والإيثار .. يمان

> «الأيام» سهام عبدالرب سروري:

> كلما شدت أعماقي بالتغني بتراب الوطن الحبيب .. أحسست بالتقصير .. وكلما تعمقت بالحديث عن ثراه الأغر .. ازددت عطشا لأن اقول المزيد .. ترى ماذا يشفي غليلي الآن؟.. ماذا أعمل لأطفئ هذه الرغبة العارمة في الكتابة عنه .. وماذا أقول؟! إنها فكرة وليدة الساعة تملكتني بشغف .. واستولت علي بمنتهى القوة .. ولم أر نفسي إلا وأنا أنطلق بسيارتي متجهة إلى بيت الموروث الشعبي الذي أبلت فيه الأخت العزيزة نجلاء شمسان بلاء حسنا .. حيث جمعت المحافظات كلها في منزلها الكائن في المعلا .. جمعت الأزياء الأصيلة .. والتراث العريق .. والتاريخ الساطع بين أربعة من جدران منزلها الذي يفيض عبقا وأريجا .

طافت بي (الطيبة)، ابنتها التي تفيض ذوقا وعذوبة .. أرجاء البيت الجامع.. تساءلت : أين ابنة شمسان ؟! أجابت: في مؤتمر لسيدات الأعمال في القاهرة .. رددت : مرحى للنشاط المتواصل الذي لا يكل ولا يمل.

وعند تنقلي بين الأزياء التي أخذت مني كل مأخذ .. أزياء خاصة بنساء صعدة الصاعدة .. والمرأة في المكلا .. والردع العدني المميز .. الزي الصنعاني الآسر .. زنة وحلية تعز .. زي المرأة في جبل صبر .إذا بي أتوقف عند عبق لمزيج المسك والعنبر معا.. عبق معروف لدي تماما ..عبق اختلط بدمي وثنايا روحي .. وكل قلبي .. بل بجينات خلاياي كلها .. الموروثة والمورثة..أشتم أريحه من على بعد شاسع .. وبين بائن .. ومسافات خيالية .. أهي البرمجة اللغوية العصبية Neurolan programmimg؟ (N.L.p) - أم هي ترجمتها التي نبعت من ذلك الزي الذي توقفت عنده؟! وانبعثت لتسكن أنسجة ناظري التي تسمرت فيه .. إنه زي والدتي-رحمها الله - أهدته لبيت الموروث الشعبي، مساهمة منها في تشييده وبنائه. كان زيا مميزا لشابات محافظة عدن في النصف الثاني من القرن الماضي .. عبارة عن (طرحة) لمقدمة الرأس مشغولة بخيوط ذهبية لامعة.. وشال لماع مشغول بخيوط فضية يوضع على الكتفين .. وفستان فضفاض واسع رائع مشغول بلوني الفضة والذهب على الصدر .. يتوسطها اللون الأزرق اللامع كموج البحر وقد انعكست عليه شمس الأصيل لايستطيع قراءة العبارة المكتوبة عليه إلا المتعمن بهذه الأمواج .. كانت العبارة تقول :أنا اليمن واليمن أنا .

كيف اخترق هذا العبير ثنايا الروح .. وشغاف القلب ؟! وتلافيف الوجدان..؟! أهي الفوتونات photones الخارقة؟! أم أنه الشعاع الوضاع .. على الرغم من أن ابنة شمسان قد وضعته في صندوق زجاجي .. حرصا منها عليه من عوامل التعرية !! متربع الصدارة بين كل الأزياء .. إنه كلاهما معا ..!!

في حفل الثالث والعشرين من يوليو المجيد.. الذي دعيت إليه من قبل السفارة المصرية في صنعاء، كنت قد استعددت بزي مثيل لما رأيته في (بيت الموروث الشعبي) رغبة مني في تقليد وتخليد ما رأيت .. إذا بي أرى زي جبل صبر ترتديه الأخت العزيزة أروى عبده عثمان .. غاية في الروعة والجمال .. من تدير (بيت الثقافة) في عاصمة دولة الوحدة .. إذا بالعبارة التي كتبتها على صدري مكتوبة على صدرها أيضا وبلون موج البحر نفسه .. ممزوجا بلوني الذهب والفضة .. وشمس الأصيل قد عكست ضوءها عليه .. وقد برعت (بيت الثقافة) في تمويه العبارة التي أخذت شكل الموج .. بحيث لا يستطيع قراءتها إلا المتمعن بها .. فقرأت كلتانا المكتوب على صدر الأخرى .. بعد أن قرأت كل منا ما سكن في الأعماق .. وما نُقش في الجنان .. وقد كان حفلا رائعا للثورة الخالدة ..

أثناء تجوالنا معا في ساحة السفارة المصرية تعرفنا بمجموعة كبيرة من المدعوات، لم أنس أم أبارك لمديرة بيت الثقافة زواجها من الأخ القدير زميلها الصحفي المعروف .. ردت التحية بأن أخرجت صورة لشقيقتين عزيزتين على كل منا.. كانت الكبرى ترتدي زي (بيت الموروث الشعبي) .. والصغرى ترتدي زي (بيت الثقافة) في صنعاء. كانت مفاجأة لم أتوقعها بالنسبة لي .. حيث كانت الشقيقتان هما ابنتا أخي د. بروفيسور حبيب عبدالرب سروري .. وكانت ابنتاه هما (كلمنتين) و(عمبرين).. وكانت الصورة التي جمعتهما مع مديرة بيت الثقافة قد التقطت في فرنسا أثناء زيارتها وزوجها في إجازة ما بعد الزواج .

أما العبارة فقد كانت مكتوبة بأربع لغات: عربية، فرنسية، انكليزية، لاتينية.. اللغات التي تجيدها الشقيقتان بمنتهى الطلاقة .. وقد كانت مكتوبة بدون تمويه .. بل بكل وضوح .. وبالبلاتين الخالص .. وإنما في جهة واحدة فقط من الصدر : اليسرى .. فوق القلب تماما.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى