الإصلاح الديمقراطي في الخليج العربي «البحرين نموذجا»

> «الأيام» أ/عبدالرحمن النعيمي:

> يمثل تقييم برامج الإصلاح الديمقراطي في المنطقة العربية مهمة أساسية لمنتدى المستقبل الرابع ولهذا الغرض نظمت ندوة للحوار في عدن في 20 فبراير من هذا العام .عرضت فيها العديد من الأوراق التي تناولت هذا الموضوع وكانت الورقة التي قدمها الاستاذ/عبدالرحمن النعيمي مكرسة لتقييم الاصلاحات في البحرين كنموذجاً عن منطقة الخليج العربي..

وقد انطلقت الورقة من تقدير حجم التطورات التي شهدتها المنطقة مشيرة إلى أن ثورات حقيقية حصلت في اقتصاد المنطقة وأوضاعها الاجتماعية وفي البناء التحتي للمجتمع . على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الأسر الحاكمة للإبقاء على التركيبة والعلاقات القبلية وإعادة إنتاجها .إلا أن الواقع الموضوعي عنيد , فالرأسمالية مهما كانت مشوهة أو هجينة فهي الأقوى والقادرة على فرض قوانينها وطبائعها . وهنا يتشكل الأساس الموضوعي للدعوات الإصلاحية التي تنطلق من الداخل أو الخارج لإصلاح البنى السياسية للنظام الخليجي .

وهذه الدعوات الإصلاحية الحالية تختلف شكلياً عن الدعوات الثورية الكبيرة التي شهدتها المنطقة في عقود منصرمة من القرن السابق .

ويمكن القول أن الكثير من تلك الحركات التقدمية-حسب النعيمي- لم تكن قادرة على أن تكون جماهيرية بل نخبوية تعبر عن المستقبل أكثر من التعبير عن الوعي الجماهيري السائد وهذا ما يفسر الانحسار الكبير لها وتطرقت الورقة إلى أن النضال والمطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ليست جديدة في منطقة الخليج وليست مستوردة وإنما هي مطلب قديم -جديد في أجندة القوى الديمقراطية التي عملت بشكل سري أو شبه سري أو علني في منطقة الجزيرة العربية- وأصبحت هذه المطالب ملحة للغاية في الوقت الحاضر .

ويمكن القول أيضاً أن القوى الأساسية الفاعلة في منطقة الخليج هي ثلاث قوى والتي تسهم بدورها في الصراع سلباً أو ايجاباً .

الأولى :هي القوى الأجنبية وبالتحديد الولايات المتحدة والتي وضعت على عاتقها برنامجاً للاصلاحات في المنطقة تستهدف الحفاظ على مصالحها الحيوية ,والقوة الثانية هي الأسر الحاكمة والتي تسعى لأن يكون لها سلطة القرار التنفيذي التشريعي والقضائي مع وجود تباينات بينها ... وكذا الحفاظ على السلطة والاستمرار في الحكم, والقوة الثالثة :هي القوى الاجتماعية بمختلف شرائحها وانتماءاتها والتي لها مصلحة في تطوير الأوضاع يإتجاه المشاركة في صنع القرار مع وجود تباينات في مواقفها إزاء السلطة .

وتساءلت الورقة عن ماذا تريد الحركة السياسية في البحرين ؟

مشيرة إلى أن فترة العشرينات وحتى الخمسينات من القرن المنصرم قد انحصرت مطالب الحركة الشعبية في إقامة مجلس للشورى وإلغاء الأحكام والممارسات التمييزية ضد الشيعة وتحسين الأوضاع المعيشية وإقامة النقابات العمالية ووضع دستور للبلاد وإصلاح القضاء والتعليم وطرح المستشار البريطاني وتشكيل مؤسسات مجتمع مدني , وكان رد السلطة إزاء ذلك هو الاعتقالات والنفي لقادة الحركة وإقامة المحاكم الصورية .

وفي الستينات من القرن المنصرم انطلقت انتفاضة 5 مارس 1965م المطالبة بحق العمال في تشكيل النقابات وسن دستور وإقامة مجلس تشريعي وإلغاء الاحكام العرفية وإصلاح الفساد وكان للحركة الوطنية دورها في التأكيد على عروبة البلاد ورفض الإدعاءات الإيرانية بالجزر .

أما في السبعينات فطالبوا بضرورة مشاركة المرأة في الحياة وإشراك القطاع الشبابي وإلغاء أحكام الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين والتأكيد على مبادئ العدالة والديمقراطية وفصل السلطات وأسس دولة النظام والقانون , كما طرحت الحركة برامج واضحة في الإصلاح السياسي وناضلت من أجل حصول المرأة على حقها في العمل والمشاركة السياسية على أن الحركة الوطنية في البحرين قد رفعت مطالب الإصلاح السياسي والتغيير السياسي الشامل ثم تخلت عن التغيير الشامل إلى شعار الإصلاح في التسعينات حيث تحددت مطالب الحركة في ذلك العقد في إعادة الحياة البرلمانية وتفعيل الدستور وعودة جميع المبعدين وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء وكان رد السلطة هو رفض استلام تلك المطالب والإستجابة لها بل وشنت حملة إعتقالات واستشهد فيها ما يقارب أربعين مناضلاً .

وتناولت اتجاهات المطالب الإصلاحية الاتجاهات التالية :

1-شكل المشاركة الشعبية جوهر المطالب الشعبية وتعني الوصول إلى ممالك دستورية على غرار انظمة الحكم الديمقراطية الغربية ..

2- المساواة بين أبناء الوطن الواحد ورفض أي شكل من أشكال التمييز الطائفي أو العرقي أو القبلي أو على أساس الجنس وتحديد دور أفراد الأسرة الحاكمة .

3- الحق في إقامة مؤسسات مستقلة لقوى المجتمع وفئاته دون تدخل السلطة في هذه المؤسسات .

4- حرية الصحافة وتحرير الإعلام من هيمنة الدولة .

5-إصلاح شامل للتعليم بما يواكب التطور الكبير في العالم .

6- الحفاظ على الهوية القومية للمنطقة ووضع استراتيجية بعيدة المدى لدمج المنطقة ببعضها ومع اليمن والمحيط العربي وعدم اغراقها بالعمالة الأجنبية .

لقد تفاعلت العوامل الداخلية مع العامل الخارجي لإحداث انفراج سياسي من خلال النضال الشعبي والتضحيات التي قدمها الشعب مما أمكن خلق موجة.. من التعاطف الكبير العربي والعالمي مع نضال شعب البحرين حيث قامت المنظمات الحقوقية في بريطانيا وفرنسا وأمريكا بالتركيز على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في البحرين, واتخذ البرلمان الأوروبي عدة قرارات تتعلق بالأوضاع القمعية مطالباً الحكومة بالكف عن هذه السياسة وإعادة الحياة البرلمانية.

لذلك فالنضال المتواصل للشعب وتحديد مطالبة السياسية والضغط الخارجي الكبير الذي مارسته المنظمات الحقوقية ومجيئ الحاكم الجديد الذي خلف والده في الحكم في مارس 1999م ليقدم نفسه بصورة تختلف عن سابقه كلها عوامل اسهمت في الانفراج السياسي حيث باشر الأمير حكمه بتقديم جملة من الوعود بالإصلاحات .

لقد درست الحركة السياسية بنود الدستور فوجدت أبرز المفاصل فيه على النحو التالي :

1- لم يلتزم الحكم بما جاء في ميثاق العمل الوطني باقتصار التعديلات على الفصل الثاني في الباب الأول إنما شمل الدستور من بدايته وحتى آخره .

2- أصبح الملك يملك في يده كل السلطات.

3- السلطة التشريعية أصبحت نصف منتخبة حيث يعين الملك أعضاء مجلس الشورى وهم المساوون في العدد لمجلس النواب .

4- أصبحت السلطة التنفيذية في مرتبة أعلى من السلطة التشريعية .

5- لم يلتزم الحكم بآلية لتعديل الدستور التي نص عليها الدستور الساري المفعول .

6- إجراء تعديلات واسعة في باب الجنسية حيث سمح بازدواجيتها .

7- سحب من البرلمان حق إصدار قانون لتحديد الدوائر الانتخابية واعتبر حقاً للملك عبر مرسوم يصدره .

8- الإكثار من عدد الدوائر الانتخابية لمواجهة قوى المعارضة وأصبح النائب يمثل دائرة صغيرة في البلاد .

9- منح الجنسية للكثير ممن يستحقها من المقيمين في البلاد كإجراء لمواجهة المعارضين له. لكن هذه الخطوة حملت سمة سلبية تضمنت تجنيس عددً من الأجانب والعرب على أرضية طائفية كتقليل نسبة الشيعة في البلاد .

10- عدم السماح بالنظر في القوانين والأحكام مما يعني العفو عن الجلادين والمجرمين السابقين من ضباط أمن الدولة .

11- مصادرة حق المجلس التشريعي في مراقبة المال العام .

وأشارت الورقة إلى أن الإصلاح السياسي يتطلب السماح للقوى السياسية بالعمل العلني والمشاركة في الانتخابات واعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة وإصلاح القضاء واستقلالية وحـرية التعبيـر والصحافة وتشكيـل النقابات.

واعتبرت الورقة ما يجري في البحرين على أنه مجرد أجواء انفراج سياسي تخللتها موجات عنف وشد وجذب تراقبها الأطراف الدولية خاصة (الولايات المتحدة) وحيث أن الحركة المعارضة سعت لاستخدام كافة الوسائل لإقناع الحكم بالسير في طريق الاصلاحات إلا أن من المفيد التأكيد على دور العوامل الخارجية التي يمكن ايجازها في التالي:

1- أن مملكة البحرين تعتمد اعتماداً كبيراً على محيطها الخليجي (السعودية - الكويت - قطر- الإمارات ) وبالذات دور السعودية .

2- دور الولايات المتحدة والتي اصبحت اللاعب الأساسي في الخليج حيث تسعى الولايات المتحدة إلى (مقرطة المنطقة برمتها وتواجه عناد ورفض الأسر الحاكمة الرافضة لأي تغيير وبالتالي لا يمكن تجاهل الدور الأمريكي والأوروبي سواءً كحكومات أو مؤسسات مجتمع مدني خاصة بعد تشكيل منتدى المستقبل ) وتأكيد واشنطن رعايتها للعملية الديمقراطية كما لايمكن تجاهل ميزان القوى بين الحركة الشعبية والأسرة الحاكمة وما تمكله من قدرات.

لذلك ليس هناك من مخرج سوى الضغط الداخلي والخارجي لإقناع الأسر الحاكمة بالحوار مع المعارضة .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى