«الأيام» تبحر في وادي ميفعة بتفاصيله الحزينة ..القرين: المنطقة المنسية التي لا أثر للتنمية فيها

> «الأيام» جمال شنيتر:

>
القرين عند الأصيل
القرين عند الأصيل
وادي ميفعة هو أحد الأدوية اليمنية الشهيرة التي ذكرت أخبارها في نقش النصر الذي سجله المكرب السبئي كرب أيل وتر في القرن السابع قبل الميلاد، وكان في البداية أحد الوديان التابعة لمملكة أوسان، ثم انتقلت ملكية هذا الوادي إلى دولة حضرموت ثم أصبح ضمن الأودية التي تسيطر عليها الأسرة اليزنية.

وجغرافياً يعد وادي ميفعة أحد الأودية الجنوبية المنحدرة إلى البحر العربي ويتكون من أربعة روافد رئيسية هي عمقين، حبان، هدى وسلمون وتبلغ مساحة حوضه 5500 كم وتنتشر على ضفاف الوادي عدد من المناطق والقرى والتجمعات السكانية أهمها (صعيد باقادر، الرقة، العقدة، قرين آل علي، جول عقيل، ميفعة، بلعساف، كورة آل حمد، المنصورة، مكساه، الجريبة، قفيزة، القرواض، الغاضة، الحصن، الدرجاج، قرين آل نشوة، جول الشيخ والسواط وغيرها).

«الأيام» تبدأ رحلة الإبحار في تفاصيل هذا الوادي لنقل صورة عن معاناة أبنائه، وقد اخترنا أن نتجه إلى منطقة القرين- كورة آل علي بن عمر- لتكون نموذجاً لقرى هذا الوادي، على أن نستعرض في حلقة أخرى صوراً إضافية من معاناة الإنسان في هذا الجزء من بلادنا.

القرين كانت البداية

إنها القرين.. أو لنقل كورة آل علي، كما يحلو لأهلها- قبيلة آل علي بن عمر باعوضة- أن يسموها، ومهما اختلفت التسمية فإنها إحدى قرى الوادي الكبير، فهي تشرف على أحد روافده الرئيسية.

تقع القرية إلى الغرب من مدينة ميفعة، المدينة التي كان لها شأن كبير في تاريخ المنطقة عموماً والتي لايزال يحمل الكثير من الناس ذكريات من الحب والحنين نحوها، وإلى الغرب من القرين تتدلى بكبرياء سلسلة جبال آل باعوضة، ويحدها من الشمال منطقتا صعيد باقادر ونقب الهجر الأثرية، ومن جهة الجنوب قريتا المنصورة وكورة آل حمد، بينما تبعد عن مدينة جول الريدة المركز الإداري والسياسي لمديرية ميفعة مسافة سبعة كيلومترات.

في منزل الشيخ صالح ناصر سويد باعوض تجمع بعض نفر من أبناء القرين وكانت مناسبة طيبة أن نسمع منهم عن منطقتهم ولو شيئاً قليلاً.. بعد الظهر كانت جلسة المقيل، فوجدت جلسائي يلوكون وريقات القات وكنت الاستثناء الوحيد بينهم، علامات الأسى بانت على الوجوه، وكلمات الأسف حلقت في سماء المكان وصرخات صامتة خرجت تبحث عن من يرد عليها بيد أنها لم تجد غير صدى يبدد سكونها.

ليل الفوانيس

قال الأخ سالم طالب هادي باعوضه: «الحمد لله أخيراً وبعد طول انتظار جاءت الكهرباء بعد مرور ربع قرن من الصبر والانتظار ، ولكن الفرحة ما تمت فالكهرباء، فقط في الفترة النهارية أما في الليل فمازلنا تحت رحمة الفوانيس والبعض من الميسورين لديهم مواطير ولكن ذلك يكلفهم من المال الشيء الكثير وهذا الحال تعاني منه كل قرى ومناطق المرحلة الثانية في وادي ميفعة».

وتساءل فهد محمد صالح قائلاً:«أي كهرباء هذه التي تشتعل نهاراً وتنطفئ ليلاً؟».. غير أنه سرعان ما استدرك:«نعم هو إنجاز يشكر عليه المجلس المحلي لكن المشكلة أن إنجاز المشروع جاء بطريقة مخالفة للمواصفات، فالعشوائية موجودة في مكونات المشروع، مثلاً الأعمدة الكهربائية وضعت عندنا أعمدة حديدية، وفي قرية أخرى أعمدة خشبية» المحرر: أجرينا هذا الاستطلاع يوم السبت 2007/11/25م وقد أخبرنا الأهالي أن الكهرباء مقطوعة عن القرية منذ يومين، وأثناء وجودنا في القرية لم تشتغل الكهرباء سوى ساعتين فقط بدلاًً من ثمان ساعات نهارية».

سدة حصن شيلوب الأثري
سدة حصن شيلوب الأثري
الجفاف.. مشكلة أخرى

مشكلة الجفاف هي إحدى المشاكل التي تعاني منها قرى وادي ميفعة، وحولها حدثنا الشيخ صالح سويد باعوضه قائلاً:

«وادي ميفعة هو أحد الوديان الهامة في بلادنا، وفي الفترة الأخيرة ظهرت مشكلة الجفاف لقلة السيول والأمطار في المنطقة وهو الأمر الذي ضاعف من تفاقم المشكلة، وفي اعتقادي أن الحل يكون في اعتماد مشروع سد لجب وهو حلم راود كثيراً من أبناء وادي ميفعة.حيث إن الاستفادة ستعم الجميع عند إنشاء هذا السد، ونجدها فرصة عبر «الأيام» أن نناشد باسم أبناء هذه المديرية القيادة السياسية والسلطة المحلية بالمحافظة والمديرية العمل على اعتماد هذا المشروع الحلم».

شباب بين مطرقة البطالة وسندان الهجرة

ربما يستغرب المرء عندما يعلم أن أربعة أشخاص فقط من سكان القرين موظفون مع الدولة رغم أن عدد السكان يقارب الألف نسمة، والأدهي والأمر أن عدداً غير قليل منهم خريجون جامعيون وثانوية عامة، وأمام هذا الضيم غادر عدد منهم القرين والبلد عامة واتجهوا مضطرين إلى بلاد الغربة من أجل البحث عن لقمة عيش شريفة، وكلما تذكروا موطنهم الصغير القرين أخذوا يرددون رائعة فنان العرب محمد عبده «الأماكن كلها مشتاقة لك».

قال لي الشاب طلال ونشوة القات قد بدأت تلقي بظلالها عليه:«أنا واحد من عشرات أبناء هذه القرية الباحثين عن فرصة عمل.. لم توظفنا الدولة ولا الشركات العاملة في مشروع الغاز المسال في بالحاف.

لقد هاجرت إلى الإمارات وعدت، نريد أن نخدم ونعمل في بلدنا ولكن للأسف لم نجد الاهتمام المطلوب وهذا هو حال كثير من شباب مناطق وقرى وادي ميفعة، ولكن لم نفقد الأمل بعد».

الجانب التعليمي

في القرين لا توجد مدرسة على الإطلاق.. هكذا قالوا وأضافوا بأن أبناء المنطقة يتجهون للدراسة إلى مدرسة جول عقيل على الطرف الآخر من الوادي.

سألنا مدير مدرسة جول عقيل الأستاذ عبدربه صالح باعوضه وهو من أبناء القرين عن ذلك فقال:«مدرسة جول عقيل تأسست عام 1976م ويدرس فيها أبناء عدد من القرى وهي: جول عقيل، القرين، المنصورة، بايحياء، بلحاف، والمبنى قديم وبني بمبادرات جماهيرية وما يزال قائماً حتى الآن ويستخدم رغم أنه أصبح خارج الجاهزية وغير صالح للدراسة ولكن ما باليد حيلة، علماً أن وزير التربية السابق الدكتور يحيى الشعيبي زار المدرسة ووجه حينها ببناء وترميم المدرسة لكن تلك التوجيهات لم تنفذ وظلت حبيسة الأدراج، كما أن المشكلة أن الأثاث المكتبي معدوم ولا يوجد سوى كرسي واحد من أيام الرئيس الراحل سالمين».

وعن التعليم ايضاً قال الطالب علاء عبدربه من طلاب ثانوية جول الريدة:«يعاني أبناء القرين مثل غيرهم من أبناء وادي ميفعة كثيراً من المشكلات المتعلقة بالدراسة، فنحن ندرس مرحلة التعليم الأساسي في جول عقيل ولك أن تتصور حجم المعاناة التي يعانيها الطلاب الصغار الذين يذهبون مشياً على الأقدام إلى منطقة جول عقيل كل يوم، كما أن الفتيات لا يواصلن الدراسة لهذا السبب، لذا فإن من الضروري اعتماد بناء مدرسة في منطقتنا ولو حتى الصفوف الأولية أما بالنسبة لطلاب المرحلة الثانوية فنحن ندرس في ثانوية جول الريدة ونجتاز يومياً واديين حتى نصل وللأسف لا توجد وسيلة مواصلات لنقلنا إلى الثانوية، كما أن عدم وجود التيار الكهربائي في الفترة المسائية يعد عاملاً سلبياً بالنسبة لنا كطلاب حيث نضطر للمذاكرة في ضوء الفوانيس».

حصن شيلوب.. العائلة الواحدة

حصن شيلوب هو أحد المعالم التاريخية في القرين الذي احتضن قبيلة آل علي بن عمر قبل مئات السنين قبل أن تتكاثر القبيلة وتتعدد المساكن، ويوجد بالحصن الذي زرناه مدفع تركي قديم كانت تستخدمه القبيلة للدفاع عن المنطقة، ولا يزال هذا الحصن يحظى باهتمام آل علي بن عمر جميعاً.

القرين كما تبدو من الأسفل
القرين كما تبدو من الأسفل
إشارات عابرة

- الطريق من وإلى القرين وعرة ومنهكة وغير معبدة وتحتاج إلى لفتة نظر من قبل السلطة المحلية.

- تفتقر المنطقة إلى وجود وحدة صحية مما يضطر الأهالي إلى نقل أطفالهم للتطعيم الأسبوعي إلى جول الريدة أو عزان، وبعض الأسر امتنعت عن التطعيم لعدم وجود وحدة صحية.

- يمتلك أبناء القرين خاصة ووادي ميفعة عامة من الوعي والثقافة ما جعلهم ينبذون ظاهرة الثأر التي أصبحت غريبة عن عادات وتقاليد المنطقة.

- كان لعدد من رجال قبيلة آل علي بن عمر باعوضه رصيد نضالي كبير وشرف المساهمة في الثورة اليمنية وسقط منهم شهداء، ومما يؤسف له أن هؤلاء المناضلين لم يجدوا أي اهتمام قبل الوحدة و بعدها.

المشهد الأخير

عند المغادرة.. ظلت علامة استفهام كبيرة تلاحقني: لماذا يتمسك الناس هنا في هذا الوادي الكبير بمنطقتهم هذه رغم صعوبة الحياة وحرمانها من أبسط الحقوق؟ لاشك أن الجواب ببساطة هو أن ثمة انتماء أصلياً للإنسان لأرضه وتاريخه وأصله ولهذا ستظل الحياة هنا مستمرة لأن الإنسان هنا من نوعية خاصة ولكن يبقى السؤال بأي ذنب حرمت قرى مناطق وادي ميفعة والقرين إحداها من أبسط حقوقها؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى