«الأيام» تستطلع أوضاع مناطق القبيطة.. النويحة خدمات غائبة ومظالم صامتة وحياة محفوفة بالمخاطر

> «الأيام» أنيس منصور:

>
طريق نويحة
طريق نويحة
منطقة النويحة واقعة على انحدار جبل اليأس بمديرية القبيطة محافظة لحج يسكنها ثلاثة آلاف نسمة ليس لها مساحة مقدرة لأن مساكنها تتوزع ذات اليمين وذات الشمال عالقة فوق جبال وتلال صخرية تعاني الأمرين مرارة العيش وغياب الخدمات إضافة إلى مشقة البحث عن الماء والظلام الدامس، رجال وشباب النويحة خرجوا إلى المدن والبوادي ليبدأوا رحلة صراع مع الحياة في صناعة الحلويات التي اشتهرت بها النويحة كابر عن كابر، حياة بدايته محفوفة بالمخاطر يقتاتون آلامهم ويلوكون أحزانهم يسمعون عن المليارات والملايين وهي توزع في نشرات المذياع فهمس أحدهم هل هذا صحيح. تعالوا معنا إلى النويحة حيث اليأس والبؤس ومسميات أخرى تدل على المسمى، نحلق في غياهب الشكاوى ونكتشف أنين المظلومين في زيارة قصيرة.

طريق الرعب

جلسة استراحة من سفر شاق تناولنا فيها وجبة غداء سفري فوق قمة جبل اليأس المطل على النويحة والرما، تنهد ماجد علي قائلاً:«عجباً كيف يعش الناس في طبيعة قاسية». العيون ترقب من على شاهق لمنازل ملتصقة بالجبال وفي أدنى سرعة تحركت إطارات السيارة بهدوء وخوف شديد من الانزلاق في طريق جبلية مرعبة متعرجة وبدون مقدمات استوقفنا عدد من الشباب قالوا:«الطريق خربتها السيول وإصلاحها يتم عبر جهود شخصية وتعاون أهلي». نسير قليلاً ولم نجد شيئاً إيجابياً سوى وعورة الطريق وواقع مرير وبؤس يرتسم في ملامح الساكنين الذين بادلونا نظرات الاستغراب كأننا قادمون من كوكب آخر! تساءل الشيخ حمود سعيد العمودي عن موقف المجلس المحلي من معاناة السائرين من وإلى النويحة؟ وسرد سليمان محمد أنعم قصة الهجرة من النويحة التي ترعرع فيها وتحدث بكلمات كالصاعقة: «لا قيمة للعيش والحياة رغم الحنين وذكريات الطفولة والشباب لكن صعوبة الطريق تسببت في هجرة الكثير من أبناء النويحة وقليل منهم يعاود الزيارة إلى النويحة في مواسم الأعياد فقط». ووضع جميل محمد عبدالله مقارنة بين تكلفة أجرة السيارة من الراهدة وكرش إلى النويحة قائلاً بأنها تكلفة السفر نفسها من لحج إلى صنعاء «حياتنا تعب وضنك تصل إلينا المواد الغذائية ومتطلبات البيوت بأسعار مضاعفة، حال ليس له مثيل». وتفضل عبدالله أبو شنب أحد سائقي السيارات الماهرين ويتمتع بأخلاق عالية ويقدم خدمات الرسائل ونقل الركاب قائلاً:«الإطارات تنتهي بسرعة ونحن مخاطرون بحياتنا جزافاً، طريق لا تصلح لسير الحمير» طريق شاهد فيها الموت داعياً الدولة إلى الاهتمام والنظر بعين المسؤولية لطريق النويحة واحترام آدميتهم فهم بشر يمنيون لهم حقوق ومطالب كما هي الواجبات المفروضة عليهم.. إنها طريق محفوفة بالمخاطر ملغومة بالحفر والمنعطفات إنها مسلسل مرعب، هكذا هم أبناء النويحة وسكانها صامدون بكل قوة وتحد يكافحون الخطوب ويتحدون المصاعب مأساتهم تداس بين أقدام الحكومة تلفظها ألسنة وأقلام المسؤولين بوعود انتخابية وخطابات تخديرية، أصبحت الطريق إلى النويحة هاجساً وكابوساً يؤرق معيشتهم كل وقت وحين ينتظرون وحدة شق بفارغ الصبر.

مصدر العيش ومصادر الإضاءة

صناعة الحلويات بكل أنواعها هي مهنة الغالبية العظمى من سكان النويحة يتوارثها الأجيال كمهنة وحرفة يتعاقبون ويتنافسون لأنها مصدر أساسي للعيش وسند وحيد في الحصول على المال وتتوزع مجمعات وأماكن تحضير وبيع الحلويات في كل عواصم ومديريات المحافظات لأفراد وعمال من منطقة النويحة. ووضح عبده عبدالله علي أن هناك أسراراً وطرقاً ووسائل متفرقة حسب النوعية والامتياز يستخدمها أبناء النويحة ورثوها من الآباء والأجداد في صنع الحلوى وقد آثروا الهجرة بعد أن ضاقت بهم الحياة في جبال حراء وزراعة موسمية حتى مدرجاتهم الزراعية باعوها بثمن بخس لأنه لا قيمة ولا وزن للسكن في منطقة محرومة من الجوانب الخدماتية ويعمل بعض القاطنين في رعي الأغنام والأعمال العضلية بالأجر اليومي حيث يقف الشباب طوابير محرومين من فرص التوظيف. أما مصادر الطاقة الضوئية فهي فوانيس وقماقم ومصابيح على بطاريات وغاز، نفر قليل يملكون مولدات خاصة صغيرة عليهما يستامرون في صراع مع الليالي المظلمة يتطلعون إلى مشاريع الطاقة النووية. تقدم الشاب وسيل محمد قائلاً:«النويحة همومها وقضاياها بحاجة إلى جملة قرارات المجلس المحلي حتى ولو من باب تهدئة روع وسخط الناس».

منظر من مناطق النويحة
منظر من مناطق النويحة
مشقة الحياة ونقص المعلمين

تتوالى المتاعب والغصص التي تؤكد مقولة الاستطلاعات السابقة أن جفاف المياه وشحتها هي القاسم المشترك بين جميع مناطق وعزل القبيطة، لقد مضى (45) عاماً من قيام الثورة و17 عاماً من تحقيق الوحدة والقبيطة فاقة وبؤس وضحايا ونزوح جماعي والجفاف سبب في كل ما سبق، مشاريع السدود التجمعية للمياه ليس لها أثر عدا بعض المشاريع المقدمة من جهات مانحة وخيرية لم تكف فواجع ومواجع الساكنين، ثمة مشاهد تبعث على الحسرة والقهر لقطعان الحمير القادمة ذهاباً وإياباً عليها (دبب) لنقل الماء وطالبات تركن التعليم للمشي مسافات شاسعة خلف الحمير وفوق الآبار والخزانات بحثاً عن قطرات المياه التي تروي عطشهن وكما قالت إحدى عجائز المنطقة «هذا حالنا نسير من بثر إلى أخرى نكدح ونمرض تذبل أجسامنا ونحن والماء في صراع». وصورة أخرى هي لأطفال في أعمار الزهور يساعدون أمهاتهم في جلب الماء.

الطفل هاني عمر(7سنوات) وزميله علي امتطيا ظهر الحمار ودبب الماء حواليهما وعلى وجهيهما ابتسامات وملامح الانتصار والفوز لأنهما ظفرا بدبتين مليئتين بالماء، وهكذا هي الحياة هناك حياة مليئة بالطفح تجبر الناظرين على اتخاذ قرارات شخصية بمقاطعة شاشة التلفزيون اليمني وإعلان التوبة عن قراءة الصحف الرسمية التي أعمت عيوننا بالمناقصات وخطابات التنمية والمنجزات التي لم ولن تتحقق منها شيء يشعر مواطني النويحة أن هناك دولة ونظاماً يهتم بمواطنيه وأن في النويحة أشياء تدل على وجود السلطة. وعن الجانب التربوي والتعليمي فالحديث عنه ذو شجون فرغم النقلة النوعية بين واقع التعليم بالأمس واليوم فإن المفارقات طويلة وكثيرة نحو الأفضل لكن لا يعني ذلك عدم وجود أخطاء وعيوب ففي منطقة النويحة مدرسة إعدادية ثم يغادر الطلاب ليتوقفوا عن مواصلة تعليمهم ويتجهوا للعمل العضلي والبحث عن مفاتيح الرزق.

التقينا الأستاذ ناصر الصغير فذكر أن نقص المعلمين والكتب المدرسية، وضيق الفصول المدرسية قضية مهمة يتلظى بها التعليم في النويحة، كما قال المواطن محمد ثابت الثابتي: «صف أول ابتدائي بدون معلمين طلابنا يعودون إلى منازلهم مبكرين ودفاترهم خالية من الدروس لأن هناك ضعفاً في المتابعة والرقابة من قبل إدارة المدرسة». وكانت قضية نقص المعلمين قد طرحت على طاولة مدير عام التربية بالمديرية عبدالكافي عبداللطيف ووضح «أن نقص المعلمين قضية مركزية وقد عملت الإدارة التعليمية اجتهادات كثيرة لاحتوائها من خلال إعادة التوزيع في الأيام القادمة لكنها ستظل قضية عالقة مهما سددنا وقاربنا ولكن شيء أحسن من لا شيء».

قطيع من الحمير لجلب الماء
قطيع من الحمير لجلب الماء
الصحة بين الإشراف والتقييم

الجانب الإيجابي الذي يمكن أن نشير إليه بالبنان كأمانة مهنية وصحفية في النويحة هو الجانب الصحي حيث توجد وحدة صحية تقدم خدمات مقبولة نالت رضى الناس نوعاً ما وذلك بجهود ومتابعة مكتب الصحة بالمديرية ممثلاً بالمدير علي جازم الذي يقوم بنفسه بزيارات دورية إشرافية لما يقارب (7 مستوصفات و17 وحدة صحية) من ضمنها الوحدة الصحية بالنويحة وذلك لتقييم الخدمات الصحية والمرافق من حيث الأداء وأنواع الخدمات والعلاجات والنظافة واللقاحات ومسح المناطق المستهدفة وطرق الحصول على الأدوية ووسائل تنظيم الأسرة ومطابقة الخطط والتقارير والسجلات وبعض الجوانب الفنية وقد حقق الجانب الصحي نجاحات ملموسة في الميدان وما تقدمه الوحدة الصحية بالنويحة يساوي خدمات المستوصفات رغم قلة اعتمادها والشكر موصول لمدير الوحدة الصحية طارق أحمد علي فهي دعوة ومناشدة لمزيد من الاهتمام بالوحدة الصحية بالنويحة.

تلك هي محطتنا الأخيرة فمنطقة النويحة عبارة عن ملف حافل بمآس وأنات متراكمة لا يمكن معالجتها بالكي السريع ولا تتوقف المظالم عند هذه المآسي بل هناك مظالم صامتة خفية هي الأكثر فلكل بيت مأساة ولكل قرية ألف مأساة ومأساة لم يجد المواطنون لها سبيلاً سوى الدعوات والمناشدات عبر «الأيام».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى