في حضرموت.. أين البديل؟!

> «الأيام» صالح حسين الفردي:

> بالأمس تكالبت مجموعة من العوامل السياسية الضيقة، والحزبية المُقصية، والشللية الطافحة بالحقد الدفين، لإفراغ حضرموت من كل تراكمها المعرفي والثقافي والتراثي والفني والقيمي الإنساني النبيل، الذي تناثر كضياء يشع في أرجاء المعمورة، مبرهناً على العمق الحقيقي لحضرموت (التاريخ، والتراث، والأصالة)، عمق لم يبق لدينا منه-اليوم- إلا هذه الأحرف الباردة، التي تلوكها الألسن ليل نهار، وهي بعيدة كل البعد عن الهوى الحضرمي الأصيل.

ونظرة خاطفة على الواقع الثقافي (مكتب الثقافة، مركز بلفقيه)، والفني (فرق فنية ومسرحية وتشكيلية)، والصحفي (صحيفة شبام)، والإعلامي (إذاعة المكلا)، والهيئة العامة للكتاب، تبين مدى الغياب التام لكل تنويعات المشهد الحضاري لحضرموت، وتظهر العجز الكامل لهذه المنظومة الشائهة، فالحصاد المر الذي تجرعته على مدى السنوات العشر الماضية ينبئ بخطورة استمرارية هذا الفعل، وتلك الآلية التي تتعامل مع جملة الإخفاقات والاختلالات المعششة على الكيانات المؤسسة الرسمية المنوط بها رسم ملامح جمالية لزمن جديد تتناسب وتطور الحياة وروح العصر، مبتعدة عن الانكفاء والتهميش والتشويش والتسطيح لماض تليد، تناغم مع روح الشخصية الحضرمية في مسالك التاريخ والحضارة الإنسانية.

كيف يبدو واقع الحال اليوم، وهل لهذه المنافذ الحاملة لمشروع الحضارة وإرث التاريخ دور، أو بعض دور، أو نوايا طيبة، لإيقاف التدهور والانحدار الموصل إلى التلاشي والغياب، وبالتالي الضياع الكلي لمعالم الوجه الحضاري الذي كنا وكانته الأجيال الماضية، وحتى لا نرمي التهم جزافاً- كما يقال - فإننا نأمل أن يكون ما نكتبه منافياً لواقع الحال، ففي السنوات الماضية لم يعد للمسرح الحضرمي حضور، الذي ارتقت به كوكبة من المبدعين إلى مصاف الأعمال العربية والعالمية، ومازال الكثير منهم - أطال الله في أعمارهم - على قيد الحياة، ولكن الصمت الثقافي والإذاعي والصحفي سيد الموقف، وهذا ملمح من ملامح الخلل الذي نشير إليه، وكذلك لم يعد لحضرموت حضورها الفني والفلكلوري، وإذا حضرت كان الحضور باهتاً من قبل راكبي موجة التسطيح والنفاق و(اللعب على الثلاث ورقات)، ولم تحظ بتمثيل داخلي أو خارجي حقيقي، وليس هناك من وقفة جادة تجاه هذا المنحى الرسمي من قبل مكتب الثقافة، أو كقضايا حوارية في إذاعة المكلا.. هذه الإذاعة كان بإمكانها أن تسهم في تبصير السلطة بمكامن الخلل الذي تقع فيه دون تبيان ومعرفة ممن يقع عليهم وزر التعريف والإيضاح، وهنا مكمن خلل ثان، أما ما يصدر بين الحين والآخر من بعض المتقولين على التاريخ والتراث والحضارة، ويدعم من الجهات الرسمية دون مراعاة لأبجديات البحث والكتابة فحدث ولا حرج، والغريب المريب أن تمرر مثل هذه المطبوعات السامجة دون تمحيص ونقد وقراءة من قبل الهيئة العامة للكتاب، على الرغم من النقد الذي ووجهت به بعض الإصدارات عن حضرموت في أكثر من مرة، ولكن! فاقد الشيء لا يعطيه، و(كله بأجره)، و(با بخت من نفع واستنفع)، و(إن شوه وزور وطوّع)، في حين يصعب تمويل طباعة كتاب لمبدع رحل وفي قلبه غصة، ويشارك في هذا العبث والغثاء المعرفي القنوات الثقافية والأدبية والإعلامية والصحفية لتخليها عن دورها الحقيقي لمواجهة تشوهات الماضي وتمزيق الحاضر، الذي تتغياه مثل هذه الأقلام الضحلة، ويبدو أن الجميع استكان ونسي ما كان وكان! وعجبي لأمة تحتفي بالغث، وتنسى الثمين.

هذا الوضع الكئيب المفرغ من القيم الثقافية والفنية والتراثية والصحفية والإذاعية التي نتغنى بها، ونعزف عليها في كل حين، ألا يضع علامات استفهام بحجم الخلل والانزلاق الكبير الذي تعيشه هذه المنافذ، ويضع السلطة المحلية بحضرموت، ومجلسها المحلي أمام مسؤولية التغيير للأصلح والأصوب، ويجعل الجميع يقف عند هذا المرسى الذي جنحت إليه حضرموت التاريخ والتراث والأصالة، ولكنني على ثقة كبيرة أن الجميع سيضع هذا التساؤل: (أين البديل؟!).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى