حوارات متعددة حول مستقبل عدن السياسي

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

> حوارات متعددة طرحت في مرحلة من تاريخ عدن السياسي، ظلت تهدف إلى تحديد المساحة من الجغرافيا السياسية التي يجب أن يكون عليها ذلك المستقبل الذي لا تقف حدوده السيادية عند المربع الأخير من دول الجوار، بقدر ما تسعى إلى إيجاد الشخصية الوطنية عند الفرد الذي يعد صاحب الحق التاريخي في هذا الانتماء.

وثائق ومعلومات عبرها نستطلع الماضي كرؤية موضوعية تنسحب عدة أبعاد منها على الحاضر، وتطرح كفكرة تظل مرتكزاتها تمتلك القدرة على البديل السياسي عند المأزق الذي اختنق به الحاضر.

استمرار المحافظة على موقف اقتصادي سليم

تذكر الوثيقة رقم 136 تاريخ 24 يناير 1965م، أن وزير مالية عدن السيد عبده حسين الأدهل ألقى خطاباً في مجلس عدن التشريعي حول مسودة مالية عدن لعام 1965 - 1966م وكان حديثه:«إن مدى الخدمات التي تستطيع الحكومة أن تقدمها يعتمد بطبيعة الحال على مدى الدخل الذي تستطيع الحكومة أن تحصل عليه ومن الجدير بالذكر أن نشير هنا أن عدن استطاعت أن توسع استمرار الخدمات العامة وأن تواجه مطالب الشعب المتزايدة بل واستطاعت أن تخلق خدمات جديدة وأن تدخل إصلاحات على الخدمات السابقة. كل ذلك دون أن تلجأ إلى رفع الضرائب وقد تمكنت عدن من المحافظة على هذه السياسة المالية بأن توازن ميزانيتها من النمو العادي والطبيعي للدخل الذي سار جنباً إلى جنب مع نمو اقتصاد البلاد.. والحكومة عازمة أن تحتفظ بهذا الموقف وأن تواصل السير على منواله وهي لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا إذا اعتنت عناية فائقة بموازنة الموارد الموجودة تحت تصرفها بالخدمات التي عليها أن تقدمها.

إن ميناء عدن هو قلب الحياة الاقتصادية لهذه البلاد وعلى تقدمه يعتمد التقدم في سائر الخدمات ولقد استمر النشاط في الميناء طيلة العام بطريقة مرضية ومشجعة. ففي العام الماضي ضربت السفن التي استخدمت الميناء رقماً قياسياً ولما كنا لا نزال في بداية العام الجديد فإن من الصعب القول ما إذا كان الميناء سيحافظ على ذلك المستوى، ولكن كل الأرقام تشير أن عدد السفن التي استخدمت ميناء عدن هذا العام ومجموع حمولتها يزيد على أرقام العام الماضي كما أن مجموع تموين السفن بالزيت كان أكثر هذا العام نسبياً ولقد حصل ازدياد كبير في الواردات كما أننا حافظنا على مستوى التصدير ويصورة عامة فإن مجموع الميزان التجاري قد ازداد بنسبة 7.5 في المائة هذا العام مما كان عليه في نفس الوقت من العام الماضي كما أن مجموع قيمة البضائع المصدرة - ولا يدخل في هذا أرقام صادرات النفط - قد أخذ في الارتفاع ثم إن إنتاج مصافي عدن له علاقة وثيقة بنشاط الميناء.

ولقد استمر إنتاج المصافي في المحافظة على رقم عال يبلغ حوالي 6 مليون طن في العام وليس هذا هو أقصى ما يمكن أن تنتجه المصافي ولكنه يمثل درجة كبيرة من الطاقة الإنتاجية للمصافي ثم إن هناك عاملاً هاماً في موقفنا التجاري وهو أن صادراتنا إلى اليمن قد ازدادت بالرغم من الظروف الصعبة حتى بلغت 25 في المئة من مجموع صادرات السلع العامة من عدن ولقد استمر النشاط الاقتصادي في أعمال الإنشاء كما كان ولم يعتره أي هبوط ولو أن نوعية واتجاه أعمال الإنشاء أخذت تتغير إذ إن عدداً كبيراً من المساكن تبنى الآن لأغراض السكن الخاصة كما أن جزءاً من الطاقة الإنتاجية في الناحية العمرانية أخذ يتجه نحو بناء الطرقات والخدمات في الاتحاد خارج عدن وكل هذا يدل على استمرار المحافظة على موقف اقتصادي سليم وأهم ما يشغل بالنا هو بط حركة الصناعة الخفيفة في عدن.

وعلى كل وبالرغم من صعوبات كثيرة فإن هناك أملاً كبيراً في أن الفترة القادمة ستشهد دخول عدد من المشاريع الصناعية الجديدة وستعمل الحكومة كل ما في وسعها لتشجيع هذا الاتجاه وبهذا الخصوص فقد مولت حكومة عدن مشروع دراسة اقتصادية لميناء مصايد الأسماك وصناعتها ويقوم بهذا العمل اختصاصيون لإجراء البحث ويؤمل أن تؤدي نتائج ذلك إلى توسيع الصناعات المرتبطة بالأسماك وتوسيع عمل مصايد الأسماك.

إن المحافظة على النشاط الاقتصادي في مستوى لا يقل عما كان عليه في السابق يدل على أن مالية الحكومة اظهرت تقدماً مرضياً ومع أنه لا يمكن التنبؤ بدقة عما سيكون عليه الموقف للسنة المالية إلا أنني أؤمل أن السنة المالية الحالية ستظهر زيادة لا يستهان بها في مجموع الواردات. بالنسبة للإنفاق لقد استطعنا أن نحتفظ بمستوى صحيح للحياة الاقتصادية بالرغم من الظروف المعاكسة التي نشأت نتيجة عدم الاستقرار».

عبدالرحمن جرجرة

تتطلع حكومة الاتحاد إلى اليوم الذي تتحقق فيه السيادة والوحدة الكاملة

حول هذه الحالة من مستقبل عدن السياسي، تحدث الأستاذ عبدالرحمن جرجرة بتاريخ 4 فبراير 1965 وثيقة رقم 202 وهذا هو نص الحديث، الذي بث عبر إذاعة وتلفزيون عدن:

«بسم الله الرحمن الرحيم

كل عام وأنتم جميعاً بخير

أيها الأخوة يسرني بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن المجلس الأعلى لحكومة اتحاد الجنوب العربي أن أهنئكم بعيد الفطر المبارك أعاده الله علينا وعليكم وعلى جميع المسلمين بالخير والبركات والأمن والسلام والرفاهية.

واحتفالنا بعيد الفطر المبارك هو احتفال بانتصارنا على شهوات الجسد والرغبات المادية، وهو انتصار للإدارة الإنسانية وهو انتصار للقلوب المؤمنة.. ونحن أبناء الجنوب العربي نشعر اليوم أننا على وشك تحقيق انتصارنا الأكبر يوم نحتفل بعيدنا الحقيقي العيد الذي انتظرناه، عيدنا الأكبر يوم وحدتنا واستقلالنا. ورغم جميع الصعوبات رغم المشاكل الكثيرة والإجراءات المعقدة إلا أن إيماننا لا يمكن أن يتزعزع إيماننا بوحدة تربة وطننا وإيماننا باستقلالنا وسيادتنا الوطنية.

واليوم وتباشير هذا العيد على الأبواب على كل واحد فينا على الصغير والكبير الجندي والوزير والموظف والأمير والعامل والمدير على كل رجل وامرأة وعلى الشباب أن يبذلوا كل جهد ممكن في سبيل نجاح مساعينا لتوحيد أجزاء وطننا ومن أجل استقلالنا علينا جميعاً أن نعمل بجد وإخلاص وعلينا أن نتخلى عن الأنانية والتعصب في سبيل المصلحة العامة علينا أن ننظر في المستقبل لنرى اليقين المبين ومصلحتنا الحقيقية ومصلحة أولادنا وأحفادنا في وحدتنا.

واستقلالنا حق وعلينا أن نستعد له علينا أن نتعاون في تحمل المسؤولية وعلينا أن نتعاون في بناء وطننا وبلادنا بحاجة إلى كل جهودنا المضاعفة.

وطننا بحاحة إلى جهود كل فرد فينا في المدينة في القرية في المصنع والحقل في المدرسة والمكتب في الوطن والمهجر وعلينا أن نعمل ونعمل ونعمل إلى أن نحقق هدفنا الشرعي الحق في وحدة وطننا وسيادته الوطنية وتضافر جميع أبنائه في سبيل أمنه وسلامته وبنائه وتقدمه.

وبتعاون جميع أبناء الوطن الواحد لابد لنا أن نتحرر من الخوف والمرض والفقر والجهل والتفرقة.. وبتعاوننا جميعاً سنحقق هدفنا في استقلالنا لنصبح دولة عربية كاملة السيادة نقف على قدم المساواة مع بقية شقيقاتنا الدول العربية لنسير معاً في موكب الوحدة الكبرى والتحرر والرخاء».

حوارات حول مستقبل عدن

كانت الحوارات حول مستقبل عدن والجنوب العربي تتخذ عدة محاور واتجاهات في تلك الحقبة من تاريخ الجنوب السياسي، وفي تاريخ 25 فبراير 1965م قدمت نشرة خدمة صحافة الجنوب العربي عدة معلومات عن احتمال تأجيل مؤتمر الجنوب العربي، حيث وصف وزير المستعمرات المستر انتوني جرين وود، المؤتمر الذي كان مقترحا عقده في 2 مارس 1965م بأنه غير محتمل جداً.وكان وزير المستعمرات السابق المستر دنكن ساندزا قد وجه سؤالاً إلى جرين وود، عما إذا كان المستر جرين سيلقي بياناً حول استقالة حكومة عدن وأثرها على عقد مؤتمر لندن الدستوري المرتبط بمستقبل الجنوب العربي، وقد جاء رد المستر جرين وود قائلاً:«لقد أخبرت من قبل المندوب السامي أن وزراء حكومة ولاية عدن قد استقالوا في يوم الثلاثاء ومازال الوضع يناقش فيما بيننا. ولهذا السبب ولأسباب أخرى فمن الواضح جلياً أنه من غير المحتمل جداً أن يبدأ المؤتمر الدستوري في لندن في 2 مارس كما رتب سابقاً، وآمل بأن تكون مدة التأجيل قصيرة.أنا متأكد أن جميع أعضاء المجلس يأسفون للصعوبات التي تواجهها في عقد هذا المؤتمر.

إنني أقدر تماماً الحاجة إلى السرعة في إنجاز هذه القضية وسوف يكون خطأ كبيراً أن نسمح في استمرار أي تأجيل قد يكون ضرورياً لمدة طويلة. وقد أكدت في الخطابات التي أرسلتها إلى الجنوب العربي ذلك الأمر».

وكان الأستاذ عبدالقوي مكاوي قد تحدث إلى شعب الجنوب العربي عبر الإذاعة والتلفزيون بتاريخ 8 مارس 1965م، وضح عبر حديثه سياسة الحكومة الوطنية الجديدة في عدن.

وقد أعلن أنه قبل هذه المهمة تحدياً لقهر الظروف التي مرت بها البلاد، لأنه يؤمن بأنه لا حياة ولا روح لمن لا يسعى ويكافح في سبيل تحرير أمته وبلاده.

وقال الأستاذ عبدالقوي مكاوي:«إن البلاد تمر بفوضى وعدم استقرار والشعب في تذمر واستنكار من جراء الفراغ الشاسع الذي يفصل بين السياسة البريطانية والتيارات الشعبية العارمة.

إن الخطوات الأولى التي يتحتم على الحكومة وعلى الشعب اتخاذها العمل على تغيير الدستور الحالي وإبدالة كلياً بدستور آخر ينبع من إرادة الشعب وأمانيه ونحقق وضعاً سياسياً يرضى عنه جميع قطاعات الشعب».

وكان الزعيم عبدالقوي مكاوي قد أكد بأن حكومته لا تعادي أحداً وإنما تهدف إلى العمل وتبذل كل ما في وسعها على نيل استقلالً حقيقي ووحدة شاملة منطلقة من ديمقراطية سليمة، والمحافظة على الحريات العامة.

في تاريخ 17 أبريل 1965م ذكرت السيدة باربارا كاسل التي كانت تشغل منصب وزيرة التطوير لما وراء البحار في مجلس العموم البريطاني، بن المشاريع التي خصصت لاتحاد الجنوب العربي لعام 1965 - 1966م المصادقة عليها والداخلة تحت قانون تطوير المستعمرات، قد مليونين و578 إلف جنيه استرليني. وقد ردت على سؤال طرح عليها، بأن هذا يعادل حوالي 3 جنيهات و10 شلنات و9بنسات لكل فرد بالنسبة لسكان المنطقة.

وقد قالت في هذا الجانب:«إن المبالغ التي قدمت في خلال هذا السنة والتي تتعلق بصدد هذه المشاريع والمشاريع التي صودق عليها مسبقاً بالإضافة إلى المساعدات التي قدمت بأشكال مختلفة باستثناء المساعدات العسكرية والمالية قد بلغت 1.153.618 جنيه استرليني أو بعبارة أخرى جنيه ونصف لكل فرد. وقد بلغ مجموع المساعدات العسكرية والمالية مبلغاً قدره 8.2 مليون جنيه استرليني».

مستقبل الجنوب العربي يمكن حله في ضواء آراء ومتطلبات الشعب

جاء في الوثيقة رقم 909 الصادرة بتاريخ 12 مايو 1965 أن السلطان فضل بن علي رئيس المجلس الأعلى قد قال في خطابه الذي ألقاه في افتتاح جلسات المجلس الاتحادي في دورته العاشرة في يوم الاثنين بتاريخ 10 مايو 1965م ما يلي:«لقد كان حجر الزاوية في سياستنا دائماً ولا يزال، هو أن الاستقلال الحقيقي للجنوب العربي لا يمكن تحقيقه الا بخلق دولة ذات سيادة تضم الجنوب العربي كله».وعند إشارته إلى سياسية الحكومة الاتحادية بخصوص تطوير دستوري يؤدي إلى استقلال سريع، ذكر السلطان فضل أنه في ديسمبر 1964م أصدرت حكومة الاتحاد وحكومات الولايات في الاتحاد أصدروا بياناً سياسياً يدعو إلى مايلي:

-1 خلق دولة وحدوية ذات سيادة تتألف من جميع ولايات الجنوب العربي وتتمتع بكامل السلطات والمسؤوليات التي تتمتع بها جميع الدول الوحدوية الأخرى ذات السيادة.

-2 إنشاء دولة وحدوية على أسس ديمقراطية سليمة والاعتراف بحقوق الإنسان والقضاء العادل المستقل.

-3 أن يكون موضوع البحث في مؤتمر لندن القادم هو الأسس السليمة التي ستكون عليها تلك الدولة.وقال السلطان فضل بن علي:«وكما يتضح من البيان الذي كررته الآن فإن حكومة الاتحاد شعرت في ذلك الوقت بأن أفضل وسيلة لتحقيق أهدافنا هي، عقد مؤتمر في لندن رغم أن الحكومة الاتحادية قامت بأعمال تمهيدية كبيرة لهذا المؤتمر فإنه حين قرب موعد انعقاده اتضح أن الأطراف التي كان عليها أن تحضر المؤتمر لم يكن لديها الاستعداد الكافي لأن تعالج القضايا الأساسية التي ستثار في المؤتمر بصورة كاملة .

ولذا فقد نظرنا بقلق عند اقتراب موعد المؤتمر فيما إذا كان سيحقق أية نتائج عملية. ومهما كان الأمر فلا يجب أن يغرب عن البال، أن البيان السياسي الصادر في شهر ديسمبر 1964م قد دعا إلى تكوين دولة وحدوية تتألف من كافة ولايات الجنوب العربي. ولما اتضح أن ولايات حضرموت لن تمثل في المؤتمر تمثيلاً كاملاً، قررت حكومة اتحاد الجنوب العربي وممثلو ست عشرة ولاية اتحادية بأنه سيكون من المستحيل الوصول إلى قرارات حول الجنوب العربي بأكمله إذا لم يشترك فيه عدد من الولايات المهمة.

لقد داب الاستعمار منذ أمد بعيد على تقسيم جنوبنا العربي وبسبب هذا التقسيم حدث تأخر لا يوصف في تقدمنا السياسي والاقتصادي، لكن حكومة الاتحاد مصممة على عدم بقاء هذه التجزئة إلى الأبد، وبنفس الإصرار الذي نطالب فيه بإلغاء هذه الحدود الاستعمارية الاصطناعية، لا نقبل بقاء جزء من جنوبنا الحبيب كمستعمرة بريطانية ونطالب بشدة بتحرير عدن من أغلال الاستعمار دون أي تأخير. وإننا لمتأكدون بأن كافة أعضاء المجلس سيوافقون على وجوب إنجاز ذلك كي تحتل عدن مكانها اللائق بين شقيقاتها في السير قدماً نحو الاستقلال.لقد عبرت حكومة الاتحاد عن استعدادها للاشتراك مع حكومة صاحبة الجلالة وجميع الأطراف الأخرى التي يهمها الأمر في أية وسيلة يمكن بها وضع مقترحات عملية ومفصلة لمستقبل الجنوب العربي وذلك على ضوء آراء شعب الجنوب العربي ومتطلباته. وبناء على ذلك فقد بحثنا مع الحكومة البريطانية الخطوات الضرورية التي يجب اتخادها نحو هذا الهدف وكما هو معروف تمام المعرفة فإن حكومة الاتحاد لاتزال عند سياستها لتكوين دولة موحدة للجنوب العربي قاطبة تقوم على المبادئ الديمقراطية السليمة والاعتراف بحقوق الإنسان وفقاً للمبادئ والقانون القائمين وعلى سلطة قضائية مستقلة.

إن ما تدعو الحاجة إليه هو أن توجد بقدر ما يمكن من المساعدة الخارجية المناسبة، طريقة للتحقق ليس من آرائنا فحسب بل ومن آراء الولايات والمنظمات السياسية وغيرها من المنظمات الأخرى والأفراد، لإيجاد طريق لوضع دستور على أحسن ما يكون من أجل جنوبنا الحبيب حتى نتمكن بفضله من تحقيق وحدة وطنية حقة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى