ملك وحاشية

> «الأيام» عبدالقوي الأشول:

> كثيراً ما نجد أنفسنا نقرأ أحداث التاريخ من زوايا مختلفة وبروايات عدة ذلك ما جعل الكثير من حقائق التاريخ تبدو غائبة ومشوهة.

ولعل مسلسل الملك فاروق التلفزيوني .. قدم لنا قراءة ربما تبدو مغايرة لما اختزنت ذاكرتنا من معلومات وافرة عن تلك الحقبة التاريخية المصرية وما ارتبط بها من أحداث وشخصيات سياسية إلا أن البارز في مجموع تلك القراءات التاريخية التي حملتها الروايات التاريخية والأعمال التلفزيونية الأخرى .. صورة الملك الطاغية المرتبطة بشخصه كل عوامل الإخفاق وربما البؤس الاجتماعي الملك المستغرق عند حدود ملذاته التي لا نهاية لها.. طاغية لا يمت لشعبه بأي صلة.

وعندما تفاجؤنا صورة الملك فاروق على النحو الذي شاهدناه في العمل التلفزيوني الأخير نجد أنفسنا طواعية نتخلى عن هيئة الملك السابقة برواياتها المختلفة والتي لا تجمع إلا على وصفه بالطاغية المستبد والملك المستغرق في ملذاته والأسير لنزواته التي لا يتوانى معها في تسخير ما يمكن من الأموال العامة لتلبية احتياجاته وضالالات ملك على رؤس الأشهاد مطلق اليد في كل شيء .

المثير في مسلسل الملك فاروق .. هو تقديم الملك الشاب كضحية بريئة لدسائس الحاشية الملكية ومؤامرات الإنجليز المتعارضة مع نظرائهم الطليان.. عيون وآذان كانت ترقب أدق الأشياء وأتفهها بعيون لا تكف عن تصوير مشاهد حياة القصر اليومية بكل تفاصيلها.. آذان تجمع كل حركات الأنفاس.. متصلة بعيون وآذان أخرى خصصت لمحاصرة من في قصر عابدين .. مستبيحة ثغرة ملك شاب لم يتصلب عوده السياسي بعد كما لم تثقفه المؤامرات على غرار ما كان عليه والده الملك فؤاد بما عرف عنه من دهاء ومكر.. ما جعل الابن يقع في شرك تلك الذئاب الرمادية التي لا ترحم وكل ينفذ على طريقته لزعزعة عرش الملك .. لولا أن ثورة يوليو كانت المنقذ الوحيد من كل ما كان وراء الكواليس .

< إلا أنت يا إدريس.. وإدريس هذا لم تكن قد بدأت حكايته الظريفة.. بذلك الحلم الذي راوده على ظهر السفينة وهو في طريق العودة إلى مصر بمعية سيده فؤاد قبل أن يكون ملكا أو يفكر بانتقال الملك إليه طالما وشقيقه كمال لديه ولي عهده الابن حسين صاحب الحق الأول في ملك مصر بعد والده.. إلا أن حلم المخلص إدريس برؤية فؤاد ملكاً سرعان ما تحقق إثر عودته إلى مصر وعزوف ابن الملك كمال عن الخلافة.. ما حدى بالإنجليز لاختيار الملك فؤاد على عرش مصر .

أما إدريس فقد كوفئ نظير حلمه الذي تحقق سريعا.. بأن جعل الملك فؤاد صورته على أول جنيه مصري وظل الجنيه المصري مطبوعاً عليه هيئة إدريس الفلاح المصري الأسمر ذي اللحية البيضاء التي يخالطها الشيب وملامح القناعة المرتسمة على محياه.. وظل الحال كذلك حتى شهد إدريس زوال الملكية والملك بعد أن قضت الثورة على أحلام ملك لم يستطع طيلة فترة حكمه تخطي عقبات الحاشية المتباينة المتداخلة .. وكل ما في تلك الجعبة من أسرار بدت عاصفة وموجعة في مواقف مختلفة من حياة الملك. لا، بل لم يكن بمقدور فاروق الابن تخطي عقدة الأم وبما ظلت تضمر في قارة نفسها من حق على الملك الأب وسرايا القصر الذي مثل لها زنزانة خانقة لطغيانها الأنثوي.

أحداث ربما استهان الملك الشاب بآثارها التي ما لبثت أوار نيرانها المستعرة تقضي على كل شيء .

والقصور على ما في تفاصيلها المعمارية المدهشة من إبداع الإعمار وزخرفة المنمنات وبهاء أروقتها .. ليست بالقطع كل ما يمكن رسمه في مخيلاتنا عن حياة ما وراء تلك الأسوار .

إن عوالمها الغامضة تجعل من غير الممكن البو حتى بوخزات الألم أو الإعلان عن مثل هذا الشعور بذرف الدموع .. لأن التقاليد تمنع في أحيان كثيرة ذلك.

ومع كل ما سلف تظل معلومات العامة عن ما وراء تلك الحيطان ناقصة رغم حشد المخربين وكل تلك العيون والآذان ..بمشاربها المتباينة متعددة الوجوه والأغراض .. عوالم كثيراً ما يعمل أصحابها من دافع المصلحة أولاً.

وبالمجمل فقد قدم الممثل السوري الشاب تيم حسين بطولة تلفزيونية رائعة بكريزما شخصيته المدهشة بل المحببة.. التي أظنها قدمت لنا الملك فاروق كملك وإنسان لأول مرة.. وهنا تكمن جودة العمل بما قدم من جديد مختلف .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى