«الأيام» تبحر في وادي ميفعة بتفاصيله الحزينة ..عناوين مسطرة بحروف من معاناة الناس في زمن لا يرحم ..وادي ميفعة: آلام وسيل من الآهات.. ولكن يبقى الأمل

> «الأيام» جمال شنيتر:

>
حصن بن نشوة حيث سر التوهج
حصن بن نشوة حيث سر التوهج
تواصل «الأيام» إبحارها في وادي ميفعة حيث عطش الأرض وذبول الشجر ومعاناة الإنسان من شظف العيش وقسوة الطبيعة وإهمال الحكومات المتعاقبة لهذه المنطقة وكأنها ليست جزءً من هذا الوطن الكبير.

وادي ميفعة.. حيث قراه ومناطقه المبعثرة هنا وهناك التي تقاسي الوحدة والألم، ولكن يبقى الأمل لدى الإنسان هنا رغم كل الظروف.

إنها عناوين مؤلمة وحزينة تسطرها «الأيام» بحروف من معاناة الناس وآلامهم في زمن قاس.

الجفاف أولاً

لا يختلف اثنان هنا أن الجفاف أحد المشاكل حديثة العهد لكنها أصبحت تهدد الإنسان والحيوان والنبات حاضراً ومستقبلاً، وبهذا الصدد قال الوالد سعيد منصور الأحمدي: «إلى وقت قريب كان الوادي من أغنى الأودية بالمياه، لكن في السنوات الأخيرة بدأت تظهر مشكلة نضوب الآبار الجوفية، وأنا أعتقد أن الحل هو إنشاء السدود وخاصة سد لجب الذي سيستفيد منه كل أبناء هذا الوادي إلى منطقة جول الشيخ، ونحن هنا في قرية كورة آل حمد نعاني من هذه المشكلة بشكل واضح».

ويتفق الوالد هادي بن صالح القميشي من قرية الدرجاج مع هذا الرأي ويقول:«بدأ الماء يشح في الآبار وزادت الملوحة وتابعنا السلطة المحلية لإيجاد حلول لمشكلة نقص المياه ولكن دون جدوى، ولابد من إنشاء السدود والقنوات والكرفان».

وإلى قرية الجريبة حيث التقينا الأخ أحمد هادي السواحرة مدير مكتب الزراعة والري وكانت فرصة مناسبة أن نسأله عن الزراعة في وادي ميفعة فقال:«وادي ميفعة غني بتربته الخصبة والمياه الجوفية، وفيه العديد من المحاصيل الزراعية كالموز والطماطم والقطن وغيرها، إلا أنه للأسف بدأ الجفاف يضرب بعض المناطق فنضبت بعض الآبار وازدادت الملوحة في البعض الآخر، فعلى سبيل المثال في هذه القرية الجريبة اضطر الأهالي إلى إنشاء مشروع للمياه في منطقة ميفعة على الجانب الآخر من الوادي بعد أن نضبت البئر في الجريبة وزادت الملوحة فيها، وهذا الحال موجود في قرى أخرى مثل مكساه وكورة آل حمد والدرجاج وغيرها، وبالنسبة لإنشاء سدود وقنوات فهذا يحتاج إلى إمكانيات كبيرة، خاصة مشروع سد لجب وهو مشروع ضخم يحتاج إلى مزيد من الدراسات وإلى إمكانيات ضخمة جداً.

مستودع المياه

كجزيرة ساحرة تتوسط واديين صغيرين من الوادي الكبير تقع قرية قفيزة التي كانت بمثابة مستودع للمياه الجوفية، حيث اشتهرت بنقاوة مياهها وسلامتها إلا أن الأمر اختلف تماماً كما يقول الأهالي، فقد شحت المياه بعدما شحت السيول والأمطار على أجزاء هذا الوادي.

دار السواحرة الاقدم في قرية الجريبة
دار السواحرة الاقدم في قرية الجريبة
حصن بن يعقوب

وليس بعيداً عن قفيزة تقع قرية حصون آل يعقوب حيث تأسرك سلسلة الحصون القديمة التي لاتزال هياكلها الترابية صامدة رغم كل تقلبات الزمن وقسوة الطبيعة.. هنا فقط حيث الحدود التي لا يمكن تجاوزها، حيث الشمس التي لا تريد أن تغرب، هنا تكمن روعة الحنين إلى الماضي الآسر.

وتتواصل رحلة «الأيام».. ومن بعيد تراءت إحدى القلاع الحصينة في أعلى الجبل المطل على قرية قرين بن نشوة.. مررنا سريعاً بجانب القرية وإلى الخلف منها باتجاه منطقة جول الشيخ نزلت من السيارة مهرولاً وعلى الفور أسرعت لتسلق ذلك الجبل للوصول إلى قمته حيث تقف تلك القلعة الشامخة، وعندما تحقق لي مرادي بدت لي القلعة الحصينة وهي تتدلى بكبرياء وعز الأجداد مطلة على مناطق الوادي الكبير بامتداده التضاريسي البانورامي.

هنا فقط تمتزج المشاعر والأحاسيس حيث سحر وعطر الحياة وسر التوهج والرجاء الفسيح!

وكلما ازددت تأملاً وإمعاناً في هذا الحصن ازددت دهشة وحيرة وألماً وأملاً، حتى شعرت بصخب أفكاري وضجيج التساؤلات التي تلاحقني.

سألت الوالد عبدربه محمد بن نشوة عن الحصن فقال:«هذا حصن حربي قديم اسمه حصن بن نشوة، ويقدر عمره بأكثر من مائة عام على ما يبدو، وهكذا كانت عادة الناس هنا، يختارون الأماكن المرتفعة وشديدة الانحدار للعيش فيها».وأضاف قائلاً:” إلى الغرب من هنا يوجد سد التويشن، وهو سد مائي صغير يستفيد منه البدو الرحل في المنطقة والقرى القريبة منه مثل القرين والرحابة والفاضة وغيرها».

ربع قرن لا يكفي

مناطق الوادي حزينة ومظلمة تحلم بالنور منذ نحو ربع قرن من الزمان.. فمشروع المرحلة الثانية من كهرباء المديرية تأسس عام 1985م وربط مناطق المرحلة الأولى فقط، أما المرحلة الثانية التي تضم مناطق الوادي فظلت طوال هذه السنوات في ظلام دامس، والجديد أنه قبل نحو شهر تم ربطها بشبكة الكهرباء، ولكن لأربع ساعات نهارية لا غير.

يقول الأخ ياسر عبدالله محمد الأحمدي: «لقد صبر الناس هنا بما فيه الكفاية تحت ضوء الفوانيس والشمع ولكن إلى متى؟

ألا تكفي كل هذه السنين، ونحن الآن لانعتبر أن الكهرباء قد وصلت، الأهم لدينا أن تصل في فترة المساء، ولهذا نطالب عبر “الأيام” السلطة المحلية ووزارة الكهرباء بالإسراع في توفير المواطير الكهربائية لمشروع المرحلة الثانية، ونشكر «الأيام» على اهتمامها ومتابعتها لمشروع المرحلة الثانية منذ سنوات، فقد كانت منبرنا الوحيد الذي يوصل شكوانا للمسئولين».

أما الأخ علي سالم الحلقة فقال:«ظلام دامس تتجرعه قرى وادي ميفعة التي يزيد سكانها على عشرين ألف نسمة، فماذا تنفع الكهرباء نهاراً إذا لم تعمل ليلاً؟

وفي اعتقادي أن صبر الناس في هذه المنطقة الذي استمر ربع قرن من الزمان كفيل بأن يجعل السلطة المحلية تولي الاهتمام بهذه المنطقة.

كما نتقدم بشكرنا لكل الجهود التي بذلها الأخوة في المجلس المحلي الحالي لمديرية ميفعة، ونتمنى توفير ماطور كهربائي خلال الفترة المسائية، ودون ذلك فالكهرباء ليست موجودة في قرى وادي ميفعة».

أحد الدفاعات عن وادي ميفعة
أحد الدفاعات عن وادي ميفعة
من هنا وهناك

معظم القرى التي تشرف على الوادي تعيش تحت خطر السيول والفيضانات حتى أصبحت قاب قوسين من بطن الوادي مثل قرى مكساه، الجريبة، قفيزة، قرين بن نشوة وجول الشيخ، أما قرية صعيد باقادر فقد بدأت آثار السيول تصل إلى مقبرتها التي أدى تهديد السيول لها إلى انتقال نحو خمسة آلاف نسمة من سكانها إلى مدينة جول الريدة خلال الفترة الممتدة من عام 1981م إلى 1990م. شجرة (السيسبان) أكثر الأشجار انتشاراً في الوادي، ومن خلال تجوالنا حول قرى الوادي لم نر قرية تخلو من هذه الشجرة الآفة التي زحفت على الأراضي الزراعية وأصابتها في مقتل.يعاني كثير من أبناء المنطقة البطالة، حيث أصبح الحصول على عمل هماً يؤرق شباب الوادي الذين يطالبون الشركات العاملة في مشروع الغاز المسال توظيفهم أسوة بأبناء المناطق الأخرى.

كان للأخ صالح سويد باعوضة دور كبير في إنجاح رحلتنا هذه إلى الوادي، فله الشكر والتقدير.

ويبقى الأمل

تمضي الأيام وتتعاقب الليالي، والإنسان هنا في هذا الوادي تصيبه مشاعر من الأسى والكآبة والحسرة والألم والأمل والأحاسيس المتناقضة وأشياء أخرى يعجز المرء عن تفسيرها.آلام وأنات وسيل من الآهات التي لاتنقطع.. لكن رغم ذلك يبقى شعاع الأمل المنتصر دوماً وأبداً في غد أفضل وأجمل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى