عمر الجاوي والمشروع الوطني الثقافي (2)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> وبحصافة المناضل المجرب الذي يرفض التعالي أو الإصرار على التقصير يمضي الكاتب قائلاً:«علينا اليوم أن نحفر قبرا لبساطتنا ونصب عليه مياه التقدير للأمور قبل تمادي الحدث»، وبصرف النظر عن المجاز الذي يسيطر على العبارة فإن فكرتها واقعية وعقلانية، فطال ما جنت علينا هذه البساطة في ظل تربص الخيارات والمصالح غير الوطنية، لقد انطلق الكاتب من هذه العبارة ليحدد مشروعه الوحدوي الوطني الثقافي على النحو الآتي:

أولاً: لقد اجتمع الناس وتوحدوا ولكن لم توفق الطليعة الوطنية المثقفة في وضع حجر أساس (للوطنية اليمنية) وهي بلسم الأزمة القائمة فالقائم هو مناطقي أو طائفي أو قبلي، إن المشروع الثقافي الوطني الرصين سيشكل أسفيناً قاطعاً في وجه الأزمات.

ثانياً: الاتجاه- ولو طال الزمن- إلى المجتمع المدني، وإلغاء الفكر القبلي وليس القبيلة، فعدم التمدن يعني التخلف لاسيما أن هناك قيادة للفكر القبلي، هذا الفكر نفسه هو الذي يعمم الانفصال، إذا لم يواجه بالفكر المدني، هكذا يقرر الكاتب أن الفكر القبلي هو الذي يقود دائماً إلى الانفصال وأن الفكر المدني هو فكر وطني وحدوي بشكل تلقائي!

ثالثاً: يرى الكاتب أن بناء الدولة الجديدة الحديثة يستوجب زرع القانون في نفوس من أبسط الأشياء إلى أكبرها ويشير إلى دور اتحاد الأدباء والكتاب في تحقيق هذا، ولكن ليس في ظل قيادة للاتحاد لا تملك سوف قضم الأظفار والمضي على الشعور السابق نفسه: «الوحدة فقط»، ونحن نقول أين الجاوي مما يجري اليوم على مستوى تطبيق القانون ونهب المال العام ودور الاتحاد في تعزيز الوعي القانوي؟ بل أين هو من قيادة الاتحاد اليوم التي لم تكتف بقضم الأظفار فقط ولكنها قضمت وتقضم الموقف الوطني التاريخي المستقل المحايد الذي تفرّد به الاتحاد طوال تاريخه، وأمست متماهية مع الحاكم في سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ هذا الاتحاد العريق، مع تقديرنا لروح الزمالة التي بيننا وبين هذه القيادة.

رابعاً: ضرورة تنمية الديمقراطية بمفومها المدني الحضاري الذي لا يعني التنابز بالألفاظ في وسائل الإعلام، فالديمقراطية تعني الحرية والتعددية وهي فعل يجب وضعه أمام الناس بصورة واضحة، وكل هذا قابل للتحقيق في ظل المجتمع المدني.

خامسا: بعد أن ذكر الجاوي المجتمع المدني والقانون والديمقراطية كمقومات لهذا المشروع الثقافي بعيدا عن الاستهلاك الإعلامي لهذه المصطلحات يذكر هنا «اللا مركزية» موافقاً في الوطن اليمني إذا كانت تقسيماً إدارياً وليس استمراراً لتقسيم الشعب مشيراً إلى أن تكون اللا مركزية مشروعاً يتبلور ثقافياً أي يكون المثقفون هم من يطرحون هذا المشروع ويرسمون أبعاده حتى لا يكون عودة إلى الخلف.

سادساً: يقرر الكاتب أخيراً ضرورة السعي إلى أن يكون «الامبراطور فيلسوفاً وكذا الامبراطورة وهو سعي حميد للمستقبل»، وأن المجال الرحب هو التضحية في مقاومة النفس قبل الآخرين، وتجاوز الانتماء الأقل الى الأكبر.

هكذا وضع الجاوي رحمه الله تعالى مشروعه الثقافي أمام الطليعة المثقفة الوطنية المخلصة كل الإخلاص لقضيتها ورسالتها، بعيداً عن التبعية الذليلة المقهورة أو المأجورة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى