لطفي أمان رائد الاتجاه الرومانسي في اليمن

> «الأيام» فضل القسمة:

> أفاد الشاعر العربي من منجزات المنزع الرومانسي، إذ مكنته من اكتشاف منهج جديد في الكتابة الشعرية، فكانت بحق ثورة «فنية» في مجال التجديد من خلال تطور المضامين الجديدة، في الموضوعات الشعرية والشكل الشعري والهندسة المعمارية للقصيدة.

تسرب هذا الاتجاه الجديد إلى اليمن من خلال الدواوين المطبوعة للشعراء الرومانسيين العرب، عبر الصحافة المصرية واللبنانية، التي أدت دوراً مهماً في الدعوة إلى التجديد، وتعد هذه النزعة أعظم مرحلة لتطور القصيدة في شعر اليمن الحديث والمعاصر وقد ساعد على ذلك الانتشار المكانة الأدبية والثقافية التي تبوأتها مدينة (عدن) في جنوب الجزيرة العربية، حيث كانت الثقافة فيها أكثر انفتاحاً على الأدب في البلاد العربية والعالم، وكانت الرومانسية هي الاتجاه الغالب على القصيدة العربية حتى منتصف القرن الماضي «هذا الاتجاه الذي عبرت عنه جماعة «الديوان» والمهجر الشمالي وأبوللو.. وانتقل صوت هذا الاتجاه على صفحات مجلة «الرسالة» 1923م وأبو للو 1932م».

ظهرت هذه النزعة الرومانسية في شعرنا اليمني الحديث والمعاصر «كضرب من التقليد والمحاكاة للشعراء الرومانسيين في الأقطار العربية» (1) ولما كان هذا التأثير عفوياً تقليداً، تراجع بعض شعراء التجديد في اليمن (الزبيري، الشامي، الحضراني) «في شمال الوطن للظروف السياسية والاجتماعية التي لم تشجع على ظهور حساسية جديدة في الادب والفن».(2)

على عكس ذلك، ساعد المناخ الأدبي والثقافي في (عدن) على ظهور شاعرين هما (محمد عبده غانم، علي محمد لقمان) اللذان تمكنا من استيعاب هذه الموجة، وعبرا عنها، ولكنهما لم يتقدما في التجديد، وعادا يعبران عن الموضوعات الشعرية بالطريقة التقليدية.

فإذا كان شعراء التقليد المجددون قد تأثروا بهذه الحساسية الشعرية الجديدة فإن شعراء الاستيعاب الرومانسي قد أوصلوا القصيدة إلى أقصى ما وصلت إليه الرومانسية من تجديد في الرؤية - البناء والصياغة- «فقد كان محمد عبده غانم مطلعاً على الجديد الشعري أثناء دراسته في بيروت في الثلاثينات من القرن الماضي، كما كان (علي محمد لقمان) غير منقطع عن تيارات التجديد الشعري.. وحركة النقد التي كانت تزخر بها الصحافة الأدبية في القاهرة، كما كان على معرفة واتصال بالشعر الغربي» وعلى صفحات (فتاة الجزيرة) ظهرت قصائد دعاة التجديد ومقالاتهم وترجماتهم الأدبية، وأصدرت مطابع دار فتاه الجزيرة بعدن الدواوين التالية:

الوتر المغمور 1944م، أشجان في الليل 1945 لعلي محمد لقمان، وعلى الشاطئ المسحور 1946م لمحمد عبده غانم، ومثلت هذه الدواوين البداية التاريخية والفنية للقصيدة الرومانسية في اليمن.

ومثل صدور ديوان (بقايا نغم) اكتوبر 1948 للشاعر لطفي جعفر أمان «نضج الاتجاه الرومانسي في شعر اليمن الحديث والمعاصر بكل أبعاده الفنية والمعنوية صورة، وموسيقى، وموقفاً، ورؤية، إذ غطى الموقف الرومانسي معظم مساحة التجربة الشعرية اللاحقة عند لطفي أمان حتى وفاته» (3) كما أظهر الديوان مدى استجابة الشاعر واستيعابه للتيار الرومانسي في الشعر العربي، كما ظهر تمثل الشاعر هذه الروح التي تحررت من سطوة التقليد والاجترار، فجاء ديوانه نبضاً راعشاً يجدد الحياة في جسد القصيدة في شعر اليمن الحديث، وحدد المكانة الفنية للشاعر كرائد لهذا الاتجاه في شعر اليمن الحديث والمعاصر، حيث “تمكن من وضع حد فاصل بين البناء التقليدي والبناء التجديدي للقصيدة في اليمن» (3) وبشر بميلاد مرحلة جديدة من التطور في الكتابة الشعرية من خلال التناول الرومانسي، وشكل الديوان إطاراً جديداً للخروج بالقصيدة عن البناء التقليدي والقالب الموسيقي الموروث، وتلمح في الديوان ثلاثة أنماط من التشكيل الموسيقي والقافوي للقصيدة: نمط البناء التقليدي العمودي، ونمط القصائد ذات المقاطع المتنوعة القوافي، ونمط القصيدة الجديدة أو ما يسمى بالقصيدة المدورة.. ومثال النمط الثالث قصيدة (خطيئة غريب) التي تفردت عن قصائد الديوان، وحطمت البناء التقليدي للقصيدة «وتمثل المحاولة الأولى للشعر القائم على نظام التفعيلة في شعرنا المعاصر في اليمن»(4).

مستشار الفكر.. جياش الدماء

مسعورة أنفاسه

تائهة في ظلمة الأوهام عيناه.. وقد

ضج به الصمت.. وهاجت حوله

أشباح ذكرى.. حطمت أجداثها

ولاحقته..

وهي في أكفان ماضيها الصريع..

***

كالبرق في لمحه الخطاف تزعجه

ذكرى إذا عربدت أشباحها خفقا

كأنما في ضجيج الصمت عاصفة

مجنونة.. لو تحاج الأرض والأفقا

تبدي نواجذها في هيكل خرق

إذا تطلع في أكفانه شهقا (5)

وتعد أجرأ قصيدة للشاعر في الخروج على النظام الإيقاعي للقصيدة العربية الموروثة.. وقد عاصر ظهورها ميلاد القصيدة الجديدة في الشعر العربي الحديث «وتتبع القصيدة النظام المتنوع المتناوب»(6) وتتكون من أحد عشر مقطعاً، ستة منها بالتشكيل الجديد (نظام التفعيلة) وخمسة بنظام القصيدة البيتية (نظام الشطرين) «وكشفت هذه القصيدة على قدر من النزوع المبكر نحو تطوير الشكل الفني للقصيدة، كما عبرت عن إمكانية التحول في معمار القصيدة العربية، فهي تقترب بشكل تلقائي مما يسمى بالقصيدة المدورة»(7).

الهوامش

(1) د. المقالح - الشعر بين الرؤيا والتشكيل، ص 213.

(2) المصدر نفسه.

(3) د. عبدالمطلب جبر - التجديد في شعر اليمن الحديث، ص 48.

(4) د. المقالح - نفسه ص 227.

(5) بقايا نغم 79/78.

(6) د. جبر - لطفي وتجربة الشعر المنثور، ص 124.

(7) د. المقالح - من البيت إلى القصيدة، ص 41.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى