه المسائل وفقاً للدستور والقانون الذي يجرِّم مثل هذه الممارسات التي تدعو إلى إثارة الفتنة والى الاقتتال الأهلي بين المواطنين لأننا نعتبر الدعوة إلى الانفصال هي في الحقيقة دعوة إلى الاقتتال والحرب.

وهو أمر لا يجوز السكوت عنه والتعامل القانوني في مثل هذه الحالة هو التعامل السليم وعلى مَنْ يخرق القانون أن يتحمل المسؤولية، لا نريد اللجوءَ إلى العنف ونحن ننبذه في كل الحالات ونرحب بالحوار ولكن الوحدة اليمنية خط أحمر لا يجوز المساس به والدولة بأجهزتها القانونية قادرة على معالجة هذه المسائل».

واستبعد غانم أن تكون مبادرة الرئيس علي عبد الله صالح التي أعلنت أخيرا، والتي تتضمن إجراء تعديلات دستورية لتحويل النظام إلى رئاسي كامل، جاءت نتيجة التطورات في الجنوب. وقال إن «الأفكار الواردة في مبادرة الرئيس علي عبد الله صالح ليست رد فعل لما يجري من مظاهرات واعتصامات وإنما كان يتم مناقشتها منذ وقت سابق، وربما الإعلان عنها الأيام الماضية يعطي الانطباع بأنها جاءت نتيجة تلك الأحداث».

وترددت بعض أسماء القيادات اليمنية الجنوبية في الخارج وسط الدوائر السياسية والإعلامية في اليمن على اعتبار أن تلك الشخصيات؛ ومنها الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، ورئيس الوزراء الأسبق المهندس حيدر أبو بكر العطاس، تحرك الشارع في الجنوب، لكن عبد الله غانم ينفي ذلك ويؤكد أن «التواصل بين القيادة السياسية والإخوة الموجودين في الخارج مستمر ولم ينقطع، ونحن لا نعتقد أن الذين ذكرتهم هم مسؤولون عما جرى من اعتصامات أو مسيرات أو غيرها».

كما انه لا يعتقد أن الحرب الأهلية صيف عام 1994 هي السبب الوحيد في ما يحدث حاليا في اليمن، «ولكن في نفس الوقت أريد أن أؤكد بان من خسروا في الحرب لا يستطيعون أن يعيدوا ما خسروه بالسياسة». وعن غلاء الأسعار الذي نددت به مظاهرات للمعارضة، قال القيادي في حزب المؤتمر الحاكم: «حتى نحن في الحزب الحاكم نتأثر من الغلاء ونشكو منه ولكننا ندرك أن أسباب الغلاء عندما تكون تعود إلى ارتفاع الأسعار عالميا كما بالنسبة لمادة القمح.. فما الذي يمكن عمله؟

ليست لدينا عصا سحرية لإجبار منتجي القمح على إنتاج قمح بأسعار تناسبنا ومع ذلك الحكومة تهتم اهتماماً كبيراً بهذه المسألة، وهناك باستمرار اجتماعات لبحث هذه القضية والسعي لإيجاد حلول لها».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى