الإصلاح الديمقراطي في الو طن العربي ..يتطلب الإقرار بالمساواة الكاملة بين المواطنين

> «الأيام» د. عبدالحسين شعبان:

> لم يعد الإصلاح مجرد فكرة تثير اختلافات حول المعنى المضمون أو حول الآليات والوسائل فحسب ، بل أصبح حاجة ماسة وملحة داخلية قبل أن تكون خارجية ، خصوصاً وأن أوضاعنا العربية في كثير من البلدان وصلت إلى طريق مسدود، ولهذا أخذ البعض يفكر بعمليات قيصرية قد لا تكون نتائجها مضمونة أو محدودة العواقب.

فبدلاً من وصول المجتمع (السلطة والمعارضة والفعاليات الاجتماعية والمدنية ) إلى طريق التنافر والاحتراب، أصبح من العقلانية والموضوعية حشد الطاقات لإحداث التطور التدريجي الطويل المدى لتحقيق الإصلاح والديمقراطية .

يقول د. عبد الحسين شعبان في أنه يمكن القول واستنتاجاً مما حصل في أفغانستان والعراق وتعرضهما للاحتلال، إن لم يأت الإصلاح تدريجياً تراكمياً وضمن مسار وانفتاح فإنه قد يأتي عاصفاً ومدوياً ويترك الانعكاسات السلبية الخطيرة على أوضع الحاضر وكذلك المستقبل.

فالتحدث عن الإصلاح الديمقراطي لا يقصد بذلك الحكومات وحدها رغم أنها المسئولة الأساسية. فالحكومات بحاجة الى شراكة حقيقية من مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات السياسية والنقابية والمهنية للاضطلاع بدورها في عملية الإصلاح الديمقراطي, وهي مسئولة أيضا عن نجاح أو إخفاق عملية الإصلاح وإن كانت بدرجات أدنى.

إصلاح شامل والمعادلة الصحيحة:

عندما نتحدث عن الإصلاح الديمقراطي فإننا لا نعني ميداناً من الميادين وإن كان الميدان السياسي يشكل أساساً مهماً ، إلا انه لوحده لا يمكن ان يوصلنا الى مجتمع الإصلاح والديمقراطية ، فالإصلاح لا يعني الحكومة وحدها كذلك لا يعني المجتمع المدني وحده، بل هو مصلحة عليا للشعب ولكل الأمة . خصوصا من خلال الشراكة والتفاعل والمسؤولية المشتركة بين الدولة والمجتمع .

يضيف شعبان «ولأن الإصلاح شامل وسياق عالمي وتاريخي فلا يمكن عزل هذا البلد أو تلك الدولة عنه وخصوصا في ظل العولمة وثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتحول العالم الى “ قرية كونية “ فلم يعد بإمكان بلد ما أن يعيش في عزلة أو يمنع مواطنيه من التأثير بما يجري في العالم، فالتلفزيون والكمبيوتر والإنترنت وسائل تدخل البيوت بدون استئذان وتؤثر في العقول والاتجاهات والأنظمة والمجتمعات على نحو عاصف.

المقايضة بين الداخل والخارج :

لا يمكن اليوم التعكز على بعض القضايا الوطنية وبحجة السيادة أو عدم التدخل بالشؤون الداخلية للتضحية بقضية الإصلاح أو بمقايضة ذلك بالديمقراطية والتنمية ، ولان ذلك سيؤدي الى استمرار النظم المستبدة والمعادية للديمقراطية والإصلاح مثلما لا ينبغي بحجة الإصلاح إرتهان الإدارة الوطنية للقوى الخارجية وللمشاريع الأمنية . أي قبول منطق الاستتباع والهيمنة والتعويل عليها لإحداث الإصلاح الديمقراطي .

إن المعادلة الصحيحة التي على الحكام العرب ان يعرفوها ويتعلموا دروسها جيداً مثلما على القوى المعارضة أن تدرك خطورتها وقوى المجتمع المدني ان تتفحصها جيداً هي أن الشروع بالإصلاح واعتماد الديمقراطية والتوجه نحو التنمية يضعف فرص التدخل الخارجي ويحول دون إعطاء مبررات إضافية للتغيير المفروض من الخارج والعكس صحيح .

إن رفض الإصلاح والديمقراطية داخلياً قاد إلى احتلالات وفرض إدارات، وفي كلا الحالتين كان الضحية هي الديمقراطية والإصلاح والتقدم الاجتماعي والتنمية .

والإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي يتطلب الإقرار بالمساواة بين المواطنين وبمبادئ المواطنة الكاملة، الأساسان في الدولة العصرية، وهذا الأمر يتطلب اعتماد التعددية الفكرية والتنوع السياسي والقومي والديني في مجتمعاتنا وضمان الحريات للأفراد والجماعات وبخاصة حرية التعبير وحرية التنظيم السياسي والنقابي والمهني ,وحرية الاعتقاد وتوسيع دائرة المشاركة باعتبارها حقا أساسيا يضمن حق تولي المناصب العليا والوظائف العامة دون تميز بسبب الدين أو العرق أو اللغة أو الاتجاه السياسي أو الانحدار الاجتماعي أو الجنس أو المعتقد أو لأي سبب آخر، تأمين حقوق النساء ومساواتهن مع الرجال طبقاً للمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والشرعية الدولية وكذلك الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة ,وتتطلب حيثيات الإصلاح نبذ العنف من الحياة السياسية واعتماد لغة الحوار والتعايش والاعتراف بالآخر. كما يتطلب الإصلاح الديمقراطي إجراء انتخابات دورية لاختيار الشعب لممثليه .

ويطرح د. عبد الحسين شعبان آليات للإصلاح الديمقراطي بالقول أنه يمكن أن تتأطر من خلال المشاركة الحقيقة للمجتمع المدني وعبر المساءلة والشفافية واتخاذ إجراءات عاجلة لإلغاء الأحكام العرفية ورفع حالات الطوارئ ووقف العمل بالقوانين الاستثنائية وتأكيد اعتماد آليات تنسجم مع المعايير الدولية لاحترام حقوق الإنسان واحترام الشعائر والطقوس الدينية بتحديد علاقة الدين بالدولة وحدود كل منهم . ويتطلب الصلاح أيضاً إلغاء الرقابة على الإعلام وإتاحة حرية الإعلام والتعبير والتظاهر والإضراب والكلام على نطاق واسع ويتطلب الأمر أيضاً إحداث نقلة مهمة في الميدان التربوي بتغيير وتطوير المناهج الدراسية وتنقيتها عن كل ما يتعارض مع حقوق الإنسان وحرياته .

ويمكن هنا أن يلعب المجتمع المدني دوره كقوة اقتراح سواء بتقديم مشاريع للبرلمان أو أنظمة وقواعد عمل أو برامج خاصة كما يمكن الإسهام في التدريب والتأهيل.

المرجعية الدولية :

يتساءل شعبان عما إذا كانت هناك مرجعية دولية تقود إلى الإصلاح الديمقراطي ؟ وهل للعالم العربي أن يستفيد عن هذه المرجعية ؟

إذا كانت الديمقراطية بناءً تراكمياً طويل الأمد وتطوراً تدرجياً فهي بحاجة إلى مؤسسات مثلما هي بحاجة إلى قوانين وآليات وقبل كل ذلك هي بحاجة إلى توفير إرادة في الإصلاح والتغيير ولعل تجربة أمريكا اللاتينية في الانتقال إلى الديمقراطية تشكل نموذجاَ مهما بحاجة للدراسة كما هي تجربة أفريقيا إضافة إلى أوروبا الشرقية .

المرجعية الدولية المهمة على هذا الصعيد التي يمكن التمسك بها من خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 81 الصادر في 4 كانون الأول ديسمبر عام 2000م.

وهو القرار الذي حمل عنوان «حول تعزيز الديمقراطية وتوطيدها» وتكمن أهمية هذا القرار, كونه حظى بموافقة جميع البلدان العربية ولم يعترض عليه احد أو يحتفظ عليه- كلاً أو جزءً- بما يمكن اعتباره وثيقة مهمة يمكن التعكز عليها من جانب كل بلد عربي وبخاصة قواه الحية المؤمنة بالإصلاح الديمقراطي .

وقد أكدت المرجعية الدولية على :

1.لا وجود لنموذج عالمي واحد للديمقراطية.

2. الديمقراطيات تتقاسمها خاصيات مشتركه من خلال تفاعل الثقافات وتداخل الحضارات وتشارك الفلسفات في التطور الدولي لانضاج الفكرة الكونية حول الديمقراطية .

3. الطبيعة الغنية المتنوعة للمجتمعات البشرية ، ان تقدير الخصوصيات ودورها في رفد الفكرة الكونية للديمقراطيات .

4. الحكم الصالح وسيلة للوصول الى الديمقراطية من خلال الشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد.

5. المجتمع المدني الذي يؤدي دوره توافقياً وليس تعارضياً من خلال مفوضات المجتمع المدني العربي بالضغط على جامعة الدول العربية ومن خلالها على البلدان العربية.

فالإصلاح الديمقراطي ـ حسب شعبان ـ هو عملية تطور تاريخي مؤسسي يعقد على استنهاض جميع القوى الحية في المجتمع وعلى درجة الشراكة . مثلما له علاقة بطبيعة الدولة والعلاقة بين الحكام المحكومين ودرجة التمثيل والشراكة .

في الإرهاب والإصلاح :

ساهمت أحداث 11/ سبتمبر 2001م على تأخير الإصلاح والديمقراطية على المستوى العالمي وشهد العالم قرارات دولية خطيرة صدرت عن مجلس الأمن الدولي وكانت هذه القرارات وخصوصاً القرار (1368) الصادر في 12/ سبتمبر والقرار (1373) الصادر في 28/ سبتمبر 2001م القرار (1390) الصادر في 16 يناير 2002م وهي من أخطر القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وهي أقرب إلى الأحكام العرفية بالإضافة إلى مصادرة الشرعية الدولية بإعطاء الحق في تفويض جهات غير مرجعية بشن الحرب لأغراض سياسية أنانية ضيقة ولا تحظى بشروط القانون الدولي. لكن ثمة معوقات تعترض الإصلاح الديمقراطي تتمثل في :

1. الإرث الاستعماري الذي عانت منه البلدان العربية, وكذلك استمرار الصراع العربي الإسرائيلي منذ نحو ستة عقود من الزمان حيث كان عاملاً معوقاً أمام التغيير والإصلاح الديمقراطي في العديد من البلدان العربية بمفاضلة التسلح بالتنمية ، والحكم الشمولي بالديمقراطية بحجة مواجهة العدو وفي النهاية لم نستطع تحرير الأراضي أو تحرير الإنسان فضاعت الأرض والسلام والتنمية والديمقراطية .

2. أسهمت الحروب والنزاعات الحدودية في كبح الإصلاح الديمقراطي مثلما هي الحرب العراقية ـ الإيرانية 1980-1988م وكذلك غزو الكويت 1990م ويمكن إضافة مسألة الحصارات الدولية وما عاناه العراق وفلسطين من مآسي جراء العقوبات الجائرة عليهما .

3. ضعف البُنى وهشاشة تركيب الدولة والتقاليد البالية والعتيقة وتوظيف الدين بصوره سلبية وتفشي ظواهر مثل الطائفية والمذهبية التي ساهمت في تقسيم المجتمعات إضافة الى بروز دور العشيرة والقبيلة على حساب مؤسسة الدولة الحديثة وعدم تحقيق المساواة الكاملة وخاصة بين الرجال والنساء وضعف المواطنة والانقلابات العسكرية التي كانت ظاهرة متكررة في عدد من البلدان العربي في الخمسينات والستينيات والسبعينات أدت إلى قيام أنظمة حكم عسكرية.

إن تجسير الفجوة بين الحكام والمحكومين بين الغنى الفاحش والفقر المدقع بين الحقوق والواجبات بين السلطات والمجتمع المدني , يقتضي تهيئة تربة خصبة لتنشئة جيل جديد يعتمد على تربية جديدة أساسها نشر الثقافة الحقوقية الديمقراطية .

الإصلاح فرض عين وليس كفاية كما يقال.

لابد من الشروع فيه بدلاً من الحديث عنه , ولهذا فلا يمكن أن نفكر مجرد التفكير أي اصلاح نريد ومن أين نبدأ وهل نحن مع هذا الإصلاح أو ضد ذاك هل الإصلاح خارجي أو داخلي , سلمي أو انقلابي . إن قضية الإصلاح الديمقراطي وطنية وحقوقية وإنسانية وهي بحاجة إلى فضاء رحب لاحترام حقوق الإنسان والأوطان .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى